شبكة ذي قار
عـاجـل










حين وصف العراقيون نوري المالكي وحكومته ونوابه في ساحة التحرير باهزوجة شعبية تقول "المالكي ونوابه .. حرامية وكذابة"، لم يجانبوا الحقيقة ولا تجنوا على احد. وفي الاونة الاخيرة، وتحديدا بعد الانتفاضة الشعبية، تمادى المالكي وحكومته كثيرا في هذا المجال، فما كدنا ننتهي من كذبته عن تخلي بعض فصائل المقاومة "الفاعلة والمؤثرة" عن السلاح والانضمام للعملية السياسية، حتى خرج علينا بواحدة اخرى ومن العيار الثقيل هذه المرة، جاعلا من نفسه بطلا وطنيا مقاوما ضد الاحتلال لا يشق له غبار، حتى خيل لنا، لبرهة من الزمن، بان هذا المالكي هو الرجل الذي ادخره القدر ليحرر العراق ونحن جميعا نيام.


نقصد هنا التصريح الذي ادلى به الناطق الرسمي باسم الحكومة المدعو علي الدباغ، قبل عدة ايام، والاهداف المتوخاة منه والذي قال فيه، إن "رئيس الوزراء نوري المالكي أبلغ وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بأن "الحكومة العراقية لا تريد أن ترى أي وجود أميركي أو أجنبي على الأراضي العراقية". هذا التصريح وبهذه الكلمات الحادة اراد منه المالكي الظهور بمظهر المعارض لقرار امريكا بتمديد بقاء قواتها المحتلة في العراق وبالحجم الذي تريده وفي الامكان التي تحددها الى ما بعد هذا العام ولسنين طويلة حسب وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس الذي زار العراق في هذه الفترة من اجل تبليغ الحكومة بهذا القرار وليس مناقشته معها. ودعك من عبارات جبر الخواطر من قبيل اذا طلب العراقيون منا ذلك او بقاء القوات ىمرهون بموافقة الحكومة العراقية فهذه جزء من المسرحية التي يعاد عرضها في مناسبات كهذه على امل اقناع العراقيين بوطنية الحكومة وباستقلاليتها الى اخر هذه الترهات. وهذا يعيد الى الاذهان نفس الموقف الذي اتخذه المالكي تجاه الاتفاقية الامنية المشؤومة، لينتهي بعدها بايام معدودات الى التوقيع عليها بالقلم، ويبصم عليها باصابعه العشرة.


ان تجد هذه الكذبة اذان صاغية من قبل حزبه واتباعه ويجري الترويج لها بين الناس، فهذا يمكن فهمه ببساطة شديدة، لان قوم ابي رغال والعلقمي ياملوا من وراء ذلك تلميع صورة المالكي الكالحة، وكسب التاييد الشعبي له، حيث مطلب رحيل الاحتلال له سحر وجاذبية على العراقيين الذين يتطلعون لانهاء الاحتلال قبل تطلعهم الى المطالب الحياتية من ماء وكهرباء ودواء الخ، لكن ان تصدق هذه الكذبة من قبل عراقيين يحسبون انفسهم معادين للاحتلال، او التظاهر بتصديقها، او مناقشتها على انها حقيقة وليست كذبة، لغايات في نفوسهم تخص المنصب والجاه، فهذا يعد نوع من الانتهازية والوصولية في احسن الاحوال، وبالتالي يحتاج هذا الامر الى كشف زيف ادعاءات المالكي واكاذيبه، تحسبا من اختلاط الحابل بالنابل، الامر الذي قد يولد حالة من الارتباك في صفوف الناس بين مصدق ومكذب.


لندع المالكي يمارس هوايته المفضلة وبالطريقة التي يختار ويكذب متى يشاء، وندع معه قوم لوط يعيشون اوهام السلطة والجاه، كون المالكي يصر على توزيع المكاسب على اصحابه وليس على الغرباء عنه مهما توددوا له، ونتمسك بالحقائق لانها الفيصل في تحديد مصداقية المالكي من عدمها من خلال تحديد موقعه ومكانته هو وحكومته وبرلمانه لدى المحتل، وكيف ينظر اليهم، والطريقة التي يتعامل بها معهم، وتقييمه لهم كادوات بيده ويعملون تحت امرته، وينفذون اوامره ويخدمون اهدافه، لنتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، بدل ان يكون الفيصل الدخول في سجل المالكي وحكومته المليء بمثل هذه الاكاذيب واعتبارها دليل على ادانته، تجنبا للدخول في نقاشات غير مجدية. يضاف الى ذلك ما تمنحنا هذه الحقائق من قوة ايضا في دحض اي تصور او تفكير من قبل اي جهة كانت بامكانية انسحاب قوات الاحتلال طواعية، لا دفعة واحدة ولا وفق جدول زمني.


دعونا اذن نرى من خلال ملامسة هذه الحقائق العنيدة الواحدة تلو الاخرى. فالاولى تخص المحتل في كل مكان وزمان، حيث هناك عدد من الاشكال التي يعتمدها هذا المحتل تجاه البلد الذي احتله ومنها، الحكم المباشر، اما عبر حاكم عسكري او مدني او مندوب سامي، لكنه سرعان ما يلجأ الى شكل اخر اذا واجه مقاومة فعالة او ثورة او انتفاضة، مثل تنصيب حكومة محلية، ثم يجري تسويقها على انها حكومة وطنية وذات استقلالية كاملة، وهي في حقيقتها اداة بيده وتعمل تحت اشرافه وتنفذ اوامره وتخدم اهدافه. هكذا فعل المحتل البريطاني في العراق بعد ثورة العشرين المجيدة، حيث شكل حكومة برئاسة عبد الرحمن النقيب، ثم تلتها حكومات اخرى، وهكذا ايضا فعل المحتل الامريكي، بسبب المقاومة المقاومة الباسلة، فاستبدل الحاكم المدني بول بريمر بمجلس حكم، ثم تلته حكومة اياد علاوي، ثم تلتها حكومات اخرى. ولم يحدث قط ان تمردت حكومة من هذا النوع على سيدها، أو فرضت شروط عليه او طلبت رحيله من اجل عيونها. خصوصا اذا كان المحتل من وزن امريكا، قويا وذا جبروت، وكان اعضاء الحكومة من طينة البشر الذي وصفهم بريمر نفسه في وصاياه العشرة الى خلفه جون نغروبونتي بالقول،" اياك ان تثق بأي من هؤلاء الذين أويناهم واطعمناهم نصفهم كذابون والنصف الاخر لصوص".


والحقيقة الثانية تشير الى حقائق القوة التي تفرض نفسها على العلاقة بين العراق وامريكا، وهي علاقة بين بلد محتل واخر واقع تحت الاحتلال، يضاف الى ذلك ان المحتل يمتلك على ارض العراق عشرات الالوف من الجنود والة عسكرية عملاقة وخمسين قاعدة عسكرية منتشرة في طول البلاد وعرضها واكثر منها مواقع عسكرية للربط فيما بينها وسيطرة كاملة على الاجواء والمياه الإقليمية وشركات تدير عمليات الاستثمار وهيمنة مطلقة على النفط والغاز والثروة وتواجد دائم لقوات الاحتلال بصلاحيات مفتوحة وشركات امنية الخ. في مقابل حكومة وبرلمان تابع للاحتلال، ومنقسم على نفسه ويتقاتل اعضائه على المناصب وسرقة المال العام وينهش كل منهم لحم الاخر ومنبوذين من قبل الشعب، لكن الشيء الوحيد الذي يجمعهم وبالدليل القاطع الرغبة الجامحة في بقاء الاحتلال اطول فترة ممكنة، بل يطير صوابهم كلما طرق سمعهم كلمة انسحاب حتى لو كان مجدول على مدى مئة عام.


اما الثالثة فهي تخص اهداف امريكا في العراق، وهي باختصار شديد لا تقتصر على العراق والسيطرة عليه وعلى ثرواته او نفطه او حماية الكيان الصهيوني من خطره فحسب، وانما تتعداه لان يكون العراق المحتل الحلقة المركزية في بناء الامبراطورية الامريكية الكونية التي تحكم العالم حتى نهاية التاريخ، وبالتالي فان انسحابها من العراق طواعية يعد نكتة سمجة، كونه يعد هزيمة منكرة مهما اضفت عليها من اوصاف، ومهما بررتها باسباب، سواء كانت معقولة او غير معقولة. وهذا ما يفسر اصرار امريكا على البقاء في العراق ورفض الانسحاب او التفكير به رغم الخسائر المادية والبشرية الكبيرة التي تكبدتها جراء المقاومة العراقية، ولم تزل مستعدة لتقديم خسائر اكبر تفوق خسائرها الحالية اضعاف مضاعفة، على امل انهاء المقاومة وتصفيتها.


الحقيقة الرابعة هوان التاريخ لم يقدم لنا مثلا عن محتل انسحب طواعية لمجرد مطالبة حكومة البلد المحتل بذلك،وانما يلجا المحتل الى الانسحاب اذا لم تتمكن قواته المحتلة من الصمود امام المقاومة او ان الاهداف التي جاء من اجل تحقيقها لم تعد تساوي التضحيات التي تقدم على هذا الطريق، وهنا لابد من الاشارة الى ان المحتل رغم كل المازق الذي يعاني منه لم يصل بعد الى هذا الحد وما يشيعه البعض بان المحتل سياخذ عصاه ويرحل على وجه السرعة او على دفعات ويسارع الى استجداء مكان له او منصب من المالكي فانه يحلم في عز النهار.


دعونا نغير الاتجاه قليلا ونمسك بالاتفاقية الامنية وفيما اذا كانت ملزمة لامريكا بالانسحاب في نهاية هذا العام ام لا ، فاتفاقية الذل والعار لا تحاكم على اساس التعامل مع موادها منفصلة عن بعضها، وانما هي كل لا يتجزأ، فالمادة ذات الصلة والتي نصت على "وجوب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي والمياه والأجواء العراقية في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول من العام القادم 2011،". ارتبط تنفيذها بمواد اخرى قد يتطلب الوصول اليها عقود طويلة من الزمن منها ان يصبح العراق قادر على الدفاع عن نفسه ضد الاخطار الداخلية والخارجية وان يتحسن الوضع الامني ويسود الاستقرار الخ، ترى كم سنة يحتاج الجيش العراقي ليبلغ على سبيل المثال لا الحصر من القوة العسكرية بما تعادل او تفوق، قوة ايران النووية وتركيا الاطلسية ليتمكن العراق من الدفاع عن نفسه. خصوصا وان امر تاسيس مثل هذا الجيش وتسليحه سيكون بيد المحتل وليس بيد الحكومة. اما البند الاخر المتعلق بربط الانسحاب بتحسن الوضع الامني فحدث عنه ولا حرج في ظل فرق الموت ومغاوير الداخلية وجيش المهدي وفيلق القدس الايراني والمليشيات المسلحة والبيشمركة الكردية الخ. ناهيك عن قدرة امريكا بتوظيف هذه المليشيات او غيرها بتفجير الوضع الامني متى تشاء.


لقد كان العراق هدفا للولايات المتحدة الأمريكية منذ آن كان جزءا من الإمبراطورية العثمانية. ولتحقيق هذا الهدف بذلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، جهودا حثيثة لدى الباب العالي، للاستحواذ على العراق بشتى الوسائل. وفعلا نجحت تلك الجهود وحصلت أمريكا على امتيازات للتنقيب على النفط في جميع أنحاء العراق. لكن الانقلاب الكمالي افسد كل هذه المحاولات.لتتحول هذه الجهود لاحقا آلي ضغوط وتهديدات على بريطانيا بعد احتلالها للعراق عام 1917.أثمرت عن انتزاع حصة من نفط العراق مساوية لحصة بريطانيا و فرنسا تماما. ولم تكتف أمريكا بذلك، وانما أرادت السيطرة التامة على العراق .فراحت تعزز علاقاتها تدريجيا ب (نوري السعيد) الرجل القوي في العراق والموالي للسياسة البريطانية وكذلك ولي العهد (عبد الإله) بواسطة القنصل الأمريكي ببغداد لينتهي الآمر آلي تسليم بريطانيا بالآمر الواقع بعد حرب السويس عام 1956 وترك العراق كليا الى أمريكا والقبول بدور المستشار السياسي لا غير، لكنها سرعان ما فقدت السيطرة عليه بعد ثورة 14 تموز المجيدة لتحاول العودة من الشباك بعد خروجها من الباب كما يقال وجراء عجزها عن تحقيق ذلك في عهد الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين قامت باحتلال العراق.


ترى هل ستترك امريكا العراق طواعية ولاي سبب كان، ام انها ستتركه جراء ضربات المقاومة العراقية الباسلة ؟

 

 





الخميس١٠ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة