شبكة ذي قار
عـاجـل










يبدو ان العميل المزدوج نوري المالكي ، المسمى رئيس وزراء العراق ، قد قرر عبر احد اعضاء حكومته ، عرض مسرحية المصالحة الوطنية مرة اخرى امام الناس ، على الرغم من الفشل الذريع الذي تعرضت له مثيلاتها طيلة السنين الماضية. فقبل عدة ايام اعلن احد جلاوزته المدعو عامر الخزاعي المسمى وزيرا للدولة لشؤون المصالحة الوطنية ، عن تخلي ستة فصائل مسلحة عن السلاح وانضمامها لعملية المحتل السياسية ، ولم يأت على ذكر اسمائها او هويته ، واكتفى بوصفها بـ "المؤثرة والفاعلة في الساحة العراقية" ، واضاف ، "بان العمل مستمر مع بقية الفصائل المسلحة ، باستثناء تلك التي تورطت ، حسب تعبيره ، بالدم العراقي وارتكاب الجرائم". ويوم اول امس أكد المذكور في مؤتمر صحفي عقده داخل مقر رئاسة الوزراء في بغداد ، إن "الوزارة عقدت عدة لقاءات مع الفصائل المسلحة والتي سبقتها لقاءات سرية مع رؤوس العاملين ميدانياً في هذه الفصائل" ، مبيناً أن "هناك اجتماع حضره نحو 80 شخصاً وكان كل واحد من هؤلاء تحت أمرته عدد من الأفراد". ولاستكمال فصول هذه المسرحية واضفاء هالة عليها وتضخيمها والايحاء بقرب نهاية المقاومة ، تبرع العديد من عتاولة العملية السياسية وعملاء الاحتلال بتصريحات مؤيدة لهذا التوجه ، امثال مسعود البرزاني وجلال الطالباني وصالح المطلك والعميل الدولي المحترف اياد علاوي ، وحتى طفل الحوزة المدلل مقتدى الصدر الذي دان الخطوة واعتبرها خيانة للعملية السياسية ، فلا يستبعد ان يكون تصريحه هذا جزء من اخراج هذه المسرحية البائسة. ناهيك عن قيام اجهزة اعلام حكومية وعربية بالترويج لهذه الخطوة ووصفها على انها البداية لاجراء مصالحة مع كل العراقيين ، بما فيهم المنتمين لتنظيم القاعدة حسب تصريحات الخزعلي.


ليس غريبا او مستغربا لجوء حكومة المالكي العميلة الى استحضار شعار المصالحة الوطنية في هذا الوقت بالذات ، فلقد فعلت الحكومات السابقة ، بما فيها حكومته الاولى ، نفس الشيء ، ظنا منهم بان هذا الشعار سيمحو الذنوب لما لهذه الكلمة من تاثير على الناس. ولا يجد المتابع لهذا التوجه صعوبة في الوقوف على الاسباب التي تدفع هؤلاء للقيام بهذا الفعل ، على الرغم من كونه يشكل اعترافا صريحا بالمقاومة العراقية ، التي كانوا يصفونها قبل هذا التاريخ بالجماعات الارهابية التي يتوجب القضاء عليها. ولكي لا نطيل اكثر ، فان هذه الحكومات تلجا الى هذه المسرحية البائسة كلما ألمت بواحدة منها مصيبة ، او تمادت اكثر في ارتكاب الجرائم ضد الناس ، او افتصح امر فسادها وسرقاته ، او كلما اصاب عملية المحتل السياسية الانقسامات الى الدرجة التي تنذر بسقوطها.


على سبيل المثال لا الحصر ، فقد اعلنت حكومة اياد علاوي في نهاية عام 2004 عن مفاوضات جرت بينها وبين بعض الفصائل المسلحة والتوصل الى اتفاق معها للعمل من داخل العملية السياسية ، بهدف امتصاص نقمة الناس على حكومته جراء اشتراكها في الهجوم الوحشي الذي قامت به قوات الاحتلال على مدينة الفلوجة ، وهدم البيوت على رؤوس ساكينه ، واستخدام الاسلحة المحرمة دولي ، ضد مقاتليها الابطال ، مثل الفسفور الابيض. وفي نهايات عام 2005 فعلت حكومة ابراهيم الجعفري نفس الشيء ، للتستر على الفتنة الطائفية التي اشعل نيرانها باوامر ايرانية ، والظهور بمظهر الحريص على الوحدة الوطنية. وفي منتصف عام 2006 تحدثت حكومة المالكي الاولى عن مشروع للمصالحة والحوار مع بعض الفصائل المسلحة على امل الحد من اتساع التاييد الشعبي للمقاومة المسلحة. وفي فترة لاحقة ، وجراء الفشل المتواصل لهذه المسرحيات اختير جلال الطالباني للقيام بهذه المهمة وانجاحها لما يتمتع به من دهاء في هذا المجال ، وخاصة فيما يتعلق بفبركة احزاب وتنظيمات سياسية وهمية ، او صنعها من قبل عناصر مغمورة ليستخدمها كواجهات تخدم مثل هذه الاغراض الدنيئة ، فاعلن في مؤتمر صحفي عن وجود مفاوضات بين الحكومة وعدد كبير من فصائل المقاومة والتي ستنتهي ، كما قال حينه ، الى موافقة هذه الفصائل على القاء السلاح والانخراط في العملية السياسية.
اذا كان ذلك صحيح ، فان هذا المالكي بحاجة اكثر من غيره من رؤساء الحكومات السابقة لاستخدام هذه الوصفة "السحرية" في هذا الوقت بالذات. فبالاضافة الى الازمة الخانقة التي تعاني منها حكومته منذ تشكيله ، جراء الانقاسمات الحادة التي تسود داخلها بسبب المحاصصة الطائفية التي تحكمه ، والتي وصلت حد القتال بين اركانها حول المناصب المهمة في دولة الاحتلال ، تاتي الانتفاضة الشعبية التي قام ويقوم بها الشعب العراقي منذ اكثر من شهر ، والتي استهدفت بالاساس المالكي وحكومته العميلة على وجه الخصوص ، ووصفته بالكذاب ووصفت اعضاء حكومته وبرلمانه المزور بالحرامية والفاسدين وطالبت باسقاطه ، بل رفضت هذه الانتفاضة منحه فرصة المئة يوم التي طلبها من اجل تلبية مطالبهم ، وجراء ذلك لا نستبعد ظهور المالكي في مؤتمر صحفي في الايام او الاسابيع القادمة وفي صحبته شخصيات ملثمة او سافرة الوجه ، او اشخاص مطرودين من قبل فصائلهم او ممن اختاروا السقوط في مستنقع العملية السياسية ، ليعلن كل واحد منهم تخلي فصيله عن السلاح والعمل في المجال السياسي تحت ذرائع مختلفة ، على امل الافلات من السقوط والعقاب في نفس الوقت.


ترى هل سيتمكن نوري المالكي من تحقيق نجاح يستحق الذكر من خلال اقناع بعض فصائل المقاومة المؤثرة فعلا في الساحة العراقية للتخلي عن سلاحها والانضمام للعملية السياسية البغيضة ، ليجري الوصول الى اقناع الناس بتصديق وعوده حول الاصلاح والتغيير خلال مدة المئة يوم التي طلبها؟ ام ان مسرحيته البائسة ستلاقي نفس المصير الذي انتهت اليه سابقتها ومن ثمة يطويها النسيان؟.


من دون اية مجازفة يمكننا القول بانه ليس لدينا اي مخاوف من تحقيق المالكي لاي نجاح في هذا الخصوص ، فالمقاومة العراقية بجميع فصائلها الفاعلة والمؤثرة فعل ، لم تعترف اصل ، لا بالحكومة ولا بالبرلمان ولا بالعملية السياسية برمتها حتى تتصالح معه ، كونها ادوات بيد المحتل وتاتمر بامره وتحرص على خدمة مشروعه وتكريس الاحتلال الى امد غير منظور ، كما لا يوجد لدينا مخاوف ايضا فيما يخص الاحزاب والقوى المناهضة للاحتلال التي تجري الاشارة اليها كمرحلة ثانية من مشروع المصالحة ، فهذه بمجموعها باتت مقتنعة بعدم جدوى العمل من داخل العملية السياسية جراء القيود التي تحكمها والدستور الذي يحميها والتي تمنع القادمين الجدد اليها من تحقيق هدفهم حتى لو توفر لديهم وخبرات طويلة وحنكة سياسية وذكاء حاد. اما اذا دخلنا في رحاب الوقائع والثوابت والتوجهات لاطراف المصالحة ، فاننا سنجد خلافا عميقا يحكم بينها لا يمكن حله او ايجاد قواسم مشتركة لتجاوزه ، اذ كيف يمكن الصلح بين مقاومة تقاتل الاحتلال من اجل تحرير البلاد والعباد ، وبين حكومة تعتبر الاحتلال تحريرا وتحتفل به سنويا وتتمسك بالمحتل باظافرها واسنانها وتصاب بالرعب والهلع كلما ذكر مسؤول امريكي كلمة الانسحاب من العراق لاي سبب كان ، بين مقاومة تسعي لوحدة العراق واستقلاله وعروبته ، وحكومة تعمل جاهدة لتقسيم العراق الي دويلات طائفية وعرقية؟ ، بين مقاومة تعتبر عملها مشروعا ومعترف به لجهة القوانين السماوية والوضعية ، وبين حكومة تعتبر هذه المقاومة ارهابا يجب القضاء عليه؟. وفي كل الاحوال فان عموم فصائل المقاومة العراقية قد اكدت بما لا يدع مجال للتفسير او التاويل ، بانه لا صلح ولا هدنة ولا مفاوضات مع المحتل وحكومته قبل اعلان استعداده اولا للرحيل دون قيد او شرط وتحمل كل النتائج الماساوية التي ترتبت على جريمة الاحتلال.


لكن هذا ليس كل شيء ، فالشعب العراقي الذي يشكل الهدف النهائي لمثل هذه المسرحيات ، كونه الداعم والحاضن للمقاومة الباسلة ، فانه ليس من السهل على المالكي وحكومته ولا على المحتل وعملائه خداعه بهذه الاساليب الملتوية عبر الايحاء له بنية المقاومة على الدخول في العملية السياسية ، وبالتالي تشجيعه على التخلي عن دعمه واسناده له ، بدليل استقباله لهذه المسرحية بفتور كبير ، واستخفافه بها والتندر عليه ، فهو قد اصبح خبيرا بمعرفة هذه الحكومة او التي سبقتها من حيث ضلوعها في ارتكاب الجرائم ودخولها في مستنقع الفساد والسرقات ونهب الممتلكات العامة والتلاعب بقوت الناس ، حتى اصبح العراق في ظلها الدولة الاكثر فسادا في العالم ، مثلما اصبح خبير في تفاصيل مشروع الاحتلال واهدافه القريبة والبعيدة ، والذي يعد مشروع المصالحة الزائف جزء منه ، بل انه توصل الى قناعة نهائية بانه لا خير ياتي من هذا الحكومة ولا من سيدها المحتل سوى مزيدا من المصائب والمذلة. باختصار شديد ، فان عموم العراقيين قد امتلأت قلبوهم قيحا وصدروهم غيضا من العملية السياسية والاحتلال مع ، وانهم باتوا يتطلعون الى المقاومة العراقية ، دون غيره ، كمنقذ لهم من مصيبة الاحتلال وتحرير البلاد من رجسه. خصوصا وان المقاومة العراقية قد استعادت قوتها وهيبته ، من خلال تصاعد عملياتها العسكرية ، من حيث الكم والنوع ، واتساع رقعتها على امتداد ارض العراق ، وقد نجد نموذجا حيا عنها ما نشاهده ونسمع عنه ، رغم كل التعتيم الاعلامي ، من عمليات عسكرية فعالة ومؤثرة ضد قوات الاحتلال في المدن الجنوبية ، وخصوصا ضد القواعد العسكرية العملاقة في تلك المدن ، حيث لا يمر يوما واحدا دون تعرض هذه القواعد لقصف صاروخي والحاق خسائر كبيرة به ، بشرية ومادية. ناهيك عن استعادة قدرتها على التحكم بادارة الصراع في جميع ميادين القتال ، واخذ زمام المبادرة والقدرة الفائقة على الرد السريع في اي زمان ومكان. وهذا يؤكد ، في نهاية المطاف ، قدرتها على مواصلة مسيرتها باتجاه تحرير العراق واستعادة استقلاله وسيادته ووحدته.


ليس غريبا على العراقيين ، سواء المقاومين منهم الذين يحملون السلاح ، او الذين يقاتلون بالكلمة ، او يقدمون الدعم والاسناد لمشروع تحرير العراق ، ان يبلوا بلاءا حسن ، سواء ضد المحتل او ضد حكومته ، فتاريخ هذا الشعب العملاق قد اكد عبر عصور التاريخ المختلفة بان لا مكان للمحتلين والغزاة ولا لطابورهم الخامس على ارض الرافدين الطاهرة.


ترى هل سيدرك نوري المالكي وامثاله من العملاء هذه الحقيقة؟

 

 





الجمعة٢٧ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / نيسان/ ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة