شبكة ذي قار
عـاجـل










في عالم اليوم ليس هناك صداقات دائمة بل مصالح دائمة ، وهو ما يعني ان حركة التغيير في المواقف على صعيد الدول ، وحتى الأشخاص غير قابلة للثبات على موقف محدد ، وفي السياسات الدولية فان الذي يحكم العلاقات الدولية المصالح وليس المبادئ ، لانه عالم تهيمن عليه الفلسفة البراغماتية السياسية الامريكية ، اذ يتم قياس الأمور في ضوء المخرجات التي تضبطها معايير المصلحة ، وهو ما افسد العلاقات الدولية بسبب من تخليها عن معايير القيم والاخلاق .


وكثير من هؤلاء الزعماء في عالم السياسة الدولية الرسمية من ترتهن نفسه ومواقفه الى مصالح الدول الكبرى ، ليضمن من خلال تبعيته الى ديمومة استمرارية حكمه ، حتى وان كانت هذه الديمومة ضد رغبات شعبه وجماهير امته ، والتاريخ يسجل لنا حالات كثيرة اودت باصحاب التبعية ، الذين يقدمون التنازلات من اجل مصالح بقائهم في السلطة ، ولم تتمكن هذه التنازلات من حمايتهم من السقوط امام الرغبات الشعبية في التغيير ، وسرعان ما يجدون اسيادهم اول من يعلن التخلي عنهم ، لان هؤلاء الأسياد قد شعروا بأن دورهم قد انتهى ، واصبحوا عبئاً سياسياً عليهم ، ولعلهم يطمعون في تغيير الوجوه لامتصاص نقمة الغضبة الجماهيرية .


كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك نموذجاً ساطعاً في ان التنازلات التي كان يقدمها للادارة الامريكية والكيان الصهيوني لم تسعفه من السقوط ، فخسر شعبه وبات مذموماً في كل زاوية من زوايا مصر، التي باعها لاعدائها من أجل ديمومة استمرايته في السلطة ، وتكريس سلطة العائلة التي اراد منها ان تحكم مصر كما كانت عائلة محمد علي باشا ، وهكذا لم يعد يأسف عليه أحد ، وكانت نهايته نهاية سقوط رجل مدحور بركلات اقدام الجماهير المصرية ، التي الهب اجسادها بسياط اجهزته الأمنية ، وعندما سينتقل الى الرفيق الاعلى لن تجد من يترحم عليه الا اولئك الذين كانوا يستفيدون من فتات موائده ، وهم اقلية بالنسبة لجماهير مصر التي خرجت في كل ميادين مصر ، في ثورة شعبية يشهد لها بأنها تحدت النظام الذي كانت انيابه تأكل اجساد المعذبين والمناضلين ، وكسرت حاجز الخوف الذي عشعش في الجماجم البشرية ، لفترة تجاوزت الاربعين عاماً مدة حكم مبارك .


التمسك بالمبادئ كالقبض على الجمر ، وهي الحالة التي يجب ان تتمسك بها الايادي البيضاء الشريفة والنظيفة ، وخاصة ممن يسير أصحابها في ضوء بوصلة النضال الجماهيري مهما علت التضحيات ، فقد تخسر معركتها مع اعدائها ، ولكن النصر في الختام سيكون حليفها، لانها ستحفر مواقفها في الصخر ، وستكون نبراساً يضيئ الطريق لمن سيأتي من بعدها ليواصلوا الطريق ، وهؤلاء ممن رسموا طريقهم في الحياة في ضوء معايير وقيم جمعية، بعيدة كل البعد عن المصالح الآنية الضيقة ، وقد افرزت العديد من المعتقدات الدينية السماوية والوضعية تلاميذ لها ، اصروا على الثبات في المواقف دون الالتفات الى المصالح الخاصة ، لانهم كانوا يناضلون من اجل امة لا من اجل مكاسب ومصالح شخصية .


شتان بين حالتين حالة مبارك الذي لم تسعفه التنازلات عن السقوط وتخلي اسياده وحتى اتباعه عنه ، وحالة الشهيد صدام حسين الذي اصر وفي احلك الظروف على تقديم المبادئ على المصالح ، فالاول قد خسر نفسه ومصالحه ، والثاني قد كسب نفسه وجماهير امته وتفاخر اتباعه ، واصبح نموذجاً لكل المناضلين الذين لم يقبلوا بالتضحية بالمبادئ التي آمنوا بها ، واصبحت قولته المشهورة المنية ولا الدنية ، ونال المنية المشهود بها انها افضل منية يتمناها الانسان ، في الوقت الذي سقط مبارك في المنية والدنية ، التي يعافهما اي انسان اتسم ولو بالحد الادنى من المعايير والقيم الانسانية على وجه الارض .


علينا ان نعلي من حالة التمسك بالمبادئ ، فهي الوحيدة التي تستطيع تحقيق الكرامة الانسانية الفردية والجمعية ، وتصل بالامة الى تحقيق امانيها ومستقبلها ، ونعاف حالة الذل والمهانة التي تتأتى من خلال التبعية التي تدفع بتقديم التنازلات ، من اجل ان نبقى على حساب جماهير شعبنا وتطلعات امتنا .


dr_fraijat@yahoo.com

 

 





الاربعاء ١٥ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / تشرين الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة