شبكة ذي قار
عـاجـل










إن المقصود بالحق والباطل هنا هو ليس كما رأينا أو سمعنا عن ذلك الإحتلال فقط, بل هو تأريخ فاصل مابين النور والظلام والأمل واليأس والعلم والجهل والأخلاق والفساد والأيمان بالله والكفر به والعياذ بالله.

 

إذن في هذا المقام مباحث عديدة : كالحق والباطل وكل ماتأسس على هذا الباطل فهو باطل.

 

ومثلما تعرفون فإن للحق حظور بارز في العديد من الآيات القرآنية, فمثلاً في قوله تعالى ( إنا أرسلناك بالحق ) و ( وحق عليهم القول ) و ( ولو أتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض ) وهكذا. أما عن تعريف الحق, فمهما أختلف الفقهاء في إظهار التعريفات له سواء الشخصية أم الموضوعية أم المختلطة منها, فهي تتفق جميعاً على أن الحق هو مصلحة يحميها القانون. أي بمعنى "الشرعية".

 

إذن, فبغداد قبل الإحتلال كانت تعيش وتملك الشرعية أي الحق بشعبها وتربتها وثورتها وبقائدها كذلك. ولو لم تكن على حق لما تداعت عليها قوى الشرك والضلال.

 

ودعوني أكمل لكم من حيث أنتهينا في الجزء الثاني من قصة بغداد السيادة. فالمنجزات التي حققتها الثورة كانت أعظم أرصدتها تتمثل في تأميم النفط وإعادة الإعمار والتنمية, فضلا عن الحفاظ على وحدة التراب العراقي, بل والعربي أيضاً, فلا يوجد أحد في العالم العربي ينكر دور العراق في المساندة والدعم عندما كان يتهدده الخطر. كما أن مسألة تأميم النفط من الشركات الأجنبية من قبل ثورة فتية كثورة البعث ليس بالأمر الهين, خاصة وأن تلك الشركات هي التي تحرك الإقتصاد في العالم الرأسمالي وخاصة في أمريكا.

 

بالتأكيد هي خطوة جبارة وجريئة تعكس بلا شك وطنية وشجاعة قادة تلك الثورة الخالدة ثورة 17-30 تموز 1968.

 

ومن الأمور المسلم بها أيضاً, هو إنتقال الحكم من الرئيس الى نائبه في الأنظمة الرئاسية والتي كان العراق واحداً منها. ومع ذلك لم تمر خلافة القائد الشهيد للحكم دون تحديات كبيرة تمثلت في عاملين معقدين هما: توقيع السادات لإتفاقية السلام مع إسرائيل في آذار عام 1979, وعرض الرئيس السوري حافظ الأسد مشروع الوحدة مع العراق عام 1979 لإحتواء مسيرة الثورة وإنجازاتها, عندما قام بالتآمر على السلطة في العراق وفشل في قلب نظام الحكم فيه.

 

ثم أضافت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 تحدٍ آخر لثورة البعث ولقائدها الشهيد, فالدولة الفارسية ( إيران المسلمة ) قد خرقت كل العهود والمواثيق. ( وإذا كانت تدعي الإسلام فعل ) نتسائل عن الرسول الكريم أليس نبيهم أيضاً ؟ ألم يوصي بالعهود والمواثيق وينهى عن نقضها ؟ ونتسائل كذلك عن القرآن الكريم أوليس كتابهم أيضاً ؟ ألم يقرؤا فيه ( إن العهد كان مسؤل ) ؟ إن الجواب على ذلك واضح للسائلين, فقد ترجمته إيران بكل صراحة وعبرت للجميع عن حقدها وإنتقامها لكل مايمت للإسلام وللأمة العربية بصلة وخاصة مع دول الجوار.

 

ثم أضافت الكويت عام 1990 تحدٍ من نوع جديد لمسيرة الثورة في العراق, فقد تعمدت زيادة إنتاجها من النفط لتغرق الأسواق وتنخفض بذلك أسعار النفط من 25 دولاراً للبرميل الواحد الى 7 دولارات آنذاك[1], في الوقت الذي خرج فيه العراق من الحرب منهكاً إقتصادياً, حيث بلغت ديونه مايقارب 30 الى 40 بليون دولار, فضلاً عن سرقتها للنفط العراقي بطريقة الحفر المائل للآبار النفطية في مناطقها الحدودية مع العراق.[2] "ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله"[3].

 

وفرض الحصار الإقتصادي على العراق بعد غزوه للكويت في 2 آب 1990 وأستمر حتى سقوط بغداد بالإحتلال الأمريكي للعراق في 9.4.2003.

 

إذن, دعونا ننتقل من جانب الحق لنرى ماذا فعل الباطل بالعراق وشعبه بعد الإحتلال الأمريكي! والحقيقة...الحديث طويل جداً ولكني سأوجزه لكم بما يلي:

 

أولاً- ليس العراق وحسب بل وأغلب الدول العربية تعيش اليوم بمايسمى حالة "الفوضى الخلاقة" تلك سياسة الإحتلال غير الأخلاقية التي تعتمد الميكافيليية منهجاً لها, وهي جوهر سياستها الباطلة في العالم العربي اليوم.

 

ثانياً- لقد أفضى الإحتلال الى تخريب الدولة العراقية دون أدنى شكل ولكل مؤسساتها الإدارية والإقتصادية والأمنية, والنتيجة هي كما نراها اليوم متمثلة بالفراغ السياسي والفساد الإداري فضلاً عن الجريمة المنظمة. ( طيب ) إذا كان هذا هو دور الإحتلال ! فأين دور الحكومة المنتخبة ؟ أوليست هذه الحكومة ممثلة لأحزاب دينية مسلمة ؟ ألا يثير ذلك التساؤل عن ماهية هذا الدين الذي تؤمن به هذه الأحزاب ؟ يعني ( دعوني أبسط الأمر عليكم ) أين هذه الأحزاب الدينية المسلمة من مبادئ القرآن الكريم ؟ ألم يقرأوا قاعدة "خذ العفو وأمر بالعرف" أم على مقولة الشاعر ( وبالشر نجاة حين لاينجيك إلا الشر ) ؟

 

دعوني أضرب لكم مثلاً, ولكي لا أُنعت بالطائفية سأضرب مثلي على الإمام محمد الباقر ( ع ) , حينما شتمه مزارع عندما كان الإمام يمشي في مزرعته مدعياً إتلاف زرعه. فقال له الإمام ( كم غرمت على زرعك ) أجابه المزارع بـ 200 دينار, فأعطاه الإمام 300. وبقي المزارع في حيرة من أمره, أو يكافأ على شتمه له ؟ أليس هذا هو خلق الإسلام وهذا هو المقصود بـ "خذ العفو وأمر بالعرف", أو ليس الإمام محمد الباقر ( ع ) جعفرياً ؟ أو ليست هذه هي أخلاق أهل الدين أم أنا غلطان ؟

 

لذلك نرجوكم ! كفاكم تشدقاً بالدين وأهل الدين, لقد أمر الله تعالى نبيه إبراهيم ( ع ) ببناء بيت ٍ له, فقال يارب لقد بنيت لك بيوتأ عديدة, فقال الله تعالى هل أشبعت جائعاً أو كسوت عارياً ؟ عليك ياأبراهيم أن تفكر بالذي يدخل بيتي أهو جائع أم شبعان ؟

 

فالمفروض أن هناك حاجات رئيسية ( ياحضرة رئيس الحكومة الدينية ) , فالشعب جائع والفقر هو أساس الجريمة في المجتمع, فضلاً عن المؤسسات الثقافية والتربوية وكذلك التعليمية ودور العبادة بل ودور رعاية الأيتام أيضاً ! أليست لديك أرامل وأيتام ؟

 

أما البيت الذي أمر الله تعالى نبيه إبراهيم ببنائه فهو في قلب كل مؤمن بالعمل الطيب وفعل الخير, وكما يقول الشاعر ( مؤدب الناس ومعلمهم بسيرته أحق الناس ) . ومن يدعي الحق بالحكم والقيادة عليه أن يكون الأفضل لا الأسوء.

 

ثالثاً- تشكيل مجلس الحكم عام 2003, على أسس طائفية لضمان ضياع وحدة العراق الوطنية, وخلق حالة من التناقض مابين هيمنة الإحتلال والسيادة الوطنية لتكون منطلقاً للمشروع الأمريكي في إعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة العربية ومن ثم الإخلال بحالة التوازن الإقليمي ( بالتأكيد لصالح دولة إسرائيل وتحقيق حلمها المنشود من النيل الى الفرات ) .

 

رابعاً- إن عقيدة حزب البعث القومية العربية والتي كان العراق ينتهجها, تمثل الخطر الأكبر للكيان الصهيوني وللأمريكان. وهذا ماترجمه "ديفيد وورمز" وكيل وزير الخارجية الأمريكي السابق في حكومة خاقان مغول الأمريكان بوش, حيث جاء في كتابه بعنوان "حليف الطغيان: فشل أمريكا في إطاحة صدام", والصادر في عام 1999, من أنه ( ضرورة تغيير الشرق الأوسط وبأساليب دراماتيكية, وأن هذا التغيير لن يبدأ قبل الإطاحة بالنظام العراقي. وتدميره, لأن ذلك سيكون بمثابة رسالة لجميع الأنظمة العربية لوقف دعمها للإرهابيين ( ويقصد بالمقاومة الفلسطينية والعربية ) .

 

وبما أننا بصدد الباطل , فدعوني أنتقل بكم الى المبحث الأخير من مقالتي هذه. فكلنا قد سمع عن قاعدة "كل مابني على باطل فهو باطل".

 

إذن, بما أن الإحتلال الأمريكي للعراق يفتقد السند القانوني له ( وهذا لا أقوله أنا فقط ) , بل المجتمع الدولي كله يجمع على ذلك, وإليكم الدليل: 1- كوفي عنان في إحدى تصريحاته قال ( أن غزو العراق منافي لميثاق الأمم المتحدة ) , 2- المستشار القانوني لوزارة الخارجية البريطانية "مايكل وود" قال ( أن الحرب على العراق غير شرعية ) , 3- تصريح المدعي العام البريطاني "غولد سميث" بالقول ( أن الإطاحة بنظام الرئيس صدام ستكون خرقاً صارخاً للقانون الدولي ) , 4- في رسالة من رئيس الوزراء الهولندي الى البرلمان قال ( أن الحكومة الهولندية ساندت غزو العراق مع أنه لم يكن لديها سند قانوني ) .....الخ.

 

إذاً طبقاً للقاعدة القانونية "كل مابني على باطل فهو باطل" ( وهي قاعدة شرعية تبنتها غالبية التشريعات القانونية الدولية ) , نكون إزاء مايلي:

 

- إن كل ماجرى في العراق بعد 9.4.2003 هو باطل. فالديمقراطية المستوردة باطلة, ودستور القرد بريمر باطل, ومافعله خاقان أمريكا "بوش" وعلوجه الأقزام في العراق باطل, لأن "فاقد الشئ لايعطيه" فكيف لأمة تفتقد التأريخ والأخلاق أن تعطي دروساً فيها ؟

 

- كذلك وجود أكبر سفارة وأكثر من 16 ألف جندي أمريكي فيها بحجة أو أخرى بعد الإدعاء بالإنسحاب من العراق باطل.

 

- والبرلمان العراقي الذي يتقاضى ساسته عن الدقيقة الواحدة أكثر من ألف دولار باطل, ومن باع العراق لأمريكا وإيران باطل, وسياراتهم المصفحة باطلة, وأخيراً..القمة التي أنعقدت في بغداد بحماية قوات أمنية إيرانية باطلة هي الأخرى[4].

 

وصدق الشاعر حين قال :

لسائل الدمع عن بغداد أخبار .... فما وقوفك والأحباب قد ساروا

علا الصليب على أعلى منابرها ... وقام بالأمر من يحويه زنار ُ

 

*** *** ***

 

  إذا علمنا أن إنخفاض دولار واحد في سعر برميل النفط يعني أن يخسر العراق "مليار دينار" سنوياً, فكيف إذا أنخفض 18 دولاراً ؟ سؤالي الى [1]

حكام الكويت. هل الأمة العربية بحال يسمح لها من أن تخسر كل هذه المليارات ؟ ولماذا هذا الضرر بالإقتصاد القومي للأمة العربية ؟ والله ماجاع فقير إلا ومتعتم به أنتم, والله سائلكم على ذلك.

[2] . http://www.youtube.com/watch?v=ib9ulfNLX2w&feature=related.  

  سورة فاطر ( الآية 43 ) .[3]

  صرح السفير الإيراني في بغداد "دنائ فر" أن قد أكمل الإستعدادات لإستقبال الملوك والقادة العرب الذين سيشاركون في مؤتمر القمة, ونشرت[4]

 

صحيفة نيو مكس الإلكترونية أن النائب الكويتي وليد الطبأطبائي كشف عن مصادر مطلعة رسمية أن قوات أمنية إيرانية تسيطر على مطار بغداد وأستلمت مسؤولية حمايته قبل القمة, وأخرج كافة الضباط والمخابرات العراقية منها.

 





الاربعاء١٩ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي خليل اسماعيل الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة