شبكة ذي قار
عـاجـل










أن وجود قانون دولي يعني وجود التزامات دولية تترتب على مخالفتها تبعة المسؤولية الدولية وسيدور بحثنا حول تحديد القواعد الدولية التي يترتب على خرقها نشؤ المسؤولية الدولية .. وتنص معظم الاتفاقيات والمعاهدات على مسؤولية طرف من أطرافها عند إخلاله بالنصوص الواردة فيها.


مثلا اتفاقية لاهاي 1907 الخاصة بقواعد الحرب البرية المادة الثالثة منها نصت على ان ((الدولة التي تخل بإحكام الاتفاقية تلتزم بالتعويض أن كان لذلك محل , وتكون مسؤولة عن كل الأفعال التي تقع من أي فرد من إفراد قواتها المسلحة))..وفي نفس السياق نرى ان ميثاق الأمم المتحدة ( المادة الرابعة منه ) :- (( العضوية في الأمم المتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق , والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات راغبة فيه)) وهذا النص دليل على وجود قواعد المسؤولية الدولية عند مخالفة الالتزامات الدولية خاصة إذا ما رجعنا إلى أحكام الفصل السابع من الميثاق.. فالمسؤولية الدولية توجد عند كل انتهاك لأي التزام دولي .. وقد توجد أيضا عند حصول إضرار للغير ولو لم يحصل انتهاك للالتزامات الدولية ، والمسؤولية الدولية يعرفها ((دي فيشي)) بأنها فكرة واقعية تقوم على التزام الدولة بإصلاح النتائج المترتبة على عمل غير مشروع منسوب أليها ..


 ونرى ان روسو ذهب للقول .. أن المسؤولية الدولية تولد من فعل يخالف قاعدة من قواعد القانون وهذا الفعل قد يكون تصرفا إذا كان الالتزام بالامتناع عن العمل أو امتناعا إذا كان الالتزام بإتيان عمل ما .. وشروطها للتحقق  ..


1-وجود عمل دولي غير مشروع .
2- نسبة هذا العمل إلى احد أشخاص المسؤولية الدولية .
3- أن يلحق هذا العمل ضررا بمن حدث في مواجهته.


لقد تعهدت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية برسالة 8أيار2003 الموجهة من الممثلين الدائميين للولايات المتحدة الامريكيه والمملكة المتحدة لبريطانيا وايرلندا الشمالية إلى رئيس مجلس الأمن ذات الرقم س2003538 والموثقة والمحفوظة في ملفات مجلس الأمن والتي كانت الأساس لإصدار القرار الدولي 1483 لسنه 2003 ، الذي سلم بموجبه مجلس الأمن بأنه إدراكا منه للسلطات والمسؤوليات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي المطبق لهاتين الدولتين كدولتي احتلال تحت قيادة موحدة (هي السلطة) ، ان هذا التسليم  والادراك كان بعدما  لاحظ مجلس الامن ان العدوان اصبح احتلالا" ..  فلماذا  لم يتصرف وفقا للفصل السابع من الميثاق ولم يتخذ من الاعمال المحددة  فيه ؟ ، وقد وقع الاحتلال بعدوان  غير مشروع وقصف جوي أستمر  لثلثمائة ساعة  واستخدام مفرط  للقوة  سماها الامريكان  بالصدمة والترويع  !! .


.., ورغم إن مجلس الأمن لم يجتمع ألا بعد أن طلبت دولتي العدوان والاحتلال بالرسالة أنفة الذكر والتي كان تاريخها أيار أي الشهر الخامس، في حين أن الاحتلال فرض كأمر واقع في 942003، وقبله بدأ العدوان يوم 19 أذار 2003 رغم أن أمريكا كانت قد أطلقت إنذارا" دوليا ينتهي في يوم 21/آذار/ 2003 للرئيس العراقي الراحل بمغادرة العراق .. لكن حين توفرت لديهم معلومات عن مكان تواجد الرئيس نراها بدأت بالعدوان بدون تخويل دولي ..  أن الرسالة الموجهة إلى مجلس الأمن الذي هو الشرعية الدولية للنظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية  ، الذي فرضه المنتصرون , وعلى البقية الباقية من الدول أن ترضخ  ، المهم إذا كان هنالك شرعية ومسؤولية  دوليتين فان على مجلس الأمن والأمم المتحدة  والمجتمع الدولي أن يقفوا وقفتهم ويطالبوا أمريكا بتنفيذ  تعهداتها  ، وهي ملزمة بذلك  ، لأنها أصبحت جزا" من القرار الدولي الملزم   1483 (اعتبرت ملحقا بالقرار) وتضمنتها الفقرة (5) منه حيث دعا فيها المجلس المعنيين كافة للالتزام الكامل بالتزاماتهم بمقتضى القانون الدولي بما في ذلك بصفة خاصة معاهدات جنيف 1949 واتفاقيات لاهاي لعام 1907.


وفي تلك الرسالة تعهدت أمريكا وبريطانيا بأن تلتزم ((بشدة )) بما عليها من التزامات بمقتضى القانون الدولي.. كذلك وله  التأثير ذاته ، أن قرار مجلس الأمن الدولي  رقم 1637 لسنة 2005 ، الذي يمد الاحتلال  العسكري الأجنبي للعراق  حتى 31/ك1/ 2006 حيث عبر الملحق الثاني للقرار الذي احتوى رسالة  29/تشرين الأول /2005 الموجهة من وزيرة الخارجية الأمريكية  كونداليزا رايس إلى رئيس مجلس الأمن  والتي تضمنت أن (( القوات التي  تؤلف  القوة  المتعددة الجنسيات ستبقى ملتزمة  بالتصرف  بما يتفق مع التزاماتها بمقتضى  القانون الدولي ، بما في ذلك قانون الصراع المسلح )) ، حيث بمقتضى  هذه الرسالة فان الحكومة العراقية المشكلة بعد انتخابات 15/ ك1 /2006 والتي حددت أسلوبها وفقا لما تريد ستبقى مع ذلك حكومة ألعوبة وفقا " لقوانين الحرب  وكذلك الحكومة الحالية .


ومهما يكن فان الولايات المتحدة الأمريكية تعرف الإدارة العسكرية بموجب الفقرة 362 من قوانين الحرب المتمثلة بالدليل الميداني للجيش الأمريكي الصادرة عام 1956، بأنها الوسيلة التي تعمد إليها السلطة المحتلة في ممارسة سلطاتها على الإقليم المحتل مواجهة للضرورة الناتجة عن غياب الحكومة أو عجزها.


أما قوانين الحرب البريطانية فأنها تمنع سلطات الاحتلال من أدارة الإقليم بواسطة حكومة دمية PUPPET، كما تمنعها من إقامة أدارة مدنية  ، والعلة في كل ذلك تكمن في حقيقة أن تشكيل الحكومات والإدارات المدنية لا يجوز صدوره ألا عن سلطة تملك اختصاصات السيادة ، والاحتلال بالطبع لا يملك ذلك ، وعلى أية حال فان المادة 510 من قانون الحرب الانكليزي صريحة في النص على بقاء السيادة للحكومة الشرعية وعدم أيلولتها إلى الدولة المحتلة ، كما أن المادة 511 من نفس القوانين تحظر علي قوات الاحتلال تغيير هيكلة الحكومة وإلغاء الدستور ، وهو ماينسجم أيضا مع  المادة 43 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907 ، التي تمنع بتاتا المساس بنظام دستوري أو قانوني قائم لدولة محتلة .


ويتضح من كل ما تقدم أن قرار مجلس الأمن قد رسم صلاحيات ومسؤوليات والتزامات سلطة الاحتلال ، استنادا لإحكام القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة، وهي طبقا لذلك ، ذات طبيعة إدارية مؤقتة بعيدة عن اختصاصات السيادة ، ونظرا لقصور هذه الصلاحيات عن الوفاء بعموم حاجات الشعب من ناحية ، ومن اجل أن يضطرد سير الحياة العادية  ويدرك الشعب العراقي إقامة حكومته ( الشرعية  ) من ناحية أخرى ، فان قرار مجلس الأمن أيد قيام الشعب العراقي بتكوين إدارة مؤقتة ، تنهض جنبا الي جنب مع (سلطة) الاحتلال .


ومثلما سلم قرار مجلس الأمن في ديباجته (سلطة) القيادة الموحدة للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ، بالصلاحيات والمسؤوليات والالتزامات المقررة والمنصوص عليها في القانون الدولي والاتفاقيات الاخري ، بصفتهما دولتي احتلال ، فانه قد  أيد في الفقرة 9 منه ، قيام شعب العراق بتكوين إدارة عراقية مؤقتة ، بوصفها إدارة انتقالية يسيرها العراقيون حتى الوقت الذي يقيم فيه شعب العراق حكومته الشرعية .


ان سلوك الإدارة الأمريكية وسلطة ائتلافها بعد الاحتلال قد انتهك القانون الدولي  ، والداخلي  الأمريكي خاصة مايتعلق منه بباب الحكومات في ظروف الإكراه والحكومات الألعوبة ، التي هي نص المادة  366  ،  وتحديدا نص الفقرتين 353 و 358 من القانون انف الذكر المتعلقة بنقل السيادة الى حكومة منصبة من قبل دولة الاحتلال على شعب العراق لان الاحتلال في جوهره مؤقت ، ولا يحق له نقل السيادة ، لأنها تبقى كامنة في اسم جمهورية العراق وشعبها ، مادام الوجود العسكري الناشئ عن العدوان والحرب قائما على ارض العراق ، وبالتالي فالحكومة الأمريكية باعتبارها المحتل المحارب للعراق ملزمة ، وفق ماسلف ، بأن تضمن أن تطيع حكومة العراق الانتقالية وما تلاها من حكومات  القانونين الدولي والإنساني ، وان أي انتهاك للقانون الدولي ترتكبه هذه الحكومة المنصبة من قبل القوات المحتلة الأمريكية فأن هذه الانتهاكات تنسب إلى  حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لكونها منتدبة من مجلس الأمن الدولي بناء على طلبها وتعهدها الشديد برسالة 8/ أيار / 2003 أنفة الذكر، وبهذا تتحقق مسؤولية دولة العدوان عن كل ماترتكبه هي مباشرة أو تقوم به الحكومة المنصبة في العراق من قبلها .

 

 





الخميس١٩ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي الفهداوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة