شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ فترة قصيرة بدأنا نطالع التعارضات والتناقضات بين شخوص الاحتلال في العملية السياسية الجارية في العراق حول قضية بقاء جزءٌ من القوات الأمريكية. إذ يسعى كل من رئيس حكومة الاحتلال الخامسة نوري المالكي والبرلمان بالتنصل عن تحمل المسؤولية الأولى في تمرير هذه القضية.


وإذا عدنا إلى تاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، نجد أن المالكي وزبانيته قد طبلوا وزمروا في التوقيع على المعاهدة الأمنية بين بغداد وواشنطن. بل أن المالكي نفسه أعتبر تلك الإتفاقية نصراً سياسياً قد حققه بمفرده عبر الدائرة المتلفزة المغلقة بينه وبين الرئيس الأمريكي الأخرق جورج بوش. حيث أن قوات الاحتلال الأمريكي ستخرج بنهاية 31-12-2011. حتى أن التطبيل والتزمير الإعلامي وصل للقول: أن المقاومة المسلحة أصبحت منتفية، ولا حاجة للإستمرار فيها. وبعد أقل من 18 شهراً، وجد المالكي وزبانيته أنفسهم في ورطة يلوذون بها نحو الآخرين.


لقد أكدنا وقتذاك، وما زلنا نؤكد، بأن شخوص الإحتلال في العراق إنما يستخفون بعقولهم، لا بعقولنا. وإنهم يضحكون على ذقونهم، لا على ذقوننا. فالمحتل الأمريكي، وفقاً لإستراتيجيته العالمية، قد وضع نصب عينيه تسعة قواعد عسكرية لن يسلمها للسلطات العراقية؛ من بينها خمسة قواعد هي بمثابة مُدن عسكرية، أنفقت عليها إدارة بوش ثلاثة مليار دولار. ناهيك بالكلام عن سفارة أمريكا في بغداد، فهي أكبر وأضخم سفارة على وجه الأرض، مساحتها أربعة أضعاف دولة الفاتيكان، كُلفتها وصلت إلى مليار دولار، ومليار دولار آخر نفقة موظفيها وحاجياتها السنوية.


أن هذه القواعد التسعة في العراق هي حلقة الوصل للقوة الجوية الأمريكية بين قواعدها في تركيا ودول الخليج العربي. وإذا ما نظرنا إلى أفغانستان والخروج الأمريكي المزعوم في عام 2014، فإن البيت الأبيض يريد الاحتفاظ بأربعة قواعد ثابتة له هناك. وهذا المنطق الإحتلالي يعني لنا أن مخطط المحافظون الجدد في عهد بوش مازال قائماً في عهد أوباما. حيث أن الإستراتيجية الأمريكية تهدف إلى السيطرة الفعلية على الشريط الكوني الإسلامي الممتد من غرب المحيط الهادي إلى شرق المحيط الأطلسي. والغايات التي يمكننا أن نستنتجها من هذه الإستراتيجية هي:


أ- التأثير الأمريكي المباشر جغرافياً على أي تقارب بين القوتين في الصين وروسيا.
ب- السيطرة المباشرة على منابع النفط، والتحكم بأسعاره دولياً، ومدى تأثير ذلك على القوى الصناعية اللانفطية، لاسيما اليابان وألمانيا.
ت- إستمرار ثقل الولابات المتحدة الأمريكية كونها القوة الأعظم في القرن الواحد والعشرين.
ث- تحجيم أية قوة عربية أو إسلامية تبغي الصعود الدولي ذاتياً، سياسياً أو أقتصادياً: تركيا، ماليزيا نموذجاً.


ولكن إذا عارضت بعض الأنظمة العربية مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي سعت إليه إدارة بوش، فإن المقاومة العراقية هي التي مزقت أوارقه على أرض الواقع، وأجبرت إدارة بوش على وضع جدول زمني رسمي لإنسحاب قواتها العسكرية من العراق. وبالتالي فإن الإلتفاف على هذا الإنسحاب يُعتبر أمراً متوقعاً طالما كانت الإستراتيجية الأمريكية قائمة بالسيطرة على الشريط الكوني الإسلامي.


بمعنى آخر، أن أمريكا لن تخرج من العراق بتلك الإتفاقيات المبرمة أو غيرها من الأحابيل والتضليل. وبما أن المقاومة الباسلة مازالت تجاهد وتذيق الاحتلال وأعوانه مرارة السّم الزعاف، لذا يمكن أن ينتقل الاحتلال الأمريكي إلى السيطرة غير المباشرة. وهذا الأمر لا ينقذ أمريكا من حركة ومنطق التاريخ بأن المحتل سائر نحو الزوال عبر الأبطال الذين يرومون تحقيق إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.


وإذا كان الجبروت الأمريكي قد فشل بفرض الحل العسكري، فإن النظام الصفوي الإيراني لن يتجرأ بالدخول إلى أرض الرافدين. فالمقاومة التي كبدت المحتل الأمريكي خسائر فادحة بشرياً ومادياً ومالياً وسياسياً ومعنوياً، فإنها ستزداد ضرواتها أكثر تجاه الذين يتسترون برداء الطائفية المقيتة والعنصرية البغيضة.


وعليه فإن النتيجة التي يمكن أن نصل إليها هي: أن المحتل الأمريكي لا يخرج إلا بمزيدٍ من الخسائر الجسام. وهذه تتطلب نقلة تطورية تصل إليها المقاومة العراقية عبر العمل الجبهوي الموحد لكي تمكنها من ضرب أهدافها بشكلٍ أقوى وأشدُ بأساً وضراوةً. وبما أن النظام الصفوي الإيراني لن يتجرأ بإرسال قواته داخل العراق، لذا فإنه سيستمر في دور الأفعى الرقطاء بالقتل والإغتيال ودس السّم هنا وهناك، رغم فشله الواضح في تمزيق نسيج المجتمع العراقي على أُسس طائفية.


وهكذا، فالمقاومة الوطنية المسلحة هي الحل الوحيد لمستقبل العراق. بيد أن هذا الحل قد يتقدم أو يتأخر تبعاً إلى أبطال الميدان الذين يواجهون الموت يومياً فداءً إلى العرض والدين والوطن. أعني كلما كانت هناك رؤية جبهوية واحدة، كلما أقترب إنجاز هذا الحل.

 

 





السبت١٦ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة