شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل أن يصل نائب الرئيس الإيراني –رحيمي، إلى بيروت ليرأس الجانب الإيراني في اجتماعات اللجنة المشتركة، والتي كانت مخصصة للتوقيع على مذكرات تفاهم وبروتوكولات تعاون اقتصادي وتربوي، وبعيداً عن التقييم السياسي لنتائج هذه الزيارة، حيث لم تأت بالنتائج المرجوة إيرانياً، بسبب نظام العقوبات المفروض على إيران، الذي شكل ويشكل عائقاً أمام توقيع الاتفاقيات التي تتطلب فتح اعتمادات مالية، فإن ما يجب التوقف عنده، هو مشروع مذكرة التعاون التعليمي بين لبنان وإيران، والتي سبقت في وصولها الوفد الرسمي الإيراني، ونشرت بعض وسائل الإعلام نصها.

 

 هذه المذكرة التي لم توقع جاء في بعض بنودها ما يلي :

البند (2): يسعى الطرفان إلى تطوير التعاون القائم بينهما وتعزيزه في مختلف المجالات التعليمية والتربوية، وتبادل المعلومات والمصادر في حقل التربية والتعلم وبالتحديد في المجالات الآتية:

 

1- تعليم العلوم القرآنية والدراسات الإسلامية.

2- التخطيط التربوي وتأليف الكتب المدرسة وطباعتها.

3- المناهج الدراسية وإعداد المعلمين قبل الخدمة وأثنائها.

 

البند (6): يدعو الطرفان، كل طرف إلى المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية والحضور في مسابقات الأولمبياد العلمية والرياضية الخاصة للطلاب والطالبات والمدرسين والمدرسات، وكذلك مسابقات تحفيظ القرآن وتجويد القرآن الكريم المقامة في كلا البلدين على الصعيدين الإقليمي والدولي وتقديم التسهيلات اللازمة إلى الوفود المشاركة.

 

البند (7):

1- إقامة دورات لتعليم اللغة الفارسية وآدابها قصيرة الأمد في لبنان من طريق إيفاد أساتذة اللغة الفارسية من إيران إلى لبنان.

2- تزويد المدارس والمراكز التي تقام فيها دورات تعليم اللغة الفارسية بالكتب والأجهزة والأدوات التعليمية الضرورية.

 

البند (17)

تعلن وزارة التربية والتعليم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن استعدادها لتقديم الخدمات الاستشارية في مجال تأليف وطباعة الكتب المدرسية ونشرها وأعداد المعلمين وخدمات الحاسب الآلي إلى الطرف اللبناني.

 

البند (18) وهو الذي فضح المستور

يتم تشكيل لجنة مشتركة مكونة من ستة أعضاء ( ثلاثة أعضاء لكل طرف ) برعاية أحد مساعدي وزير التربية والتعليم في كلا البلدين للإشراف علي حسن تنفيذ أحكام ومواد هذا العقد حيث تقوم هذه اللجنة بعقد اجتماعات مشتركة في كل من طهران وبغداد سنوياً لبحث ومناقشة سبل تنفيذ نصوص هذا العقد.

هذه البنود التي وردت في مسودة مشروع مذكرة التعاون التعليمي المعدة من قبل الجانب الإيراني، تحتوي على بنود أخرى، لكن وجب التوقف عند  ما جرت الإشارة إليه للأسباب التالية:

 

السبب الأول : إن بنود المذكرة لا يمكن مؤالفتها، نظراً للمفارقة الجوهرية بين الدولة اللبنانية، التي هي دولة علمانية وأن كان نظامها السياسي يقوم على أساس الطائفية السياسية فيما إيران هي دينية دولة ونظاماً.

 

السبب الثاني : إن لبنان وأن كان يشرع التعليم الخاص عبر مؤسسات تعليمية وتربوية ترتبط بمرجعيات طائفية، إلا أن النظام التعليمي الرسمي هو نظام علماني، وعليه لم تقرر مادة الدين، مادة مقررة في المناهج التعليمية وليست مادة اختبار في الامتحانات الرسمية، حتى ولو أقدمت المدارس والمؤسسات التربوية الخاصة على تدريس مادة الدين الخاص بكل طائفة، فيما مادة الدين هي مادة رئيسية في المنهاج التعليمي الإيراني وأكثر من ذلك، فإنها تستند إلى مذهبية في التفسير والتأويل واكثر من ذلك ايضاً فإنها باتت مثار خلاف فقهي حتى بين أتباع المذهب الواحد فيما لبنان هو بلد تعددي في مكوناته المجتمعية.

 

السبب الثالث : إن المذكرة عرضت المساعدة لتعليم اللغة الفارسية، عبر إيفاد أساتذة وإقامة دورات تعليم وأعداد وتزويد بالكتب الفارسية، ولم تتضمن بنداً موازياً، بالطلب لتقديم المساعدة اللبنانية في تعليم اللغة العربية في إيران وعلى قاعدة المعاملة بالمثل.

 

كما أن البند (15) نص على بند خاص ممنوح للطرف الإيراني وفيه: "اعرب الطرف الإيراني عن رغبة في إقامة مهرجان الأفلام التعليمية والتربوية تحت عنوان "مهرجان أفلام رشد" في لبنان حيث سيتم الاتفاق على زمان إقامة المهرجان ومكانه بالطرق الدبلوماسية لاحقاً.

 

إن التدقيق والتحميص ببنود هذه المذكرة، يدلل على أنها تميل لمصلحة الطرف الإيراني، وهي مما تضمنته من أحكام، لا تتلاءم ومعطى الواقع اللبناني للأسباب التي جرت الإشارة إليها، وهي أن دلت على شيء فإنما تدل على أن النظام الإيراني الذي يقدم نفسه لاعباً سياسياً على مسرح الأحداث في المنطقة العربية، يريد أن يوظف معطى هذه اللحظة السياسية، في تقوية مواقعه ونفوذه حيث تتوفر له منافذ الاختراق.

 

ومن يوثق ويمحص جيداً ببنود المذكرة لا يحتاج إلى عناء كثير ليكشف، أن النظام الإيراني، سعى من خلال هذه المذكرة لتثقيل النظام التربوي في لبنان، بالرؤية الإيرانية للمناهج التعليمية والتربوية تحت مظلة مذكرة التفاهم الثنائية وهذا التثقيل بوجهة نظر أحد الأطراف، لا يحصل إلا إذا كان أحد الأطراف له مشروعه الخاص الكلي والذي يريد أن يضخه في كل تفاصيل الحياة لدى الطرف الآخر.

 

وأن ما كشف هذه الأبعاد للنوايا الإيرانية، هو أن البند "18" نص على أن اللجنة المشتركة تقوم بعقد اجتماعات مشتركة في كل من طهران وبغداد.

إن ما تضمنه هذا البند كشف المستور، وبين أن هذه الوثيقة التي أعدها الجانب الإيراني، هي نفسها التي وقعها مع السلطة الحالية في العراق وهي التي تدور في فلكه السياسي، وكل ما فعله أنه استبدل مفرده الطرف العراقي، بالطرف اللبناني، لكنه لم ينتبه إلى ما تضمنه البند (18).

 

إذاً، ان الوثيقة التي قدمها الجانب الإيراني كمشروع مذكرة للتفاهم في المجال التعليمي والتربوي، هي النص الذي يعتمده مع كل من يريد أن يوقع مذكرات تفاهم معه دون النظر إلى الخصوصيات الوطنية في المفاهيم والسلوك. وإذا ما أدركنا، بأن للنظام الإيراني مشروعه الخاص حيال العراق، والهادف إلى احتواء هذا القطر العربي، سياسياً واقتصادياً ومذهبياً وتربوياً واجتماعياً، أدركنا مدى الخطورة الكامنة وراء هذه المحاولات الإيرانية، لاختراق الواقع القومي العربي، ليس عبر السياسية وحسب، بل عبر أشكال أكثر خطورة وتهديداً للأمن المجتمعي، وذلك عبر الدخول المشّرع إلى المنظومات الفكرية والبنى الثقافية والمناهج التربوية والتعليمية، والتي جاءت مندرجات المذكرة تشكل نموذجاً صارخاً على ذلك.

 

من هنا، فإن التعامل مع طرف ثبت انه يضمر أهدافاً بعيدة المدى ولا يتعامل بحسن نية مع الواقع العربي، يجب أن يكون حذراً واذا  كان الطرف الإيراني، قد وقع هذه المرة في مطب السهو ولم ينتبه لما تضمنه البند (18)، فإنه في المرات اللاحقة سوف ينتبه لهذه الهفوات في الصياغة والنقل، وعلى الجانب اللبناني أن يكون في أعلى درجات التيقظ، في تعامله مع طرف يتقن فن البراغماتية السياسية ويريد أن يسحبها على أنماط التعامل في المجالات الأخرى...

 

 





الجمعة٢٠ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة