شبكة ذي قار
عـاجـل










كان لتقرير اللجنة المستقلة الخاصة لتقصي الحقائق في مملكة البحرين أصداء متباينة في البحرين وإيران ودول الخليج العربي بشكل عام ؛ تقرير الدكتور محمود شريف بسيوني وهو رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق في الأحداث التي شهدتها البحرين في شهري فبراير ومارس الماضيين والذي تم تسليمه إلى ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في 23 نوفمبر الماضي ، (نفى) التورط الإيراني "المباشر" في تلك الأحداث ، وهو ما تغنت به وسائل الإعلام الإيرانية أو تلك الماضية في فلك التوجه الإيراني كقناة "العالم" و "المنار" و "الفرات" وغيرها، كما ركز على نقاط بدت وكأنها هي تحديدا ما أريد لهذا التقرير إظهارها مثل الإقرار بممارسة قوات الأمن البحرينية لانتهاكات في مجال حقوق الإنسان وأن الأطباء البحرينيين بريئون من التعامل مع جرحى الأحداث على أعتبار طائفي وموضوع تهم حيازة الأسلحة وإخفاءها في مستشفيات الدولة وكذلك الأستخدام المفرط للقوة ضد المعارضين من قبل قوات الأمن البحرينية والتي يقودها أحد ابناء الأسرة المالكة للبلاد وغيرها .


اللافت في موضوع لجنة التحقيق المستقلة هذه أنها شكلت بأمر من ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وبتمويل من حكومة البحرين أعتمادا على نوايا الملك الحسنة في التوصل إلى حقائق ما يجري في بلاده ونشرها ، بما يقوّض إصرار قوى المعارضة على إعلان مظلوميتها وأتهامها للحكومة بعدم الإنصات لمطالبها ، ولكن ومع الجانب المعلن من ملاحظات اللجنة يمكن للمراقب أن يتساءل : هل نجحت خطة الملك في توظيف شخصية بارزة مثل الدكتور بسيوني لإمتصاص زخم النقمة الشعبية الشيعية في البحرين ضد الحكومة ورموزها وقوى الأمن فيها ؟ ولعل أجمل ما قرأت من تعليقات للإجابة عن هذا التساؤل تصريح أحد أعضاء اللجنة وهو السير نايجل رودلي والذي كان يعمل كمقرر لدى الأمم المتحدة حول التعذيب ، إلى مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية ، حيث قال" كل ما استطاعت اللجنة أن تفعله هو إقناع كل جانب بأن روايته للأحداث قد تم سماعها، مشبهاً الوضع بـ "حوار الطرشان".


إن الأوضاع في البحرين لا يمكن أن يحلها تقرير أو توصيات للجنة قد تكون توصياتها في يوم من الأيام سببا لتمسك الطرف الآخر بمظلوميته وهو ما بدت ملامحه تظهر في آفاق تصريحات المسؤوليين عن القوى والجمعيات الموجهة والقائدة لحملات المعارضة في البحرين ، كما كان على من وجّه اللجنة المستقلة في التحقيق أن يطلعها على الدور الإيراني في مجمل العمليات التي جرت في ميادين وحارات العاصمة البحرينية المنامة ولا يترك الأمر لمن يأتمرون بإمر إيران أن يثبتوا العكس لهذه اللجنة وعلى أقل تقدير كان يفترض أستبعاد هذه الفقرة ولو أعلاميا من تخصصات اللجنة أو من بيانها الختامي لإن في إعلان عدم الحصول على أدلة لتورط إيران فيما جرى شكل نصرا معنويا وسياسا لإتباعها سواء في البحرين أو في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية أو في العراق وبالطبع داخل المؤسسة الإيرانية ذاتها ، كما أفقد الحكومة مصداقيتها الإعلامية والأمنية في موضوع لصق تحركات قوى المعارضة في شعبها بالتدخل الإيراني وأحرج الملك ذاته عندما تطرق بسيوني في تقريره لهذا الأمر مما دعاه للإجابة بالقول " إن حكومة البحرين ليست في وضع يمكنها من تقديم أدلة على الصلات بين إيران، وأحداث معينة في بلدنا هذا العام " ! ولا أفهم الوضع الذي اشار له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والذي يمنعه من تقديم أدلة أعتقد أن الكثير من المراقبين يعرفونها حول التدخل الإيراني السافر في شؤون البحرين تحديدا ؟


قلت أن نوايا ملك البحرين الطيبة وربما نصائح أصدقاء البحرين ايضا، قادت لتشكيل مثل هكذا لجنة ، وكذلك جعل نتائجها علنية ، ولكني أستغرب أن تكون هذه النتائج بمجملها العام ضد قوى الأمن والمسؤولين عن إدارات ملفات الأمن والقضاء في البلاد ، وكأن من قام بالأعتصام في دوار الؤلؤة وسط العاصمة البحرينية المنامة وأساء التصرف تجاه الأموال والممتلكات العامة فيها وقطع الطرق المؤدية لها كانوا ملائكة ، ومن حمل السيوف وواجه قوات الأمن لم يكونوا من قوى المعارضة ، ومن طالب بإسقاط الحكومة على أساس طائفي جاؤوا من خارج البحرين ، ثم ألم يطلع الدكتور بسيوني على تصريحات المسؤولين الإيرانيين قبل وخلال وبعد أحداث فبراير ومارس الماضيين والتي تدافع عن شعارات ووسائل وممارسات قوى المعارضة البحرينية وكأنهم جزء مظلوم من الشعب الإيراني وليسوا قوى معترف بها وتمارس أدوارها السياسية والنيابية والأعلامية في البلاد بشكل طبيعي !


لقد سبق لي زيارة البحرين والمنامة تحديدا وقد لفت أنتباهي أن هناك أحياء فقيرة وسط العاصمة قال لي سائق سيارة الأجرة التي كنت أستقلها حينها : "إنها لإبناء الشيعة حيث يعيش أغلبهم حالة من الفقر والحرمان"، لم يكن طرحه بريئا بالطبع ومع ذلك قمت بالسؤال والتدقيق فيما أدعاه فعلمت من مصادر محايدة أن الشيعة في البحرين يمتلكون الكثير من مفاتيح الأقتصاد وتجارة السوق وكذلك قطاع الخدمات والقوى العاملة كما أن لهم غالبية في مجلس النواب تمكنهم من غقرار أو رفض اية تشريعات يمكن أن تشكل ظلما بحق ابناء طائفتهم ، لكنها عقدة المظلومية التي يعاني منها أبناء الطائفة الشيعية في كل مكان وتكرسها فيهم مرجعياتهم دائما وبكل الأحول حتى البقاء في هذه الأحياء مدبرا لإثبات هذه الحالة لدى أبناء الطائفة أولا ولدى من يزور مناطقهم ثانيا ، فهاهم في العراق يمتلكون جميع مقاليد الأمور منذ تسع سنوات وبحماية مطلقة من جانب قوات الأحتلال الأمريكي وبشراكة معلنة وغير معلنة مع إيران ، ولكن ، كيف هي صورتهم بعد كل هذا ، بكاء وعويل ولطم ومشي بإقدام حافية ، تلك هي عقدة دائمة فيهم ، المظلومية ، فإن تصور ملك البحرين أنه قادر على رفعها بتوصيات لجنة بسيوني فإنه قد لا يفلح بذلك أو أقول أنه لن يفلح بدا ، ربما يكون اللجوء إلى الرخاء والرفاهية عنصر رئيسي في تحويل أهتمامات المعارضين كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث نجحت في التعامل (منذ البداية) مع جميع ابناء شعبها بنفس الحقوق وذات الواجبات ورسمت معالم وحدود الحريات بما لا يترك مجالا لإحد أن يخرج عن سرب التطور الحضاري الأجتماعي للبلاد .


تقرير بسيوني المكوّن من خمسمائة صفحة ، كانت نتائجه تميل إلى تثبيت حقائق عن تجاوزات كثيرة للمعارضة البحرينية ، لكن أرتأت الجهات المعنية في مملكة البحرين أن يبّرز النتائج التي تدين قوى الأمن البحرينية وتبرّء الكثير من ممارسات من كانوا في قلب أحداث الشغب في البلاد ، ومن بينهم اطباء وقادة القوى السياسية المنّظمة للتظاهرات والأعتصامات، حتى ينبري ملك البحرين بعد إبداء ملاحظاته على التقرير إلى التعهد بتنفيذ التوصيات التي ذكرها، ظنا منه أن هذه العملية إنما تسحب البساط من تحت أقدام معارضيه وبالتالي تسقط حجج المظلومية عنهم وتزيد من مصداقية الحكومة سواء في الوعود أو الأحكام و حتى في الإعلام ، ربما يحدث هذا لبعض البسطاء من أبناء البحرين والذين يدينون بالولاء لها وطنا وملكا وحكومة ، ولكن على أغلب الظن أن الغالبية من المعارضة الشيعية في البحرين وهو أمر مؤكد لا تأخذ قراراتها أعتمادا على ما تقرره حكومة البحرين وإنما أمتثالا لما تأمر به مرجعياتها في النجف الأشرف وقم ، ولابد لي أن اسال ملك البحرين بعد أن تعهد بتنفيذ توصيات تقرير بسيوني : لو أن قادة المعارضة البحرينية دعوا اليوم إلى أعتصامات وتظاهرات شبيهة بتلك التي دعوا إليها في فبراير الماضي ، لو أن البحارنة عادوا ليحتلوا دوار اللؤلؤة ويغلقون الشوارع المرتبطة به ، ماذا ستفعل قوى الأمن حينها وقد أفقدتموها إيمانها بحرفية واجباتها تجاه كل من يخرج عن القانون ؟ كيف ستتعاملون مع من يستمد قوته وتشريعه وتحركاته من إيران ؟ إنها حقائق يجب أن توضع نصب الأعين ، فلم تكن الأحداث السابقة عرضية أو نتيجة ظلم الحكومة البحرينية ، إنها صراع إرادات وانتم تعرفون ، حان الوقت لتعرفوا كيف تتعاملون مع الواقع وكيف تستخدمون مفاتيح هذه اللعبة وهي في أيديكم كلها ، فإن القراءات المجتزأة ، هي التي تجعلكم تخطأون في أتخاذ القرار، ولعل دور إيران بتاريخها الطويل مع الأمة العربية معروف ، ولكن الأمة ومع الأسف الشديد تتعامل مع هذا الأمر بعين واحدة !

 

 





الخميس١٢ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. فارس الخطاب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة