شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن تملك أي من الحكومات والأنظمة التي توالت على حكم إيران منذ سقوط الأمبراطورية الفارسية على يد الجيش الأسلامي الفاتح في القادسية الأولى، وحتى بزوغ نجم "دولة أيران الإسلامية" عام 1979، نقول لم يملك أي من هذه الأنظمة والحكومات أن يتنازل عن أخذ الثأر من الأمة العربية وكسر شوكة المسلمين ورد الصاع صاعين لمن حطّم واحدة من أعرق الأمبراطوريات التي عرفها الشرق. فنحن لاننكر على الفرس حضارتهم ولا نريد أن نسلبهم حقهم ومساهماتهم في بناء الحضارة الإنسانية ولكننا في عين الوقت جار لهم ولنا حقوق عليهم كما لهم حقوق علينا،،، والعراق هو أقرب الجيران وهو في نفس الوقت مصَد الريح القادمة من شرق الأمة العربية.


قدر العراق أن يكون جاراً لإيران، كما هو قدر إيران أن تكون جاراً للأمة العربية! وهذا التقدير الرباني لا مناص منه، وهو الذي جعل قوة العراق مشكلة لإيران وتنامي قوة إيران مصيبة للعراق. فالعراق القوي سيقف حائلاً دون الأطماع الإيرانية وسيمنع الحاكم الإيراني من الوفاء بوعده لأجداده بالأخذ بثاراتهم واسترداد عزهم كلما سمحت موازين القوى بذلك. ورغم أن مظلة الإسلام تجمع الدولتين الجارتين، وهي مظلة أكثر شمولية واتساعاً، لكنها أي المظلة الإسلامية لم تكن لتغطي أطماع إيران ولا لتحول دون محاولاتها المستمرة في قيادة دول المنطقة إن تعذر التهامها، وللعب دور "الأخ الكبير" وبما يخدم مصالحها القومية.


ليست إيران هي الدولة التي تتنازل عن المصالح القومية للدولة الفارسية بسب الإسلام، ولا هي الدولة التي ستضحي بمشاريعها التوسعية في المنطقة بسبب المذهب (الشيعي) التي تدعي صباح مساء دفاعها عنه وتبنيها له. كما إن إيران غير مستعدة لتخريب علاقاتها الأستراتيجية مع دول يصنفها الإعلام الإيراني كدول "أستكبار" ودول عدوة من أجل عيون الفلسطينيين أو العرب المستضعفين، مادامت تلك الدول والعلاقات معها تخدم الهدف الرئيسي. فالمبادئ لدى الطبقة الإيرانية الحاكمة ليست سوى شعارات وبرامج اذاعية وتلفزيونية يراد منها من بين مايراد تخدير عقول البسطاء ممن لا يرون شيئاً الا من خلال مايرى مراجعهم الدينيون أو سياسييهم الدنيويون ممن يدورون في الفلك الإيراني لهذا السبب أو ذاك. فالمطامع الإيرانية في دول المنطقة وخصوصاً في الخليج العربي هي حجر أساسي في سياسات كل الحكومات الإيرانية التي حكمت إيران سابقاً أو حاضرا. فما شيعة العراق ولا شيعة السعودية أو البحرين- وليعذرني أخوتي وأحبائي مما سأقول- الا أحجار شطرنج تحركهم تحت ادعاءات حماية المذهب الكاذبة متى ماتطلبت مصالحها ذلك. نعم كثير من الشيعة في هذه الأقطار يحسّون بالظلم أو التهميش أو النظرة الدونية، وهو ماتستغله إيران كوتر تعزف عليه الحان مصالحها القومية، وعلى الشيعة في هذه الاقطار وغيرها أن يعوا وقبل فوات الآوان أن إيران ليست معنية بأعادة الحق لهم ولا برفع الظلم والتهميش عنهم، قدر اهتمامها بأستعمالهم كورقة ضغط وحجة للتدخل في شؤون الدول الأخرى. فالقاعدة العامة تقول وببساطة أن الأجنبي لن يقاتل من أجل سواد عيوننا، ولن يتدخل لرفع ظلم عنّا ولا لأعادة حق لنا. كلا. إن الأجنبي يتدخل متى ماتطابقت حساباته مع متطلبات التدخل هنا أو هناك. وبكلام آخر، فإن التدخل الخارجي سيجلب معه كل الدمار والويلات والمصائب التي جلبها "التحرير" الأمريكي للعراق، ومن ثم مرحلة التسلم والتسليم بن الإيرانيين والأمريكان رغم العداء "الأعلامي" الذي يطبل به الجانبان. فمن يستقوي بالاجنبي لابد أن يدفع فاتورة استقواءه من سيادة بلده ومعاناة شعبه ودماء اهله وابناء عمومته. اومن عنده شك في ذلك فليأت لنا بمثال واحد يقول عكس مانقول!


غير أن إيران اليوم ليست إيران الأمس! فبعد غياب السد العراقي وتراجع الأهتمام السياسي بالسعودية من قبل الأمريكان والأوربيين لأسباب جلية ومعروفة، وبعد أن تاكدت إيران أن الغرب لن يتجاوز في تهديداته مرحلة التهويش والتهديد، بعد كل هذا كان لابد لإيران أن تقدم نفسها "سيداً" للمنطقة، تأمر فتطاع وتخطط لتنفذ وتقول فيسمع قولها. والحال هذه فقد كشرت إيران عن أسنانها ولم يعد لديها ما تخشاه، أو هكذا يظن ساستها. فهم أي أولئك الساسة لم يعودوا معنيين بستر تدخلاتهم ولا بمشاعر جيرانهم بل ولا بالحفاظ على غطاء عملاءهم! فأصبحت الأصابع الإيرانية تلعب في وضح النهار هنا وهناك من العراق الى البحرين الى سوريا ولبنان، بل وحتى في دول الشمال الأفريقي!!! واصبحت تصريحات المسؤولين الإيرانيين أقل دبلوماسية وأكثر وقاحة. ولم لا؟ فليس هناك على الساحة السياسية الحالية من يستطيع أن يلقمهم حجراً وليس هناك من يستطيع أن يلوي ذراعهم ولو قليلاً، ناهيك عن أن يجرعهم السم كما فعل عراق القادسية بالخميني الراحل!


إن هذا الحال هو بالضبط ماكان العراق يخشاه وحذّر منه خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي، وهو سبب أساسي ورئيس في الحرب الإيرانية – العراقية التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988) وأنتهت بتقليم الأظافر الإيرانية وكسر قرون الثور الإيراني الهائج. غير أن مسلسل الأحداث وتآمر المتآمرين جرى بغير مايشتهي ربابنة السفينة العربية، والتي كان كثير منهم يقرأون الاحداث بشكل خاطئ ولا ينظرون أبعد من يومهم وساعتهم، فوجد العرب أنفسهم في الحال الذي هم فيه الآن، تتقاذفهم رياح "الربيع العربي" وتعصف بهم الأزمات الإقتصادية وأقرب شواطئ الأمان إليهم هو الشاطئ الإيراني الذي أقل مايقال عنه أن الأمان مفقود فيه، وأن المستقبل هناك لامستقبل فيه!


الكرة ليست في ملعب الحكومات العربية! الكرة الآن في ملعب الشعب العربي الذي عليه أن يعي أن إيران ليست دولة صديقة مهما أدعت، وإن على "الشيعة" أن يدركوا أن إيران لا تمثل الشيعة ولا المسلمين، كما إن على "السنة" أن يعلموا أن الخلاف مع إيران يجب أن ينطلق من كونها دولة أستعدائية توسعية تتقاطع مصالحها القومية في كثير من الأحيان مع مصالح أمتنا العربية المشروعة في العيش بسلام ورفاهية، وأن لا ينظروا لإيران كدولة شيعية يجب محاربتها، فهي ليست كذلك! فإيران دولة قومية تتبرقع بالدين والمذهب حالها حال كثير من الأحزاب الأسلاموية في الوطن العربي، وتوسعية حالها حال الكيان الصهيوني الغاصب.

 

 





الاربعاء ٦ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة