شبكة ذي قار
عـاجـل










الثالث عشر من حزيران، كان يوماً دامياً في العراق، وهو لم يختلف عن غيره من الأيام العراقية منذ احتلال العراق، واستمراراً بعد انسحاب القوات الأميركية وحلفائها، إلا بعدد الضحايا، وعدد المناطق والمدن التي طالتها هذه الأعمال الإجرامية، وبغياب الأدلة التي تحدد الجهة التي نفذت هذه التفجيرات، وفي وضع كالذي يعيشه العراق الذي ينوء تحت عبء أزمة سياسية حادة تتخذ بعداً وطنياً وقومياً، يذهب الاتهام دائماً إلى بعده السياسي ليحدد الجهة التي لها مصلحة في إغراق البلد في حمام دم، وأياً كانت الأداة المنفذة.


فمن هي يا ترى الجهة التي لها مصلحة في إدخال العراق أتون هذا النفق الجديد بعد ما خرج من نفق الاحتلال بفعل المقاومة الوطنية وتضحياتها الجسيمة؟


إن معطى الوضع العراقي الحالي، يبين أن الأزمة السياسية في العراق ليست أسبابها داخلية وحسب، بل ثمة أسباب خارجية وأبرزها دور النظام الإيراني الذي يندفع بشدة للإمساك بالعراق في لحظة إعادة ترتيب أوضاعه السياسية بعد تحرره من الاحتلال.


إن النظام الإيراني، الذي لم يخف أهدافه ومطامعه بالعراق، سابقاً وحالياً، يرى في العراق مداه الحيوي، ومنه يستطيع أن يضغط على الوضع العربي برمته، ولهذا فهو يعمل لأن لا يستعيد العراق وحدته وتماسكه الوطني وبالتالي استعادة لموقعه الطبيعي الذي تؤهله له إمكاناته وقدراته وتاريخه.


إذاً، ان النظام الإيراني، يريد عراقاً مفككاً وطنياً، ومتناحراً سياسياً، ومفسخاً اجتماعياً، وبعبارة ملخصة أن يبقى وضعه مأزوماً، كي تبقى ممرات التدخل في شؤون العراق مفتوحة أمامه، وعليها يعبر ليلعب دوراً في إدارة أزمة العراق التي يريد لها أن تكون مستدامة.


إن الذي يعرف ويقف على حقيقة أهداف النظام الإيراني حيال العراق، لا يتأخراً كثيراً ليوجه أصابع الاتهام السياسي لهذا النظام بالنسبة للتفجيرات التي حصلت مؤخراً وحصدت عشرات الضحايا ومئات الجرحى.
إن الاتهام السياسي يوجه إلى النظام الإيراني عن هذه التفجيرات، لأنه صاحب المصلحة في توظيف النتائج السياسية لهذا الشريط الدامي الذي يلف جنبات المجتمع العراقي، فهذا النظام لا يهمه كثيراً عدد الضحايا، ولا التدمير الذي يطال المرافق الحيوية والحياتية، لأن من يكون شريكاً في احتلال العراق وتدمير بنيته الوطنية، ومن ينهب ثروات العراق النفطية ليخفف من اختناقاته الاقتصادية، ومن يعمل لأضعاف المرجعية الدينية واحتوائها لمصلحة مرجعية قم، تصبح مثل هذه التفجيرات وغيرها مجرد تفاصيل صغيرة في المشروع الأكبر الذي هدف إلى تدمير العراق وإسقاط مقوماته الوطنية ومؤسساته الارتكازية.


إن الاتهام السياسي يوجه إلى النظام الإيراني وفي هذا الوقت بالذات، فلأن العراق ينوء اليوم تحت عبء أزمة سياسية أفرزتها تداعيات ما بعد الاحتلال، ومسارعة النظام الإيراني للدخول مباشرة وعلى المكشوف على خط الوضع المأزوم في العراق لملء ما يعتبره فراغاً أمنياً وسياسياً.


والفراغ الأمني والسياسي تتوفر أرضيته في العراق، بوجود مؤسسة عسكرية وطنية ضعيفة، وبغياب مشروع سياسي وطني جامع، موحد للعراق بكل أطيافه وفئاته ومكوناته المجتمعية ولهذا عمد ويعمد النظام الإيراني، لإبقاء الوضع العراقي في حالة تشظٍ سياسياً ووطنياً، وفي حالة تنافر مجتمعي، ومفتقر لأداة عسكرية وأمنية وطنية قادرة على توفير شروط الأمن الوطني في الداخل وعلى المداخل.


والنظام الإيراني، الذي يضع كل ثقله اليوم، مع المالكي تنفيذاً لأجندته الخاصة حيال العراق والتي تختصر بجعل هذا القطر العربي يدور في الفلك الإيراني ومشدود إلى جاذبية القرار في طهران، لا يترك مناسبة إلا ويستغلها من أجل تمهيد الأرض، وتهيئة المناخات لتمكين المالكي من تجاوز الأزمة السياسية الحادة والتي طرحت وضع المالكي على محك الاختبار من خلال المحاولات الرامية لنزع الثقة عنه.


وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن هذه التفجيرات التي حصلت مؤخراً، ليست إلا استحضاراً للتفجيرات التي حصلت في صيف 2010 يوم كان التجاذب السياسي على أشده حول تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية التي منحت "القائمة العراقية" أكثرية وبشكل لم يرح النظام الإيراني الذي رأى في هذه النتيجة تقدماً ملحوظاً للقوى غير المحتواة من نيران.


في ذلك الوقت، لم يتأخر المالكي كثيراً لتوجيه الاتهام السياسي لسوريا، وهو يعرف أن ليس لسوريا علاقة بذلك، بل كان هذا الاتهام بهدف الضغط على سوريا للخروج من دائرة التفاهم مع السعودية حيال دور عربي في العراق، وكان واحداً من ثلاث تفاهمات تناولت يومذاك أيضاً اليمن ولبنان. وفعلاً استطاع الضغط الإيراني عبر اتهام المالكي أن يخرج سوريا من ذلك التفاهم، وتتحقق للنظام أرجحية التأثير السياسي وبرضى أميركي وعليها استنطبت تفسيرات "دستورية" لتحديد من هي الجهة التي تشكل الحكومة.


عشية انسحاب القوات الأميركية من العراق، بادرت إيران عبر المالكي للقيام بجملة خطوات استباقية، تحضيراً لاستقبال مرحلة ما بعد الانسحاب بموقع قوي للمالكي في الخارطة السياسية العراقية، فكان الدور الإيراني ملحوظاً بما تعرض له حزب البعث من اعتقالات وتصفيات، وبافتعال أزمة سياسية مع "العراقية" عبر إتهام أركانها بالتفجيرات والعمل على شطر قوى سياسية بدأت تبدي ريبة من استفراد المالكي بالسلطة.


واليوم، أمام طرح الثقة بالمالكي، لم يجد النظام الإيراني سبيلاً لتخفيف الضغط عنه، إلا بخلق أوضاع سياسية جديدة، تجعل الأزمة السياسية الفوقية تنشد إلى قواعد خلفية، خاصة وأن التفجيرات وبالشكل الذي حصلت فيه نوعاً ومكاناً وزماناً ودلالة إنما عكست حجم المأزق السياسي الذي يواجهه المالكي، والذي يتطلب عملاً كبيراً يراد توظيف نتائجه في الضغط على خصومه وبالتالي توجيه الاتهام السياسي لمن يعترض على أداء المالكي داخلياً، ولمن يعارض استفراد النظام الإيراني بالعراق من مواقع الخارج العربي والإقليمي.


إذاً، أن كل المعطيات تشير، إلى أن الاتهام السياسي في التفجيرات التي حصلت، إنما وجهتها الأساسية النظام الإيراني، انطلاقاً من مصلحته الكامنة من وراء هذه التفجيرات. وهذا يعني، أن هذا النظام دخل مرحلة مكشوفة من الصراع على العراق، وان مقدمات هذه المرحلة تشبه المقدمات التي رافقت حصول التغيير في إيران نهاية السبعينيات، عبر اللجوء إلى تفجير الوضع العراقي عبر أعمال الاغتيال والتفجير للمؤسسات المدنية والتربوية والدينية والاعتداءات على المخافر الحدودية. ومن يعتقد أن النظام الإيراني بعيداً من هذا الاتهام السياسي، فهذا اعتقاد خاطئ، لأن نظاماً، يعمل لإسقاطات سياسية على مكونات مجتمعية عربية ذات انتماء مذهبي معين، لتوظيف ردود فعلها في سياق افتعال أزمات وطنية، وبما يظن أن ذلك سيعطيه موقعاً على طاولات ترتيبات الحلول لهذه الأزمات لن يتوان عن استعمال كل الأساليب لتحقيق أهدافه ومصالحه خاصة إذا كان وضعه الداخلي يمر بظروف صعبة، ويسعى لضرب مخالبه في أكثر من موقع محيط به لأجل المقايضة السياسية.


إن هذا يجب أن يكون كافياً لإماطة اللثام عن أبعاد الدور الإيراني التخريبي في العراق أولاً وفي عموم الوطن العربي ثانياً، وان العراقيين الذين يدركون هذه الحقيقة يجب أن يكونوا على بينة من أبعاد هذا المخطط الذي يريد أن يجعل من العراقيين وقوداً لمشروعه وأياً كانت الخسائر البشرية.


إن الرد على هذا المشروع الخطير الذي يهدد وحدة العراق وتماسك نسيجه الاجتماعي ووحدة مكوناته المجتمعية لا يكون إلا عبر المشروع الوطني العابر للطوائف والمناطق، وفيه تتوفر الضمانة لكل العراقيين، الذين كانوا وسيبقون مشدودين إلى وطنيتهم وعروبتهم التي اختبرت في حرب الثماني سنوات والتي اختبرت في مقاومة الاحتلال الأميركي والتي ستختبر في مواجهة هذا الاندفاع الإيراني حيال العراق والذي يدفع ثمنه من دماء الأبرياء وأخرهم ضحايا تفجيرات 13 حزيران.

 

 





السبت٢٦ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة