شبكة ذي قار
عـاجـل










 

كلنا يعرف بالانجاز البطولي الذي طلع علينا به "مجلس الوزراء العراقي" مؤخراً بألغاء البطاقة التموينية بكافة مفرداتها والاستعاضة عنها بمبلغ مالي قدره خمسة عشر ألف ( 15000 ) دينار عراقي - ( 12.5 $) لكل فرد.

 

وكان أحد أهم مبررات هذا الفتح العظيم لذلك المجلس العتيد هو القضاء على عمليات الفساد التي رافقت عمليات شراء وتوزيع مفردات البطاقة التموينية. وقد أتخذ "المجلس" هذا القرار بعد أن تم تقليص مفردات البطاقة الى خمس مفردات وبعد محاولات ترقيعية أخرى لم تقف حائلاً أمام عمليات النهب المنظم لقوت الشعب المظلوم، ولم تحل دون فساد المواد المشتراة في مخازن وزارة التجارة قبل توزيعها.


بدأ العمل بنظام البطاقة التموينية في العراق بعد وقت قصير جداً من قيام مجلس الأمن الدولي وبأملاءات أمريكية صريحة بفرض العقوبات الأقتصادية الشاملة ودفعة واحدة على العراق بعد دخول القوات العراقيةالى الكويت في آب/أغسطس 1990. ومنعاً لأحتكار التجار للمفردات الغذائية والمعيشية الأساسية للعائلة العراقية قررت الحكومة العراقية حينها الدخول بقوة على هذا الخط وقطع الطريق على كل محاولات المس بقوت الشعب العراقي، فتم البدء بالعمل بنظام البطاقة التموينية إعتماداً على إحصاءات السكان المتوفرة آنذاك، وبدأت البطاقة حينها بالمواد الأساسية كالطحين والسكر والرز والشاي والزيت لتتطور بعدها وتشمل مواداً أخرى كالمنظفات بأنواعها- ونعني بها صابون اليد وصابون الصحون ومنظفات الغسيل ومنظفات الأواني- ومستلزمات يومية بسيطة كشفرات الحلاقة وغيرها، كما أنها كانت وفي بعض المناسبات تحتوي على اضافات متواضعة من الدجاج أو العدس مما كان يمكن توفيره في ظرف الحصار الاقتصادي الخانق. ورغم تنوع المفردات وتشعب وسائل توفيرها ونقلها وتوزيعها- فقد كانت البطاقة تشمل كل فرد يعيش على أرض العراق من العراقيين والأجانب- لم نسمع يوماً عن فساد أو سرقة حصلت، بل كنا نسمع عن مخالفات تحصل في منافذ التوزيع وكان ابطالها وكلاء التموينية الذين كانت وكالاتهم تسحب منهم دون ابطاء وتمنح لغيرهم. لم نسمع عن مدير عام يسرق من قوت الشعب ولم يتهم أحداً وزير التجارة بالتلاعب او تقاضي الرشوة، بل إن عملية التسوق والتخزين والتوزيع نالت إعجاب وتقدير المنظمات الدولية التي كانت تزور العراق واعتبرتها واحدة من أهم مستلزمات صمود العراق في وجه العدوان الأقتصادي السافر الذي كان يستهدف قوت الشعب وغذاءه.


وعندما تذكر البطاقة التموينية ونجاعتها ودقتها وتطور اساليبها، لايمكن لأنسان منصف أن ينسى العين الساهرة التي كانت وراءها وتتابع كل تفاصيلها، ونعني به الوزير الدؤوب والكفوء والعفيف الدكتور محمد مهدي صالح - الذي قضى في سجون الاحتلال وعملائه مايقرب من تسع سنوات عجاف فقد خلالها بصره، وهو الذي كانت عينه لاتنام وهي تتابع مايشترى ومايشحن وما يصل وما يوزع. لقد كان عافاه الله فارساً شجاعاً حازماً ومناضلاً تخرج من مدرسة القائد العظيم صدام حسين، همه أداء الواجب على أحسن صوره، ناسياً نفسه ومتناسياً حاجاته ليوفر حاجة الآخرين أقسى الظروف وحتى تحت القصف المعادي. لم يقصر ولم يتوان ولم يتراجع ولم يسرق.


وكلما نتذكر البطاقة التموينية التي وأدها فرسان الفساد في العراق الجديد يرد الى ذهننا السؤال البسيط والمباشر والذي سيسأله كل مواطن وهو اذا كانت البطاقة التموينية وحسب ادعاء "مجلس الوزراء العراقي" الحالي باباً كبيراً للفساد، فلماذا كان هذا الباب مؤصداً نهائياً طوال أكثر من أحد عشر عاماً قضتها البطاقة التموينية تحت الحكم الوطني في العراق؟ وما عدا مما بدا؟ ولماذا نفشل الآن فيما كنا نجيده طوال سنين مرت؟ ولكن المثل العراقي يقول: إن فساد السمكة يبدأ من الرأس" والحليم تكفيه الأشارة.

 

 





الجمعة ٢٤ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / تشرين الثاني / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة