شبكة ذي قار
عـاجـل










ثلاثة أتجاهات تحكم الموقف السياسي من عملية الانسحاب الامريكي من العراق. أولها يتمسك بيديه ببقائها عارضا عليهم الارض والاجواء والتمويل الى ما لانهاية ويمثل هذا الموقف الحزبين الكرديين. طرف ثاني يدعو بقلبه ليل نهار أن لاتغادر القوات الامريكية العراق، بعد نصيحة بعض دول الجوار العربي لهم بأن الاحتلال الامريكي هو أشرف لهم من الاحتلال الايراني، على الرغم من أن الحلفاء الامريكان وضعوهم تحت الطاولة عندما تفاهموا مع الايرانيين حول منصب رئيس الوزراء، ولم يعيروا لهم أية أهمية بالرغم من أن صناديق الاقتراع أعطتهم بعض التقدم على غيرهم، ويمثل هذا الطرف قائمة العراقية والحزب الاسلامي العراقي.


أما الطرف الثالث فقد توصل مع الضامن الايراني الى موقف الاصوات المتعددة داخل التكتل الواحد، والذي يجمع مابين الرافض جهرا والمتوسل سرا كل حسب الدور المرسوم له، وحسب جهة أرتباط هذا وذاك بالمؤسسات الايرانية الداعمـــة والممولة، وهذا الاتجاه العراقي دائما ما يغري الامريكان بالتعامل معه، لانه يفتح لهم دائما طريقا سالكة للوصول الى عقل وقلب كافة المؤسسات الايرانية السياسية والعسكرية والدينية، والتباحث معهم في الشأن العراقي والشؤون الاخرى المختلف عليها.


أمام هذه الحقيقة لن يتوقع أحد بأن صاحب القرار الامريكي سيجهد نفسه في البحث والتشاور مع الاخرين من أطراف العملية السياسية للتوصل الى حل موضوع التمديد أو الحصانة، وبالــــتالي فأن القـــرار في هذا الشأن بات أمريكيا وحسب، وأن كل مايثار من تصــريحات ويعلن من بيانات وأجتماعات عراقية بهذا الشأن، أنما هو مجرد غبار سياسي يثار في الساحة كي تمرر في ضوئه صفقات وتجمع من خلاله أوراق ضغط ومصالح بين الشركاء المحليين. لقد أتخذ الامريكان قرارهم في غزو العراق وأحتلاله كي يصبح العراق بلدا حليفا لهم في المنطقة، وهذا هو المعلن من قبلهم لغاية اليوم.


أي أن هدفهم ليس حكومة حليفة تتولى مقاليد السلطة فيه، بل وضع أمكانات العراق الجيوسياسية والاقتصادية وموارده البشرية والمادية في حلف ستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية الى مديات زمنية قادمة تعتمد على قدرة الولايات المتحدة على البقاء كقوة عظمى في العالم. أي الى مدى غير منظور في الوقت الحاضر. وهم يعرفون جيدا الفرق الشاسع بين حكومة حليفة وبلد حليف في السياسة الدولية. فالسلطة الحليفة يمكن أن تلتقي مع الاخرى في نفس الموقف من موضوع سياسي أو أمني أو أقتصادي وفي فترة زمنية محددة وتحت ظرف معلوم يمكن أن ينتهي فتنتفي فيه الحاجة لذلك الحلف.


لكن البلد الحليف يعني أن جميع أمكانات البلد تصبح في خدمة الاتجاهات الستراتيجية للبلد الاخر. فالدمى في العراق اليوم كُثر ويعملون بالوكالة لكل الدول وليس للولايات المتحدة الامريكية فقط، وبعضهم يمكن أن يُحسبوا على الاتجاهات الوطنية التي دخلت العملية السياسية بهدف التغيير كما يقولون، أن وضعنا حُسن الظن بالاخرين أمام أعيننا، لكن مالذي تغيير في البلد على مدى ثماني سنوات؟


لاشيء تماما لان النظرة الواقعية والعلمية الى البنى التحتية للعملية السياسية القائمة في العراق، والى بنية الاحزاب الفاعلة في الساحة اليوم، والى المؤسسات التشريعية والتنفيذية فيه، وأجهزته العسكرية والامنية، تشير تماما الى أن بنائها تم وفق متطلبات وضعية البلد الحليف وليس البلد الند القـــــادر على صناعة قراره المستقل.


وهذه هي المرحلة التي كان الامريكان يعملون على تثبيت ركائزها في العراق طوال السنوات الماضية من عمر الاحتلال، حتى باتت كما أشاع البعض ونظر لها سمة من سمات البنية العراقية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية المتدهورة والمتناقضة والمتعارضة والقاسية على نفسها وعلى الاخرين، بينما في حقيقة الامر هي بنية أحتلالية لاتعكس الواقع العراقي تماما.


وبذلك أصبح الامريكان اليوم غير أبهين بالتمديد من عدمه، لانهم أوصلوا العراق الى حالة البلد المحتل حتى لو لن تتواجد لهم فيه قوات في المستقبل، وهذا هو الطريق الافضل لهم من أستمرار عمليات الاستنزاف المادي والسياسي والاخلاقي التي تقع على كاهلهم أمام الرأي العام الامريكي والعالمي. أن الشرائح السياسية وبعض القوى الاقتصادية والاجتماعية العراقية باتت خلايا يقظة لتحقيق مصالح الاحتلال في العراق، وهي التي سترتدي الزي الرسمي للجيش الامريكي في حالة الانسحاب مدفوعة بمصالحها التي بنيت وترعرعت في ظل المحتل، وأرتبطت بوجوده ليس على الساحة المحلية فقط بل على صعيد الوجود الامريكي العام في المنطقة، كما أن تبادل المواقع والتخادم المستمر مابين حقل الخدمة الدبلوماسية الامريكية ونشاطات أجهزتها الاستخبارية والعسكرية، قادرعلى التعويض عن التواجد العسكري بصيغة القوات القتالية، فالسفارة الامريكية في بغداد التي وصفها الرئيس العراقي جلال الطالباني لدى أفتتاحها (بأنها صرح حضاري كبير في العراق!!) بما تحتويه من أكبر محطة مخابرات أمريكية في العالم، وكادر دبلوماسي يفوق تعداد فرقة عسكرية قتالية، ومئات المحطات الاستخبارية اللاشرعية بأغطية منظمات المجتمع المدني، ومنظمات أنسانية وثقافية وتعليمية، كلها وسائل فاعلة وقادرة على تعزيز سلطات الاحتلال.


وعلى الرغم من أن هنالك بعض الاصوات في الادارة الامريكية تطالب بعدم الرحيل وتتشبث بأستمرار التواجد العسكري، لكن مؤسسات القرار السياسي الاستراتيجي الامريكي وحليفتها في الكيان الصهيوني، باتت مطمئنة الى سلامة البناء الذي تم في العراق بما يجعله دولة مسلوبة الارادة معطلة القرار المستقل، خادمة للتوجهات الاستعمارية في المنطقة. وأذا كان البعض يتصور بأن موضوع منح الحصانة من عدمها سيؤثر على المصالح الامريكية ويعرقل التواجد الامريكي فهو واهم تماما، لان القوات التي يتطلب بقائها للتدريب كما يزعمون ستكون محمية من المسائلة أن تم منحها ذلك أو لم يتم، لان الامريكان هم الذين منحوا السلطة السياسية الحصانة من المسائلة منذ التاسع من نيسان/ابريل العام 2003 وحتى اليوم، وهم الذين يحمونهم بجهد أستخباري أمريكي خالص، وتحلق طائراتهم المسيرة بدون طيار فوق المنطقة الخضراء يوميا لتأمين دور ومكاتب المسؤولين العراقيين، ويوفرون الحماية الازمة لهم في رحلاتهم الخارجية، ويؤمنون الطريق للرئيس العراقي كلما غادر أو عاد من مقره في المنطقة الشمالية من العراق.


فكيف لايحمون جنودهم الذين يقومون بمهمة التدريب في العراق؟ وهل نسينا كيف حموا أحد الوزراء العراقيين المتهمين بسرقة المال العام وأقتحموا السجن الذي كان يتواجد فيه في المنطقة الخضراء، ثم نقلوه بطائرة الى خارج العراق لانه كان يحمل الجنسية الامريكية؟


أن الامريكان اليوم بحاجة الى أن تبقى أمكانات العراق في رحلهم الى ما لانهاية، وهم ليسوا بحاجة الى شخوص السلطة السياسية المتصدرين المشهد السياسي، فليأتي من يأتي وليرحل من يرحل لان زمام الامور بأيديهم، لكن الطبقة السياسية الحاكمة بحاجة الى الامريكان وليس الى الوطن. لذلك هم سيجتهدون وسيبحثون في أيجاد البدائل والتخريجات السياسية والقانونية الشافية لمعالجة التمديد والحصانة للقوات الامريكية بما يحقق مصالحهم على حساب الوطن. أما الاصوات التي ترتفع هنا وهناك مهددة (بقطع الاصبع حتى لو كان أمريكيا) أو بالعودة الى المقاومة المسلحة ورفع التجميد، فما عادت ذات شأن أو لها أذان تسمعها وهي مجرد ظاهرة صوتية تــــعاني من ضغط جماهيرها التي تقدمت عليها بالوعي والفعل ضد الحتل، كما أنهم يحاولون لملمة أطراف التيار الذي أنشقت منه أتجاهات كثيرة بعد أن تيقنوا من عدم صلاحية خطاب وأفعال زعيمهم، الذي تتناقض تصريحاته في كل يوم وساعة.


أن المقاومة الوطنية العراقية بكل فصائلها المسلحة والغير مسلحة الممثل الوحيد والشرعي للشعب العراقي، هي التي فرضت قرار الانسحاب الامريكي من المدن وجدولة الانسحاب الكامل من العراق، على طاولة الادارة الامريكية الحالية، وهي قادرة على التعامل مع مستجدات الوضع العراقي القادم بما يتلائم ومتطلبات المرحلة، ويقينا أنها ليست معنية بموضوع التمديد والحصانة، لان التمديد الابدي هو للارادة الوطنية على كامل التراب العراقي، والحصانة الوحيدة هي لشعب العراق فقط.

 

 

صحيفة القدس العربي اللندنية

 

 





الاربعاء٢١ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة