شبكة ذي قار
عـاجـل










إن انسحاب القوات الأميركية من العراق، على وقع الفعل المقاوم، الذي قادته المقاومة الوطنية العراقية، أنهى واحدة من التحديات الوطنية والقومية التي تصدى لها شعب العراق العظيم وأن كان ذلك بتضحيات جسيمة .لأن للحرية ثمن، وحرية الأوطان أكثر تكلفة من حرية الأشخاص، وما من أرض تحررت إلا بأروائها دماً وعرقاً وبذل لأجلها جهد نضالي متعدد الأوجه.


اقد تحرر العراق من الاحتلال الأميركي، وهذا إنجاز وطني وقومي، ولا يمكن لأحد أن يتنكر لهذه الحقيقة الساطعة، ولا يمكن لأحد أن يجنث المناضلين، حقهم في الانتصار ومعهم الحاضنة السياسية والشعبية، التي وفرت للطليعة المقاومة كل مصادر الإسناد المادي والمعنوي، وأثمرت انتصاراً على المحتل، الذي لم يجد سبيلاً لخروج قواته المؤللة، إلا الانهزام في ظلام تحسباً لانكشافه أمام فعاليات المقاومة.


هذا التحرير للعراق من الاحتلال الأميركي وكل من عمل تحت رايته، لا يعني، أن العراق استعاد وضعه الطبيعي، موحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات، واستعاد دوره في إعادة استنهاض مشروعه الوطني بأبعاده القومية ،لأن قوى الاحتلال ومن تقاطع معها، التي كانت تريد للعدوان، أن يكون مدمراً ليس لقدرات العراق العسكرية وحسب، بل أيضاً لتدمير قدراته الاقتصادية وبناه التحتية، ووضع اليد على خيراته وثرواته، وشل دوره السياسي وإبقائه لأمد طويل يعيش تحت وطأة أزماته الداخلية عبر أضعاف موقع الدولة، وتطييف الحياة السياسية فيه.،تعمل لاكمال هذا المخطط عبر بدائل جديدة


ولهذا فإن المخطط الذي أعد في دوائر القرار الأميركي، وبوشر التنفيذ به، عبر آليات العدوان العسكري الذي أدى إلى وقوع العراق تحت الاحتلال، قطعت واحدة من أذرعه، إلا وهي الاحتلال المباشر، لكن بقيت أذرع أخرى لم يتم القضاء عليها حتى الآن، لأن الأولوية أعطيت بداية لمقاومة الاحتلال ودحره.


وهذا هدف تم إنجازه، وأنه بعد ذلك، أعيد ترتيب الأولويات، لمواجهة التحديات الأخرة التي تواجه العراق موقعاً ودوراً ومصيراً، إلا وهي وحدته، وعروبته ونظام الحياة السياسية فيه.


لقد كان واضحاً منذ البداية، ان استهداف العراق، لم يكن استهدافاً لذاته وحسب، بل كان يراد من خلاله الأمة العربية وأمنها القومي، عبر ضرب أحد مرتكزات القوة في الوطن العربي، وإعادة صياغة اوضاعه السياسية بما يخدم أصحاب المخططات الطامعين والحالمين بالسيطرة على المنطقة العربية عبر الاحتلال المباشر او عبر الاحتواء والالحاق. وهؤلاء كثر يبدأون بالتحالف الصهيو-أميركي وينتهون بقوى الاقليم المحيط بالوطن العربي من كافة مداخلة الجغرافية، وأبرزها المداخل الشرقية.


من هنا، فإن المقاومة الوطنية العراقية، عندما ربطت في استراتيجيتها العامة بين أهداف التحرير والتوحيد وإقامة النظام السياسي ذي القاعدة الشعبية العريضة، كانت ندرك، ان نتاج التحرير أن لم يعط نتائج موازية في فعل التوحيد وحماية الهوية، سيكون فعلاً منعزلاً، وسرعان ما يجهض وتذهب كل التضحيات سدى ولهذا، فإن إعلان المقاومة الوطنية العراقية، التي ضمت طيفاً واسعاً من القوى السياسية والشعبية للمرحلة الثانية من خطتها الاستراتيجية، إلا وهي إعادة توحيد العراق على الأسس الوطنية والديموقراطية، هو الإعلان الصحيح في الوقت المناسب، وحتى لا تفسح الفرصة أمام الذين يحضرون أنفسهم لملء ما يعتبرونه فراغاً أمنياً وسياسياً نتج عن الانسحاب الأميركي فرحة النقاط الأنفاس.


هذا التصدي للغزاة الجدد المتسترين بجلابيب الدين والسياسية، يتطلب، آليات عمل جديدة، وأن القاطرة السياسية لجبهة المقاومة الوطنية العربية، وبحكم خبرتها وتمرسها النضاليين، والمصداقية التي اكتسبتها من خلال أدائها الميداني، ومطابقة النظري مع الواقعي في سلوكها، تعي جيداً، ما هو مطلوب منها، وما هي المستلزمات المادية والسياسية لتحقيق إنجاز التوحيد الوطني المكمل لإنجاز التحرير.


إن المقاومة الوطنية العراقية، التي تدرك بأن الانسحاب الأميركي من العراق، سيدفع كثيرين لإعادة النظر في حساباتهم ومواقفهم، تعتبر نفسها معينة بتأمين أوسع اصطفاف سياسي وشعبي حول موقفها بإعادة ترتيب الأولويات، وهي إذ ترى أن مهمة إعادة توحيد العراق وحماية عروبته بعد تحرير الاحتلال الأميركي، هي مهمة ترتقي إلى حد المركزية في تكثيف جهدها السياسي والنضالي. فإنها ولا بد وأن تكون مهيأة لاستقبال أي موقف سياسي والتقاطع معه إيجاباً في مواجهة الدور الإيراني الذي يعمل لأجل تكريس واقع التقسيم الكياني للعراق وإسقاط عروبته وجعله مجرد جرم يدور في الفلك الإيراني.


إن المقاومة الوطنية العراقية معنية بإلتقاط أي موقف مؤيد وداعم لوحدة العراق وعروبته، وأما طبيعة نظامه السياسي فمتروك لشعبه الذي يحدد خياراته السياسية وفق ما تقتضيه مصلحته الوطنية والضرورات الأساسية لحماية هذا الموقع العربي الذي كان ويجب أن يبقى من مرتكزات القوة في الوضع العربي.


إن المتغيرات التي شهدها العراق والتي تمثل أبرزها بدحر الاحتلال، وبدء معركة إعادة التوحيد، والتي تتطلب قطع أذرع القوى الخارجية الراعية والدعمه للتقسيم، والإفرازات والقوى الداخلية التي أفرزها الاحتلال وتلك المتماهية مع القوى الخارجية ذات الإطماع المكشوفة والمستورة بالعراق، يتطلب رؤية جديدة للتعامل مع معطى الموقع الداخلي، ويأتي في طليعة ذلك الانفتاح على كافة القوى التي تدرك إبعاد المشروع الإيراني في العراق الشديد الخطورة على الوحدة ببعديها الوطني والمجتمعي، وبإطلاق مبادرة سياسية جديدة تستند إلى تقييم التجربة التي حمل لواءها النظام الوطني بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي أثناء إدارته للسلطة، وفي قيادته لجبهة المقاومة الوطنية. ولعل المحطات التي دللت عليها، جملة المواقف التي أطلقها الأمين العام للحزب والقائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير، ما يبشر بصياغة حياة سياسية جديدة في العراق.


هذه الصياغة الجديدة للحياة السياسية في العراق، أصبحت جاهزة في صلب الرؤية التي تؤكد بأن الديموقراطية لا تتحقق بصيغة الحزب الواحد وإنما بالتعددية الديموقراطية الشعبية والاشتراكية التي بها تتجدد حياة الشعب، ومن معاناته تنبعث إبداعاته.


إن الأخبار التي تتوارد من العراق، و تفيد بأن حزب البعث ورغم الظروف الصعبة المحيطة به ذاتياً وموضوعياً، يحضر نفسه لعقد مؤتمر قطري تحت اسم مؤتمر الجهاد والتحرير، والذي بطبيعة الحال لن يكون مؤتمراً عادياً بكل المقاييس والدلالات،هي اخبار سارة ومبشرة.


وهذا ان دل على شيء، فإنما يدل، بأن العراق في ظل الدور الذي اضطلعت به جبهة المقاومة التي أنجزت هدف التحرير، تضع أقدامها، بثبات على أرضية موقف وطني صلب، يتم بالارتكاز إليه إنجاز الهدف المركزي الثاني الأ وهو إعادة التوحيد والذي ستكون من اولى نتائجه تهاوي فسقوط كل إفرازات الاحتلال قديمه الأميركي وجديده الإيراني.


إن الحراك الشعبي والسياسي الذي يعم مختلف مناطق العراق والتوجه الجدي لإعادة الوصل والتواصل مع شرائح شعبية وقوى سياسية في الداخل والخارج لا تلفها شبهة في علاقاتها الوطنية، هو مؤشر شديد الأهمية، وستكون نتائجه الإيجابية على البعد الوطني التوحيدي أسرع مما يتصوره البعض، لأنه كما كان للفعل المقاوم أدواته وآليات عمله وصيغ تحالفاته، فإن لفعل التوحيد الوطني وإقامة النظام الديموقراطي أدواته وآلياته وصيغ تحالفاته وتقاطعاته أيضاً. والأهم من كل ذلك، أن الأداة التي أدت دوراً محورياً وقيادياً لإنجاز التحرير، تأخذ على عاتقها أن تلعب هذا الدور المحوري والقيادي، باعتبارها عابرة للطوائف والمناطق في رؤيتها الفكرية والسياسية وفي بنيتها التنظيمية ، وهي تستند في أدائها إلى رافعة سياسية تضم طيفاً سياسياً متنوعاً، وتستمد حضورها وقوتها من الحاضنة الشعبية، التي كما حضنت فعاليات المقاومة وقيادتها طيلة فترة مواجهة الاحتلال ، مهيأة اليوم لأن تحمي فعاليات القوى الموحدة للعراق، وهذه حقيقة يدركها الجميع، لأن شعب العراق العريق في عروبته والمعتصم بوطنيته لا يمكن إلا أن يكون مع نفسه، ولا يجد ذاته الا بانخراطه في المشروع الوطني ببعديه التحريري والتوحيدي وبمضمونه الديموقراطي.


وحزب البعث الذي قدم تجربة للنضال العربي يوماً كان يقود السلطة الوطنية في العراق، يقود اليوم تجربة غنية بمعطياتها النضالية، ولا يريد من جماهير الأمة إلا أن تستفيد من هذه التجربة، وأن تكون حاضنة لها في بعدها القومي، كما كان شعب العراق حاضناً لها في بعدها الوطني، وقريب الأيام آتٍ، للوقوف على أبعاد الانبعاث المتجدد للعراق مهد الحضارة والتضحية والفداء.

 

 





الجمعة ٤ ذو القعــدة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة