شبكة ذي قار
عـاجـل










ويمكرون ويمكر الله


حين وضعت امريكا مشروع تقسيم العراق في مقدمة اهدافها التي ينبغي تحقيقها، أخذت بنظر الاعتبار رد الفعل المحتمل والعنيف ضدها، لمعرفتها بمدى تمسك اهل العراق بوحدة بلدهم واستعدادهم للقتال من اجل الحفاظ عليها واسقاط كل محاولة للمساس بها، الامر الذي اجبرها على سلوك طرق مخادعة ومضللة تارة، كالتي عبرت عنها القرارات والقوانين والدساتير التي صدرت في عهد بول بريمر الحاكم المدني للعراق وخلفائه من بعده، ومنها اعتبار العراق دولة فيدرالية، او منح حق الاستقلال لكل محافظة، كما ورد في المادة 118 من "الدستور الدائم"، اي تقسيم العراق الى دويلات على عدد محافظاته، وليس الى ثلاث دويلات في الشمال والجنوب والوسط، وتارة اخرى غادرة وذات طابع دموي كالتي تمثلت في اثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية، لاحداث شرخ داخل المجتمع على امل ايصال العراقيين الى قناعة باستحالة التعايش فيما بينهم، ليجري الوصول الى ارغامهم على القبول بنظام الاقاليم المستقلة، وقد نجد نموذجا عنها في تفجير مرقدي الامامين الهادي والعسكري عليهما السلام في بدايات عام 2006 ، وما اعقبه من هدم وحرق الجوامع وقتل الابرياء على يد قوات بدر ومغاوير الداخلية وفرق الموت، وتوزيع جثثهم بعد تشوهيها على المناطق السنية والشيعية على حد سواء.


لكن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل الذريع، فلا هي نجحت في تقسيم العراق الى ثلاثة دول او اكثر، ولا هي حققت تقدما على طريقه يستحق الذكر، حيث تراجعت الدعوات عن اقامة اقليم الجنوب، او اقليم الفرات الاوسط او اقليم الثلاث محفاظات او اقليم البصرة المستقل، وكذلك فيما يخص اقليم الوسط. ولا يغير من هذه الحقيقة وجود اقليم في الشمال، فهذا موجود اصلا قبل الاحتلال بسنين عديدة كما هو معروف. ومن يومها ظل مشروع التقسيم يرواح بين مد وجزر تبعا لحالة قوات الاحتلال وتطور صراعها الدامي مع المقاومة العراقية، اي كلما اشتد ساعد المقاومة استحضرت امريكا هذا المشروع لتنفيذه قبل اوانه والعكس صحيح. وهذا ما يفسر تاجيل ملف التقسيم ووضعه فوق الرفوف العالية طيلة فترة تراجع المقاومة العراقية.


اليوم، ومع تصاعد عمليات المقاومة من جهة، وجراء المازق او المستنقع الذي وقعت فيه امريكا، وامام حاجتها الملحة لتحجيم قواتها العسكرية وتقليل نفقاتها المالية التي فاقت كل التوقعات، وازاء اصرار باراك اوباما على تحميل الحكومة مسؤولية الدفاع عن نفسها بالدرجة الاولى، وتمكينها من تنفيذ المهمات الموكلة لها لخدمة الاحتلال وتكريسه لعقود طويلة من الزمن من جهة اخرى، عاد مشروع تقسيم العراق الى الظهور، ويبدو ان الادارة الامريكية اختارت هذه المرة لتنفيذ هذه المهمة عدد من الماكرين المحترفين الذين دوخوا رؤوس الخلق بالحديث عن وحدة العراق وعروبته واستقلاله وسيادته الخ، وجمعتهم في خيمة واحدة ووزعت عليهم الواجبات وحددت لهم الاساليب والطرق، ثم دخلت بهم الانتخابات ليشكلوا قوة ذات وزن وتاثير، سواء داخل العملية السياسية او في الوسط الشعبي، ونقصد هنا الشلة المنضوية تحت راية القائمة العراقية بقياد اياد علاوي الصورية للتحرك في اليوم الموعود.


ضمن هذا السياق ينبغي تفسير التصريحات التي اطلقها اسامة النجيفي، رئيس ما يسمى بالبرلمان العراقي، من واشنطن، وفي حضرة الداعية الاول لتقسيم العراق جوزيف بايدن، حول اقامة اقليم للسنة في الانبار، والتي ردد صداها اكثر من اربعين عضو في القائمة في الاجتماع السري الذي عقد يوم الاحد قبل الماضي في منزل صالح المطلك. اما الحديث عن مظلومية السنة وحقوقهم المهضومة وتهميش دورهم، فهذه ليست سوى ذرائع واهية ورخيصة وتافهة لتبرير فعلتهم المشينة والمخجلة التي تدخل، حسب كل القيم والمباديء والاعراف، في خانة الخيانة الوطنية العظمى، فالعراق كله، وليس اهل السنة وحدهم، قد هضمت حقوقه وحقوق اهله وجرى تهميشهم جميعا لصالح المحتل وعملائه واتباعه ومريديه.


نحن اذن امام مواجهة مع صفحة كانت مطوية من مخطط الاحتلال، وهي قد لا تقتصر على تقسيم هذا البلد، وتمزيق وحدته الوطنية فحسب، وانما قد تدخل الشعب العراقي في حرب اهلية، سواء قبل التحرير او بعده، حيث دعاة الانفصال او التقسيم سيدافعون عن كياناتهم الجديدة ويقاتلون من اجل الحفاظ عليها وعلى المكتسبات الذاتية او الفئوية التي سيحصلون عليها، فمثل هذه الفرصة قد لا تتكرر مرة اخرى. نعم لا نجادل في رفض عموم الشعب تقسيم العراق باي شكل من الاشكال، ولا نشك في اللجوء الى استخدام كل الوسائل المتاحة لمحاربة هذا المشروع ومن يقف وراءه او يدعمه او يؤيده، حيث مشروع التقسيم يعد خروجا سافرا على المباديء والثوابت الوطنية المقدسة، وفي المقدمة منها وحدة العراق ارضا وشعبا.


لكن ذلك كله، على الرغم من اهميته وفاعليته، ليس كافيا لوقف هذه المؤامرة جراء الامكانات والقدرات الهائلة التي لم تزل في حوزة امريكا، ولما لها من هيمنة على دول المنطقة عموما التي ستكون عونا لها في تمرير مشروعها الغادر وخاصة على دول الجوار ذات الصلة، ودعك مما قيل سابقا وما جرى الترويج له من نظريات ومقولات حول مخاوف هذه الدول من تداعيات التقسيم وانعكاساتها الضارة عليها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر استغلال ايران للدويلة الشيعية التي ستقام في الجنوب كونها تفتح امامها الطريق للتمدد وتحقيق مزيد من النفوذ على حسابها، او ربما تهديد كياناتها، حيث بامكان امريكا الزام هذه الدول باتفاق امني يقوم على عقد المساومات وتقديم التنازلات المتبادلة، وتحريم استغلال الوضع الجديد وتداعياته، وما قد يترتب عليه من نتائج. بل الاكثر من ذلك فان هذه الدويلة الشيعية بالذات، اضافة الى الدويلات الاخرى، ستكون في خدمة السياسة الامريكية ومشاريعها في المنطقة وليس في خدمة السياسة الايرانية كما يتوهم البعض.


هنا لن اتطرق كما جرت العادة الى الحلول لمواجهة المصيبة القادمة، بصرف النظر عن وزنها او قيمتها ، تحسبا من التكرار الممل والمؤلم في نفس الوقت، بل اصبح الحديث عنها خداع للنفس وتضليل للذات واستخفاف بالعقول، لانها لم تجد نفعا، مثلما لم تجد نفعا الجهود المضنية التي بذلت والمخاطر التي رافقتها احيانا فيما يتعلق بوحدة فصائل المقاومة واقامة الجبهة الوطنية العريضة والشاملة، التي تعد الركيزة الاولى والاخيرة لدحر مثل هذه المشاريع ودحر الاحتلال ذاته، وانما ساتطرق هنا وبشكل مختصر جدا جدا الى مسؤولية البعض منا عن تلك المصيبة، لا من اجل الملامة او التشفي او تصفية الحسابات، وانما من اجل تصحيح مسارنا والاستفادة من الاخطاء التي جرى ارتكابها بالسر والعلن وخاصة ذات الصلة، والمتمثلة بتمكين القائمة العراقية من الفوز في الانتخابات بالمركز الاول، وتاهيلها للعب الدور المطلوب منها من قبل المحتل. يضاف الى ذلك صلة هذا الامر بالمرحلة المقبلة من الصراع، حيث ستكون مواجهة الاحتلال وفي ظل التقسيم، معقدة ومتشابكة وتفرض قيود جديدة تخص الحركة والامن والاتصالات والتنسيق فيما بين فصائل المقاومة، مثلما تخص الدعم والتاييد الشعبي، وبالتالي تؤثر على مجمل العمل المقاوم وخاصة المسلح منه.


ولكي لا نطيل اكثر، فان من بين الاسباب التي وقفت وراء الاخطاء التي رافقت مسيرتنا في ادارة الصراع مع المحتل وادواته، تنحصر في عملية الخلط التي جرت بين المفاهيم السياسية والمفاهيم الوطنية، بصرف النظر عن النوايا والدوافع، والتي ادت بدورها الى الخلط بين ما هو مسموح به هنا وما هو محرم هناك، سواء في الوسائل التكتيكية او ما يخص المباديء والثوابت الوطنية. ففي الوقت الذي يسمح به المفهوم السياسي، في ظل بلد مستقر وامن ومستقل وذا سيادة كاملة وخالي من العملاء والانفصاليين والطائفيين، بالتعامل بين الاطراف المختلفة في الراي والعقيدة والاسلوب، او العمل المشترك فيما بينها، او عقد تحالفات او مساومات، او بالمقابل اللعب على التناقضات واستغلال الخلافات بالوقوف الى هذا الجانب او ذاك الخ، فانه في المفهوم الوطني، وفي ظل بلد محتل وتعقيدات طائفية وعرقية وساحة تعج بالخونة والعملاء، اضافة الى الانتهازيين والوصوليين وتجار الحروب، ناهيك عن التدخلات الاقليمية والدولية، فلا يجوز اطلاقا سلوك ذات النهج وفق المفهوم السياسي. حيث هنا يتطلب التمسك بالثوابت الوطنية وعدم المساس بها او المساومة بشانها، اما فيما يتعلق بالمحتل وما نتج عنه من صيغ سياسية وغيرها، فيتوجب رفضها ومحاربتها والعمل على اسقاطها بكل الوسائل والسبل. وبما ان لكل مشروع او صيغة اصحابها ورموزها واتباعها ومريدها، فان بناء اي علاقة او اتصال او حديث معها او حتى القبول بالجلوس معها يعد جريمة وطنية، كونهم طابور خامس للمحتل ويستحقون العقاب الصارم الذي اقرته القوانين والاعراف السماوية والوضعية.


ان هذا الخلط هو الذي ادى، في المحصلة النهائية، الى ضياع بوصلة الطريق، واحدث خللا في التعامل مع العدو وعملائه واتباعه ومريديه، وشجع على الركض ورار الاوهام وسلوك طريق المساومات المذلة، وكذلك التساهل مع القوى والشخصيات التي تعاملت مع المحتل، بل واعادة انتاجها وتسويقها كشخصيات وطنية واعدة لمجرد موقف كاذب اتخذوه، او تصريح مزيف عن الوطن والوطنية قالوه، او مجرد ظهور خلاف بين تلك القوى حول الغنيمة والسرقة فحسبوه من اجل الوطن والوطنية، وخير دليل على ذلك تلك الهبة المفاجئة والمسعورة لمساندة اياد علاوي وقائمته العراقية واعتباره صاحب مشروع وطني او المخلص المنتظر او رجل المرحلة لمجرد رفعه شعارات كاذبة حول وحدة العراق وعروبته، او الحد من النفوذ الايراني او اطلاق سراح المعتقلين واعادة المفصولين الى اخر هذه الادعاءات الزائفة. اما الاسباب الاخرى والتي جرى الحديث عنها في مقالات سابقة واصبحت معروفة، فهي تلك التي نتجت عن تغليب بعض القوى الوطنية المناهضة للاحتلال والمحسوبة على معسكر المقاومة لمصالحها الذاتية والفئوية، او لمراعاتها مصالح بعض الدول على حساب مشروع التحرير، وبالتالي على حساب مصلحة العراق واهله.


ليس لدي ما اقوله اكثر، سوى اطلاق مناشدة الى كل مقاوم ضد الاحتلال، شخصا كان ام جماعة او حزب، بانه آن الاوان، للانضواء تحت خيمة المقاومة العراقية ورايتها الجهادية، باعتبارها الطريق الوحيد لتحرير العراق. ودونها فقد جفت الاقلام ورفعت الصحف.

 

 





الجمعة٠٧ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة