شبكة ذي قار
عـاجـل










أعتقد أنّ كثيرا من العرب يتابعون بألم أخبار عقد القمّة العربيّة في بغداد. فهم فيما يبدو يفضّلون عقدها في أيّ مكان آخر من أرض العرب عدا العراق. ورأيهم أنّ حضور الحكّام العرب إلى بغداد من شأنه أن يضفي شرعيّة على حكومة غير شرعيّة، وأن يمكّن للمالكي وأعوانه ويدعم صولاته المتكرّرة على أرض العراق لا سيّما في أحيائها ومدنها المقاومة، وأن يقوّي شوكة الذين يستهدفون عروبة العراق ووحدته، وأن يطلق يد المتواطئين مع الاحتلال فتعمل في الوطنيّين اعتقالا وتعذيبا واغتيالا وتهجيرا..


وأحسب أنّ كلّ هذه المبرّرات صحيحة، لأنّ أصحابها لا يقبلون أن يروا العراق محتلاّ وممزّقا وضعيفا وهم ما عهدوا العراق إلاّ حرّا وموحّدا وقويّا .. عهدوه عاصمة العرب .. وقبلة العرب .. ومجدهم ..
غير أنّ للمشكل في اعتقادي أبعادا أخرى تتجاوز الأماني .. ذلك أنّ الدعوات إلى الامتناع عن المشاركة في قمّة بغداد وُجّهت إلى حكّام العرب دون سواهم، بل وصلت إلى حدود مناشدتهم ألاّ يرتكبوا مثل هذه الكبيرة.


ويهمّني في هذا السياق أن أوضّح بعض النقاط التي لها صلة مباشرة بموضوع القمّة.


إنّ الحكّام العرب لم يتعوّدوا أن يستمعوا إلى نداءات شعوبهم، ولا أن يلبّوا مطالبهم، أو يستجيبوا لتطلّعاتهم، أو يعبّروا عن إراداتهم.
إنّ الحكّام العرب في غالبيّتهم لا يمتلكون حريّة اتّخاذ قراراتهم، ولا استقلال مواقفهم، وإنّما يقبعون في صمت في انتظار التعليمات الصادرة إليهم من السيّد الأمريكيّ.


إنّ الحكّام العرب لا يكترثون كثيرا بهويّة العراق واستقلاله وعروبته رغم ادّعاءات بعضهم وصراخهم أحيانا، بل إنّ كثيرا منهم لا سيّما في دول الخليج العربيّ يهمّهم أن يبقى العراق ضعيفا وممزّقا وبلا هويّة طالما لم يؤثّر ذلك على أوضاعهم الداخليّة.


إنّ الحكّام العرب سبق لهم أن اعترفوا بحكومات الاحتلال في العراق .. وأرسلوا إليها سفراءهم وعقدوا معها الاتفاقيّات وتبادلوا معها الزيارات. بل إنّ بعضهم افتتح قنصلياته في أربيل عاصمة ما يسمّى بإقليم كردستان في مسعى لا يُفهم منه غير التحريض أو الموافقة على الأقلّ على مشروع الفيدرالية الذي لا يعني سوى تقسيم العراق.


إنّ الحكّام العرب سبق لهم أن وافقوا على احتضان أربيل أعمال المؤتمر الثالث عشر لاتحاد البرلمانيّين العرب قبل بضع سنوات.. وهو المؤتمر الذي شهد اعتذار البرلمانيّين العرب للعراق المحتلّ، وهيّأ فيما بعد لتسارع وتيرة الاعتراف العلنيّ بحكومة الاحتلال في بغداد.


إنّ الحكّام العرب أو أغلبهم لم يعترفوا بالمقاومة العراقيّة، وظلّوا يكيلون لها الاتّهامات، ويخلطون متعمّدين بينها وبين الإرهاب. وهو ما جعل هذه المقاومة تفتقر إلى أيّ شكل من أشكال الدعم سواء كان ماليّا أو دبلوماسيا أو إعلاميّا أو .. عسكريّا.


هل يكفي كلّ هذا لتجنّب الرهان على استجابة الأنظمة العربيّة لنداءات المقاطعة ؟
قبل أيّام تناقلت مصادر دبلوماسية أنّ العاهل السعوديّ الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود يعمل على عقد قمّة عربيّة مصغّرة في الرياض هدفها الأوّل إفشال قمّة بغداد. ويبدو أنّ الاتّصالات شملت الأردن ومصر وقطر والمغرب والإمارات. ورغم ما قيل عن تحفّظ الجامعة على مبادرة السعوديّة والردود الباردة التي تلقّتها الرياض فإنّها ما زالت تنشط لإجهاض قمّة بغداد لأنّها تسعى جاهدة لإبقاء العراق في حالة من الضعف والتشتّت، وتخشى أن يعود للقيام بدوره المحوري التاريخيّ والطبيعيّ في محيطه العربيّ والإقليميّ.


هذا نموذج لبعض حكّام العرب الذين ندعوهم عن حسن نيّة لمقاطعة القمّة.


في المقابل يسعى حكّام العراق بكلّ ما يملكون إلى استضافة هذه القمّة في موعدها. ولهذا صعّدوا من حملة اعتقالاتهم لكلّ من يرتابون فيه، وضبطوا خطّة أمنيّة يتمّ بمقتضاها نشر 100 ألف عنصر أمن وزرع كاميرات مراقبة في عموم العاصمة، ونشر أذرع استخباريّة مدنية، وإعلان حظر كامل للطيران المدنيّ في كلّ مطارات العراق باستثناء مطاري اربيل والنجف .. وكذلك إعلان يومي 28 و29 مارس يومي عطلة .. مثلما تشير معلومات اللحظات الأخيرة أنّ قوات إيرانيّة سيطرت بأمر من نوري المالكي على مطار بغداد الدوليّ، بعد أن تمّ إخراج العناصر العراقيّة منه .. أي أنّ مهمة حماية الوفود الرسميّة العربيّة ستكون موكولة إلى الإيرانيّين.


وفي مستوى آخر أكّدت مصادر في مقرّ جامعة الدول العربيّة أنّ عددا من مسؤوليها الكبار تلقّوا رشاوى من الحكومة العراقية بلغت ملايين الدولارات، الهدف منها قيام هؤلاء المسؤولين بترويج تقارير عن العراق قبل عقد القمّة العربيّة ببغداد وبعدها، تشير إلى عدم وجود مشاكل في العراق .. وأنّ العراق يعيش حالة استقرار دائم .. وقالت المصادر إنّ عددا من الأشخاص في مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي قاموا بتحويل الأموال إلى المسؤولين في جامعة الدول العربيّة عبر بنوك في عدة دول عربيّة وأجنبيّة منها بنوك في الإمارات وبريطانيا وأمريكا وسويسرا .


هذه هي بغداد التي كانت في يوم ما عاصمة العرب والعروبة .. لا شيء فيها اليوم يذكّرك بمجد بغداد وعظمتها .. لا حكّامها ولا القادمون إليها من حكّام العرب .. فكلّهم متآمرون عليها وعلى وحدتها وقوّتها.. وعروبتها..



akarimbenhmida@yahoo.com

 

 





السبت٠١ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة