شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد أيّام قليلة تتقاطر وفود الأنظمة العربيّة على بغداد المحتلّة لتشارك في مؤتمر القمّة. ولست أدري إن كان بعض زائري بغداد سيتذكّرون وهم يحلّقون في سمائها أو يمرّون بدجلتها أو يختفون في وكر ضباعها أنّ بعض من كانوا يملؤون الدنيا ويشغلون الناس ما زالوا يقبعون في سجون حكومة الاحتلال.. ويتنفّسون في عتمتها ويُحرمون من شمس بلادهم وهوائها.


نحن نعلم جميعا أنّ جلّ أركان نظام الشهيد صدّام حسين إمّا تمّت تصفيتهم خارج السجون أو داخلها، وإمّا أنّهم ما زالوا يقبعون داخل المعتقلات الحكوميّة في انتظار موت أرحم بكلّ تأكيد من عذاب السجن وهوانه.


ولا شكّ أنّ الذاكرة ما زالت تحتفظ بأسماء الذين قضوا داخل المعتقلات الأمريكيّة أو العراقيّة بقطع النظر عن التسمية التي اختارتها القيادة العميلة لكلّ عمليّة اغتيال. فقد قضى في عتمة السجون صدّام حسين وبرزان التكريتي وعوّاد البندر وطه ياسين رمضان وعلي حسن المجيد تحت مسمّى تنفيذ أحكام الإعدام القضائيّة، إضافة إلى أحكام أخرى بالإعدام صدرت بحقّ ثلّة من خيرة رجال العراق على غرار سلطان هاشم وعبد الغني عبد الغفور وغيرهم ممّن يدفعون كلّ يوم ثمن موقفهم المناهض للاحتلال والمنافح عن العراق شعبا وحضارة ودولة.


آخر الأخبار القادمة من سجن الكاظميّة ببغداد تؤكّد أنّ الأسير طارق عزيز يمرّ بظروف صحّيّة صعبة جدّا. والأستاذ عزيز فخر الدبلوماسية العراقيّة والعربيّة والبالغ من العمر 76 عاما يقبع في السجن منذ سنة 2003. وهو إلى اليوم معتقل في إحدى زنزانات سجن الكاظميّة في بغداد. وفي انتظار تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقّه يعاني الشهيد الحيّ طارق عزيز من أمراض كثيرة تزيد من هول مأساته إضافة إلى إضرابه المتقطّع عن الطعام بسبب سوء المعاملة ومنع الدواء وغياب العلاج الضروريّ المنتظم.


عزيز على حافة الموت، وزملاؤه المعتقلون هم الذين يساعدونه على المشي والتحرّك وتناول الغذاء. ووفق ما تناهى من أنباء فإنّه يجد صعوبات حقيقيّة للتعرّف إلى المحيطين به بل إلى زوجته وابنته الوحيدتين اللتين يسمح لهما بلقائه مرّة في الشهر.


ليس في هذه الأخبار أيّة مبالغة، ففي 27 جانفي الماضي وافت المنيّة وزير الماليّة السابق حكمت العزاوي في مستشفى سجن الكاظميّة بسبب نقص الأدوية.. ووسط تجاهل تامّ من الحكومة العراقيّة ومن وسائل الإعلام. كما أنّ وزير التجارة السابق محمّد مهدي صالح أصيب بالعمى للسبب ذاته. مثلما عانى وزير الداخليّة السابق سعدون شاكر من عدّة نوبات قلبيّة دون أن تكلّف حكومة الاحتلال العراقيّة نفسها عناء رعايته طبّيّا.


بعض رفاق السيّد طارق عزيز قضوا نحبهم .. وهو مع رفاق آخرين ما زال ينتظر، وأحيانا يتعجّل الرحيل، ففي السنة الماضية وجّه محاميه رسالة إلى نوري المالكي يطالب فيها طارق عزيز سجّانيه بتنفيذ حكم الإعدام بحقّه بأسرع وقت ممكن .. فبغداد ما عادت بغداد .. ماؤها وأرضها وهواؤها ..


في معتقلات العراق اليوم رجال بنوْا العراق الحديث بصدقهم وعملهم .. بنوْه بأهدابهم. من بينهم أعضاء القيادة والوزراء والقادة العسكريّون والسفراء والمحافظون والضبّاط .. وكلّ من كانت له صلة بالنظام العراقيّ الوطني ( السابق ) .


ترى هل سيذكر الوزراء والحكّام الذين سيزورون بغداد أنّ طارق عزيز يقبع في زنزانته وقد هدّه المرض والتعذيب والإهمال؟ هل سيذكر أولئك الذين كان بعضهم يتدافع للقائه في بغداد أو حينما كان يتوقف في أيّة عاصمة أخرى أنّ سيّد الدبلوماسيّة العربيّة يقف على مشارف الموت؟ وهل سيذكر العرب الذين يجاهر بعضهم اليوم بالحديث عن سايكس بيكو جديد أنّ طارق عزيز كان أوّل من تحدّث عن المخطّط الأمريكيّ .. في سبتمبر 2002 حينما قال: "ليس لدينا أوهام.. إنّ الهدف الأمريكيّ في المنطقة هو سايكس بيكو جديد، بدءا في العراق وانتهاء بدول أخرى، منها الأردن والسعوديّة ودول أخرى في المنطقة


لأنّ المعادلة،حتّى مع سايكس بيكو القديم، التي اشتغلت لمصلحة الكيان الصهيونيّ والامبرياليّة على مدى القرن الماضي لم تعد تشتغل لمصلحة الهدف الإمبرياليّ والوجود الصهيونيّ في فلسطين .. فاليوم مثلا عدد العرب الذين يحملون شهادات عليا أكثر من عدد سكّان "إسرائيل".. هذا تحوّل نوعيّ.

 

صمود العراق وصمود المقاومة الفلسطينيّة، والانتفاضة الفلسطينيّة خلق تحوّلا نوعيّا سياسيّا ونفسيّا .. والمواطن العربيّ يثق ثقة عميقة بأنّ مقاومة الإمبرياليّة والصهيونيّة ممكنة، وأنّها لن تؤدّي إلى فنائه. نعم هناك تضحيات وشهداء، ولكنّ هذا لن يؤدّي إلى فناء الأمّة."


ترى.. هل يذكر المسؤولون العرب طارق عزيز؟ وهل يملكون مثل هذا الصدق والوضوح والدقّة ؟ أليس عزيز رجلا بعفّة العراق وعظمة العراق وصدق العراق؟

من المفارقات أنّ حزب الدعوة الذي يتزعّمه نوري المالكي قد حاول اغتيال طارق عزيز في أفريل 1980 .. ولم ينجح .. وها هو بعد أكثر من ثلاثين عاما يوشك على النجاح في مسعاه .. في صورة تؤكّد أنّنا نحن العرب أبرع الأمم في التفريط في ثرواتنا واغتيال مستقبلنا.

 

 





السبت٢٣ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة