شبكة ذي قار
عـاجـل










لم أسمع يوماً او أقرأ عن ملك أو رئيس دولة في العصر الحديث بأن فتح ابواب قصره مشرعة لعامة الشعب الا ما فعله الخلفاء الراشدون حصراً وهذه حقيقة لا غبار عليها وحتى ما حصل في العهود التي تلت الخلافة الراشدية لم يكن كذلك مهما أردنا أن نجمل صورة تلك العهود ، ولكن حصل هذا في عهد قائدنا الشهيد صدام حسين ( رحمه الله) وهنا لا بد من الاشارة الى أننا عندما نقول هذا ليس انطلاقاً من حبنا له أو رضانا عنه وهذا موجود بالطبع لكن الامانة تستدعينا الى أن نقول الحقيقة وننقل ما كان يحصل لكي نبرهن على عدالة الرجل كما عشناها ومعنا الشرفاء من ابناء الرافدين وهي مبنية على شواهد لازال اصحابها أحياء يرزقون ولهم الاعتراض على ما ننقل أن كنا كاذبين .


لقد تم نقلي الى أحدى المؤسسات الحساسة في الدولة العراقية بقرار بأمر صدر لي من قيادة الحزب في المحافظة وكانت تحت التأسيس وطلب مني ان اهيأ كوادرها الادارية والفنية من خلال التعيين الجديد وكان ذلك في منتصف السبعينات من القرن الماضي ، وتم ذلك فعلاً مستندين الى المعلومات التي تزودنا بها مديرية أمن المحافظة عن المتقدمين للعمل وكانوا جميعاً من المستقلين ولم ينتموا لحزب البعث العربي الاشتراكي الا عدد قليل كانوا مبتدئين بالتنظيم ، فكان العديد ممن عينوا من مهندسين وفنيين وكوادر الادارة والمحاسبة متخوفون من أجبارهم على الانتماء للحزب وخاصة الكوادر النسوية ، فكانت احدى الاخوات وهي تعمل في الحسابات أكثر الموظفات رفضاً للأنتماء وتصرح بذلك جهراً حتى وصل بها الحال الى أن تتحمل فقدانها للوظيفة ولا تنتمي للحزب ولكننا لم نعر أي اهتمام لذلك وبقينا نتعامل مع الجميع معاملة واحدة وكانت تلك توجيهات المدير العام للدائرة .


في أحد الايام دخلت الى مكتبي الموظفة التي ذكرتها وهي تبكي واول ما خطر ببالي انها قد تعرضت لمضايقة من احد الموظفين وطلبت منها الجلوس وقلت لها لاتبكين أختي واشرحي لي ما حصل لك ، فجلست وهي لازالت تبكي ولا تستطيع ان ترد علي فتركتها في مكتبي وخرجت على أمل ان تهدأ لاعرف منها ما حصل واغلقت الباب ورائي كي لا يدخل أحد عليها وبقيت خارج مكتبي لفترة تقل قليلاً عن النصف ساعة في أحد الاقسام ثم عدت فوجدتها قد هدأت قليلاً وهنا طلبت منها أن تقص علي ما حصل فقالت لم يحصل لي شيئ هنا بل أني وعائلتي سنواجه كارثة محتملة الوقوع في أي يوم ، فاستغربت من قولها وما كان مني الا ان اسألها ماهذه الكارثة ومن أين ستأتيكم ، ردت من البلدية فهي تريد ان تطردنا من بيتنا الذي عشنا فيه عشرات السنين بحجة وجود مشروع اعمار للمنطقة ، فسألتها ولماذا لم تراجين المحافظ او أي مسؤول آخر كي يساعدكم في الحل ، قالت لم أترك باباً الا وطرقتها حتى الوزارة وهم مصرون على أن نرحل ، عندها وبكل هدوء سألتها فماذا أنا فاعل لك وغيري من المسؤولين اصحاب الشأن لم يفعلوا شيئاً ، قالت وبالحرف الواحد ( آني بشاربك واريدهه منك ) .


أحترت حينها بالرد لاني لست صاحب قرار ولكن اسعفتني ذاكرتي سريعاً وتذكرت ( السيد النائب ) حينها فقلت لها أشتكي لدى السيد النائب فضحكت وقالت من الذي سيوصلني اليه وانا لا استطيع مقابلة مدير البلدية ، هنا قلت لنفسي علي أن اثبت لها بأن البعثيين هم خدم لأبناء الشعب ويمكنهم المساعدة بالقدر الذي يستطيعونه كي يكون فعلي مدخلاً لكسب الموظفين الباقين المتخوفين من الانتماء للحزب واشعارهم بالطمأنينة ، فقلت لها سأعطيك رقم هاتف تتصلين به وتشرحين قضيتك ، وبشيئ من عدم التصديق قالت وسيتحدث معي أحد المرافقين او الموظفين ويقول لي ان الموضوع خاص بالبلدية او المحافظة ، فقلت لها انت اتصلي هذا اليوم من الساعة كذا الى كذا ومن ثم اخبريني بما يحصل .. شكرتني الموظفة بعد أن اخذت الهاتف الخاص بالسيد النائب والمخصص لاتصال المواطنين ..


بعد يوم واحد جاءت الموظفة الى مكتبي وهي مبتسمة وقالت لي أنك انسان نبيل لقد اتصلت وتم تحديد موعد مقابلتي بالتاريخ الفلاني ، فحمدت الله على هذا وهنأتها بما حصل ..
مرت الايام وجاء موعد المقابلة فطلبت أجازة للذهاب الى بغداد دون أن تخبر أحداً من الموظفين بوجهتها ، الا أني كنت على أحر من الجمر لمعرفة ما سيحصل لها أو ما ستحصل عليه ، وانتهت الاجازة وعادت الموظفة للعمل وقبل ان تذهب الى قسمها دخلت الى مكتبي وهي تقول ( أستاذ خليني اشكرك ) فاستغربت مما قالته وقلت لها ( واصلة أختي ) لكن اخبريني بما جرى وهنا تحدثت بما لا يصدقه أحد وهي تقول :-


ذهبت قبل الموعد المحدد الى استعلامات مبنى المجلس الوطني فوجدت هناك موظفاً خاصاً بمقابلات ( السيد النائب ) فأعطيته اسمي ونظر بقائمة لديه تحوي اسماءً فقال لي ( اجلسي اختي) وأنا ارتجف من شدة الخوف والرهبة وتوالى المواطنون على المبنى ولم نتأخر كثيراً حتى اكتمل العدد فأخرجونا الى سيارات أعدت لنقلنا الى مكان آخر وهناك أجلسونا جميعاً في أحدى القاعات الجميلة التي لا اعرف اين تقع وضيوفونا ولم يطل مقامنا حتى بدأوا بالمناداة علينا واحداً واحداً ، حتى جاء دوري بعد اثنين من المواطنين أمرأة ورجل فنادوا بأسمي وعندها وجدت بأني غير قادرة على النهوض واجهشت بالبكاء فجاء عدد من الحمايات ليعينوني ويطلبون مني التوقف عن البكاء لكني لم استطع أن اتحمل الموقف حتى وصلت الى غرفة فتحوا بابها وأنا أكاد اسقط على الارض وأذا بي التقي بالسيد النائب وجهاً لوجه حيث كان سيادته يقف أما الباب ولم يكن جالساً خلف مكتبه وأول عبارة قالها لي ( اهلا بالبصراوية ) ومد يده لي ليصافحني وكنت أشعر وقتها بأن يدي قد شلت من جراء الموقف الذي أشاهده وقال ( استريحي) فجلست وعاد هو الى مكتبه وقال لي لماذا تبكي ( البصراوية ) ( دموعها غالية علينا ) فلم استطع اجابته ، وعلى الفور جلبوا لي قدحاً من الشاي ولم استطع التقرب منه وانتبه سيادته لي وقال اشربي الشاي وراح يسألني اسألة ليست لها علاقة بموضوعي رغم أني اشاهد ملفاً امامه كان يتصفح فيه فسألني عن البصرة وابناءها وعن الحياة فيها وراح يذكر لي تاريخ البصرة ومن بناها وبعهد من من الخلفاء وبماذا تشتهر ومن هم سكانها الاصليون وكم هم طيبون وانا لازالت دموعي وكأنها كانت محبوسة ووجدت منفذا لها كي تنطلق من سجنها ، ولا استطيع الرد الا بأيماءة برأسي أما لساني فقد ابتلعته ولم يعد قادراً على نطق كلمة واحدة وهنا قال لي مرة ثانية ( اشربي الشاي ) وهنا كان لزاما علي أن اشرب وكانت اصابعي لا تقوى على حمل القدح وبصعوبة كبيرة أخذت رشفة منه واعده الى مكانه ...


هنا قال لي ( أي سولفي ) فغابت الكلمات مني والتي كنت قد حفظتها مثل القصيدة ولم أستطع أن اقول منها الا ما اسعفتني ذاكرتي بها وقلت له سيدي أن موضوعي هو كذا وكذا وأني لم اترك باباً الا وطرقته دون حل ، فضحك سيادته وقال لي ومن قال لك بأن الحل عند صدام حسين ؟


هنا ترددت بالاجابة ولكني آثرت عدم أخفاء أي شيئ عنه فقلت له لقد نصحني أحد الاخوة الموظفين معي في دائرتي الفلانية بالاتصال بكم وقال لي بأن مشكلتك لن يحلها الا السيد النائب ، فابتسم وقال أن زميلك قد نصحك بما هو خير لك ، ولكن كيف يمكنك أن تسددي ثمن الدار التي تسكنينها وانت موظفة فكم راتبك فاخبرته به فقال لي أن راتبك لا يكفي لأحتياجاتك من الملابس واللوازم الاخرى فقلت له سيدي سأدفعه كله ولدى والدتي حلي ذهبية سنبيعها ونسدد بها وأختي طبيبة وستساعدنا بذلك ، فقال ذهب والدتك سيبقى لها ولا يجوز أن تأخذين من أختك فهي صاحبة بيت وانت من تسددين المبلغ ولكن كم تستطيعين أن توفري من راتبك الشهري لتسديد سعر البيت الباهض ، فقلت له نصف راتبي وهو (15 دينار ) فرد علي وانا اقول ادفعي (10) عشرة دناير شهرياً واعتبري الدار من الان ملكاً لك ولكن انتظري القرار الذي سيبلغك فيه المحافظ ، وعند عودتي اتصلوا بي بعد يومين لاستلم قرار التمليك ..

 

انتهى حديث الموظفة
بعد ما حصل لتلك الموظفة طلبت مني ان تنتسب للحزب وقمت بالاتصال باحدى الرفيقات كي تنظم لها استمارة الانتماء بكفالتي ودخلت الحزب الذي كانت تخشى الدخول اليه وتدرجت بالمواقع حتى وصلت ( عضو قيادة فرقة ) ولكنها اجتثت بعد الاحتلال كما هو حال البعثيين الاخرين .


أننا عندما نذكر هذا وعلى شكل قصة أردننا أن نوصل لمن يدعون بأنهم عدول ومن يدعون بأنهم يساوون بين ابناء شعبهم في العطاء ماكان يحصل في زمن قائدنا الشهيد صدام حسين ( رحمه الله ) فهل هناك من يذكر لي ولو موقف واحد أتخذه ملكاً او رئيساً في أمة العرب كما كان يفعله القائد الشهيد


وهل ما فعله مع هذه الماجدة العراقية ومع غيرها يدل على انه كان ينظر للمدينة او العشيرة او الطائفة والدين قبل اتخاذ قراراته ، أم ان العراقيين متساوون كأسنان المشط عنده وعطاءه يشمل الجميع .

ونحن نحتفل بذكرى ميلاده الميمون نرفع اكفنا بالدعاء له بالرحمة والغفران وان يكون مثواه الجنة التي أعدت للمتقين ..
وسيبقى في ذاكرة الملايين .
 

 

 





الجمعة٠٦ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق خالد الحسن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة