شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد مرور ثمان سنوات على الاحتلال ، وبعد افتضاح اهداف المحتل ومخططاته العدوانية، وبعد كل الوقائع والادلة التي اكدت على اصرار الامريكان على مواصلة الاحتلال وتكريسه الى امد غير منظور، يصبح من المعيب جدا النقاش، او التفكير بانسحاب قوات الاحتلال من العراق نهائيا في نهاية هذا العام ، لمجرد وجود مادة في اتفاقية العارالامنية تنص على ذلك. ويخطيء من يظن بان تلك الاتفاقية التي حققت مكاسب كبيرة للمحتل وجعلت من العراق مستعمرة امريكية بامتياز، كافية للهيمنة المطلقة على العراق دون الحاجة لوجود قوات امريكية. فامريكا تميز، او تفرق كثيرا بين ادارة شؤون العراق عن بعد، او عبر مثل هذه الاتفاقيات وغيرها، وبين ادارته عبر حضور عسكري وسياسي مباشر. اما الحديث الذي روجه الامريكان حول ربط استمرار وجودهم في العراق بموافقة البرلمان، فهو ليس سوى محاولة بائسة لذر الرماد في العيون، حيث الامريكان اكثر علما من غيرهم بمدى حرص قوم لوط الذين يحكمون العراق على بقاء قوات الاحتلال الى ما لانهاية. اذ من دون ذلك لن يتمكنوا من الدفاع عن انفسهم بوجه المقاومة الباسلة ايام معدودات. ودعك من التصريحات التي تطلقها هذه الجهة او تلك برفض التمديد، بما فيها التيار الصدري، الذي هدد باللجوء الى المقاومة المسلحة اذا لم تنسحب قوات الاحتلال في موعدها المحدد.


ضمن هذه الرؤيا لا نشك اطلاقا باقدام مجلس "النواب" على توقيع اتفاق جديد في القريب العاجل يقضي ببقاء قوات الاحتلال فترة زمنية اخرى، وبالحجم الذي تقرره وزارة الدفاع الامريكية. ولذلك لم نفاجيء بانقلاب مواقف قوم لوط المفتعلة تجاه الانسحاب المزعوم، ففي الوقت الذي اكد فيه نوري المالكي على تمسكه بانسحاب القوات الامريكية في موعدها المحدد وتباهى بقدرة حكومته على ادارة شؤون العراق والدفاع عنه ضد العدوان الخارجي، ومن ان العراق اصبح اكثر امنا واستقرارا من باقي دول المنطقة بفضل "تطور كفاءة قواته المسلحة واجهزته الامنية"، عاد بعد زيارة وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس، واصدار امره للمالكي بتقديم طلب لتمديد فترة تواجد القوات لسنين اخرى، عاد ليقول بان العراق غير مستقر وغير امن وان اجهزته الامنية ضعيفة ومخترقة وقواته المسلحة غير مؤهلة للدفاع عن العراق من دون مساعدة القوات الامريكية الصديقة. ولم يكن السفير الامريكي وقائد قوات الاحتلال خارج هذا المشهد التافه، حيث اعترف كليهما بتصاعد عمليات المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال في الاونة الاخيرة، خلافا لما جرت عليه العادة من نكران هذه الحقيقة طيلة سنين الاحتلال، لينتهيا الى القول بضرورة البقاء سنين اخرى. هنا تكمن الحقيقة، او هنا بيت القصيد ومربط الفرس كما يقال.


دعونا من معسكر الاحتلال واكاذيبه ومسرحياته المملة، فالمحتل لم يفكر يوما بالانسحاب من العراق، لا في عهد جورج بوش الابن الذي راجت في عهده استراتيجية الخروج، ولا في عهد خلفه باراك اوباما الذي تحدث عن انسحاب مسؤول او انسحاب استراتيجي او مشرف ، وما حدث من انسحاب قوات الاحتلال من المدن العراقية قبل حوالي عامين لم يكن، كما تخيل البعض، خطوة على طريق الانسحاب النهائي، وانما كان، بالمعنى العسكري، اعادة انتشار للقوات المحتلة خارج المدن وتموضعها في قواعد عسكرية داخل البلاد، لتقليل حجم الخسائر المادية والبشرية جراء ضربات المقاومة العراقية. اما القواعد العسكرية التي زاد عددها عن الخمسين قاعدة و145 موقع عسكري، اضافة الى الشركات الامنية، التي تعادل قوتها من حيث القدرة التسليحية والقتالية قوات الاحتلال النظامية ذاتها، فاننا لم نسمع عنها شيئا لا تلميحا ولا تصريحا سوى كلمات مدغومة وغير مفهومة، او جمل قابلة للتفسير والتاويل كل حسب هواه.


اذا حدث ذلك، بصرف النظر عن حجم القوات الباقية وفترة وجودها، هل سيؤثر ذلك على مجرى الصراع الدائر بين قوات الاحتلال والمقاومة العراقية، واي فريق سيستفاد اكثر من الاخر؟


يقال في الامثال "رب ضارة نافعة"، فعلى الرغم من الاضرار التي ستلحق بالمقاومة جراء التمديد لاسباب عديده ومعروفة، فانه سيكون، في نفس الوقت نافعا لها، او هكذا يفترض، كونه سيحسم العديد من المسائل الخلافية التي اثقلت كاهل المقاومة وفرقت كلمتها ودفعت بعض القوى لسلوك طرق المساومات المذلة. ومن بين هذه المسائل التعويل على انهاء الاحتلال سلميا، او من من خلال الاشتراك بالعملية السياسية، او التعامل مع اطراف منها، بل وذهب البعض اكثر من ذلك ودخل في مشاريع ما سمي بالمصالحة الوطنية مع حكومة الاحتلال. في حين سيزيل اصرار الامريكان على البقاء رغم المكاسب التي حققتها لهم الاتفاقية الامنية كل هذه المراهنات والاوهام من عقول هذه القوى، ومن عقول عموم العراقيين الذي جرى خداعهم بهذا التوجه ، الامر الذي سيعزز في نهاية المطاف الثقة بخيار المقاومة المسلحة ويزيد من حجم الالتفاف حولها ويصاعد من عملياتها العسكرية اكثر فاكثر.


ومن بينها ايضا، افتضاح امر باراك اوباما الذي وصف بالمنقذ الذي سيخلص العراق من الاحتلال ويعيده الى اهله، فلقد اثبت الرجل بانه الوجه الاخر لسلفه جورج بوش الابن، وان حزبه الديمقراطي لا يختلف عن الحزب الجمهوري سوى بالاسم. حيث مسالة مشروع الاحتلال تشكل القاسم المشترك الاعظم بين الحزبين، وان الخلاف الذي ظهر بينهما في فترات سابقة لاتخص المشروع ذاته، وانما تخص طريقة والية اداراته. اما الانسحاب فهو خط احمر لكلا الرئيسين السابق واللاحق، حيث يعد ذلك، بالنسبة لاي منهما، هزيمة منكرة مهما جرى تزويقها بكلمات من قبيل انسحاب مشرف او مسؤول او استراتيجي الخ. وهذا ليس غريبا حيث الادارة الامريكية بمجموعها تعتبر العراق والهيمنة عليه بمثابة حجر الزاوية التي يرتكن اليه مشروع بناء الامبراطورية الكونية التي ينتهي التاريخ عند ابوابها، وهذا كله سيؤدي الى اعادة النظر بالتعامل مع المحتل والتخلي عن الاوهام والدخول في مساومات مذلة تحت ذريعة انهاء الاحتلال سلميا.


اما المسالة الاخرى فتخص النصابين والانتهازيين من فرسان المقاومة السياسية من داخل قبة البرلمان، وكذلك الذين روجوا لبعض سماسرة الاحتلال وقدموا لهم الدعم والاسناد لتمكينهم من الفوز في الانتخابات الاخيرة ليكونوا عونا للمقاومة في مشروعها التحرري، او على الاقل الوقوف في وجه المد الايراني والحد من نفوذه داخل العراق، من امثال اياد علاوي وصالح المطلك ومن لف لفهم. فحين سيوقع هؤلاء قريبا على تمديد بقاء قوات الاحتلال، فانهم سيثبتون عمالتهم للمحتل اكثر من اي وقت مضى، وانهم جزء لا يتجزا من العملية السياسية، وهذا بدوره سيشجع جميع القوى المناهضة للاحتلال والتي فقدت طريقها على العودة الى جادة الصواب والانتظام في صفوف المقاومة بكل اشكالها ورايتها، وعدم الفصل بينها، فالمقاومة واحدة وان تعددت راياتها. بمعنى اخر، فان الجميع سيغلق ملف الانسحاب بطريقة الاستجداء وشطبه من جدول الاحتمالات، او السناريوهات، وبعكس ذلك فان مصير اية جهة او حزب يصر على ذات النهج، سيتم عزله من قبل الناس ونبذه ومعاقبته.


واخيرا وليس اخرا، وهذا هو الاهم ويخص معسكر المقاومة ذاته، وخاصة المسلحة، حيث اصرار المحتل على البقاء في العراق سيفرض على المقاومة اعادة النظر في تقييم عدوها من حيث قوته وطريقة عمله والية ادارته للصراع بوسائل مختلفة، وبالتالي التخلي عن نظرة الاستهانة والاستخفاف به، او الاعتقاد بانهيار قوته الى الدرجة التي اخذ معها يبحث عن خروج مسؤول او هزيمة مشرفة، وهذا لا يقلل من اهمية الانتصارات العظيمة التي حققتها المقاومة ضد قوات الاحتلال. وهذا امر مهم جدا جدا، لان معرفة العدو وتشخيص قوته وتحديد اهدافه يشكل نصف الانتصار، فعلم المقاومة بعدوها يعرفها كيف تدافع، وعلمها بنفسها يعرفها كيف تهاجم، وعلمها بنفسها وعدوها يعلمها كيف تجر العدو الى ارض القتل وتجبره على الدخول في مواجهة معها وجها لوجه، لا ان تتركه يستريح في قواعده ويلتقط انفاسه ويحكم البلاد عقود طويلة من الزمن، كما حكمت بريطانيا العراق من قاعدتين جويتين بائسيتين اكثر من اربعين عاما.


باختصار شديد جدا ان التاريخ لم يقدم لنا مثلا عن محتل انسحب طواعية، لمجرد مطالبته بذلك، وانما يلجا المحتل الى الانسحاب، اذا لم تتمكن قواته المحتلة من الصمود امام المقاومة، او ان الاهداف التي جاء من اجل تحقيقها لم تعد تساوي التضحيات التي تقدم على هذا الطريق، وهنا لابد من الاشارة الى ان المحتل رغم كل المازق الذي يعاني منه لم يصل بعد الى الحد الذي يدعوه الى الرحيل وفق شروط المقاومة المعروفة، وفي مقدمتها الانسحاب دون قيد او شرط. وهذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها لانها لا تعيب ابد. فالمعركة مع محتل من هذا الوزن هي معركة طويلة الامد بالضرورة، وبالتالي فانه لا يزال امام المقاومة العراقية معارك وصولات وجولات وذات طابع دموي لم تشهدها حروب التحرير من قبل.


لقد آن الاوان لان تعرف المقاومة نفسها، وتعرف اكثر عدوها، وتسارع لانجاز وحدتها، التي تاخر انجازها كثيرا، واقامة جبهتها الوطنية الشاملة لتحقيق الانتصار وتحرير البلاد والعباد.


لقد صدق من قال لا يفل الحديد الا الحديد.

 

 





السبت٠٩ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة