شبكة ذي قار
عـاجـل










بشكل متزامن صدر في الشهرالماضي تقريران على قدر من الاهمية، يؤشران الى الحالتين السياسية والقانونية في العراق. الاول هو التقرير الدولي السنوي الخاص بتصنيف الدول الفاشلة والناجحة. وقد أعتمدت جهة أصدار التقرير معايير علمية أجتماعية وأقتصادية وسياسية في الحكم على الدول، يدخل ضمنها مدى سيادة القانون والمؤشرات الخاصة بحقوق الانسان وإدارة وتوزيع الثروات في ضوء المعلومات الصادرة عن القنوات الرسمية للدول. وقد جاء العراق بالمركز التاسع ضمن قائمة الدول الفاشلة عالميا. وأذا عدنا الى علم السياسة نجد أن هذا الوصف ينطبق على الدول التي تعاني صراعات سياسية في هرم السلطة الحاكمة، وأن هذا الصراع هدفه مصالح فئوية ضيقة بعيدة تماما عن المصالح العامة، مما يجعلها عاجزة عن أدارة البلاد بقرار سياسي موحد، فتفقد سيطرتها على أجـزاء كبيرة مـن البلاد وتتعطل الخدمات العامـة ومصالح الشعب، وتغيب هيبـة القانون وسيادتـه الكاملة، عندها يصبح تمثيلها للمجتمع غير شرعي في الداخل وفي المجتمع الدولي أيضا، وهذه كلها حقائق ثابتـة في المشهد السياسي العراقي منذ التاسع من نيسان العـام 2003 وحتى اليـوم .


فلازال الخط البياني للأمـن يشير الى أنحدارات مأساويـة وتدهـور خطير، ممـا يجعل الاستقـرار ضرب مـن المستحيل، كمـا بات الاقتصاد أحادي الجانب بعـد أن جفت كـل الفروع الاقتصادية الاخرى كالزراعة والصناعة، وعادت الثروة الرئيسية للبلد التي هي النفط بيد الشركات الاحتكارية التي خلعها التأميم في بداية سبعينيات القرن المنصرم، وأستشرت البطالة في صفوف قطاع الشباب خاصة من يحملون مؤهـلات علميـة، وزادت مساحات الفقر وتدنت الخدمـات أن لـم يكن أغلبها قد توقف تمامـا، وبات الفساد الاداري والمالي عصبا رئيسيا يتحرك في هياكل الدولـة عموديا وأفقيا. أمـا علاقات العـراق الدوليـة والاقليميـة فلم يعـد هنالك مفهوم واضح لها فـي السياسة العراقيـة، بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي القائم على أساس التصنيف العلمي للصداقة المطلوبة والعداء المحتمل مستقبلا، مما جعل العراق عرضة لاختراقات خطيرة من قبل دول الجوار، وبات التدخل في شؤونه الداخلية واضحا لكل مراقب. كما أبتعد كليا عن محيطه العربي الذي يفترض أن يكون هو الحيز الطبيعي لنشاطه. وأمام هـذا التصنيف الدولي للعـراق كدولـة فاشلـة ومعنى الفشل فـي علـم السياسـة وصوره الواضحـة في المشهد العراقـي، فأننا نستطيع أن نفهم المعنى الحقيقي للتقـرير الثاني الصـادر عـن منظمـة العفـو الدولية، الذي يحذر من تزايد عمليات الاعـدام في العراق، وكذلك القلق الذي أبـداه المقـرر الخاص لحقوق الانسان لدى الامم المتحدة في بيانه الصحافي، الذي أشار فيه الى أن أعدام 196 شخصا بات وشيكا في محافظة واحدة من محافظات العراق، في ظل نقص كبير في المعلومات الخاصة بالتهم التي أدينوا بهـا .


أي أن الحالـة الثانية هي نتيجـة مأساويـة منطقيـة للسبب الاول، الذي يبين أن السلطـة الحاكمـة في حالـة عداء سافر مـع الارادة الجمعية للشعب، وأنها تعمل بالضد من المصلحة الوطنيـة العليا. وأمـام هـذه الصورة القاتمـة السواد فإن كل عراقي مـازال مشروع ضحية تحت الطلب، قـد تطاله يد الغدر بكواتم الصوت في أي مكان في العراق أو بالاعدامات السرية في السجون غير معروفة المكان والعائدية، وربما بتلفيق تهمة هدفها الابتزاز المادي أولا ثم الاعدام بعـد أن تعجز السلطة عـن أكتشاف الجهـة التي تقف خلف تفجير مـا، فلا تجـد غير الابرياء المحتجزين في سجونها لتتهمهم به كي تظهر بطولتها الكاذبة. كما أن ضبابية المستقبل العام للشعب والوطن، من خلال الافقار والتجويع والامية وأهدار الثروات والتلاعب بالنسيج الوطني، وتمكين الاخرين من التلاعب بأمنه الوطني، أنما هـي تضحيات جسام بات المواطن مجبرا على دفعها يوميا في ظل الحكم الحالي. وأذا كنـا لا يمكن أن ندعي بأن جميع المتهمين أبرياء، فيقينا أن القائمين على السلطـة في العـراق لايمكن لهم أن يحجبوا الحقائق المخجلة التي تنتجها سياساتهم الجاهلة يوميا، التي قادت الى التلاعب بمصائر البشر من قبل أعوانهم وميليشياتهم وأحزابهم الطائفية، حتى بات القانون مجرد أهزوجة بائسة تلوكها السنتهم في الخطب الرنانة، وهو ما يتعارض كليا مع أبسط مفاهيم الديمقراطية التي يتبجحون بها. فالديمقراطية حقـوق وقوانين ومؤسسات تستند الى سلطـة القانـون، كمـا أنها تعني المساءلة المستندة الـى هيبـة الدولـة التي تجعل القانون مظلـة للجميع. فهل يمكن أن يبقى المالكـي رئيسا للوزراء وقائـدا عامـا للقوات المسلحة، ووزيرا للدفاع والداخلية، ومسؤولا مباشرا عن عدد من الاجهزة الامنية الاخرى فـي بلـد ديمقراطي، ولا تتـم مساءلتـه عـن كـل الايـام والشهور والسنين الداميـة التي حصدت الاف العراقيين بالتفجيرات التي فشل في أيقاف عجلتها؟


ان ماكينـة الفشل السياسي لـن يكـون طريق سيرهـا معبـدا الا بآلاف الضحايا من المواطنين الابرياء، وبأهدار كل الثروات الوطنية، وبتمزيق حتمي للخارطة الجغرافية للبلد بعد أن تتعب الطبقة السياسية من النزاعات فيما بينها، ويصبح الحل الوحيد لديمومة مصالحهم هو أنشاء أقطاعياتهم السياسية في دويلات ضعيفة قائمة على أسس طائفية وأثنية.


وهو خطر بات يهدد العراق يومـا بعـد يوم ولا يمكن ردعه بمراهنات التمني، مما يلقي على عاتق النخب السياسية الحقيقية والمقاومة الوطنية مسؤولية أيقاف عجلـة العمليـة السياسية القائمة بكـل الوسائل المشروعة، كي لايذهب زخم النفور الجماهيري من الطبقة السياسية الحالية الى الاصطفافات الجديدة التي ينوي بعض أطراف العملية السياسية القيام بها لتجميل وجه المشروع الذي بدأ بالغزو.



صحيفة القدس العربي اللندنية

 

 





الثلاثاء ١٢ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة