شبكة ذي قار
عـاجـل










(من يعارض ويطالب باسقاط العملية السياسية فهو يطالب باسقاط الشعب). هكذا تحدث نوري المالكي في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد جمعة الغضب العراقي، محاولا ايجاد معادلة سياسية عراقية على أرض الواقع، تعطي انطباعا بأن الشعب وشركاء العملية السياسية في حالة التحام مصيري وحقيقي، لايمكن أن تستقيم الامور بدونها، كما أن عرى هذه المعادلة عصية على كل من يحاول الفصل بين طرفيها، محاولا وبخبث واضح العبور من فوق أنهار دماء الابرياء الذين استهدفتهم هذه العملية، بينما حمت المجرمين الحقيقيين، والتغاضي عن كل الاستهداف السيئ للحمة الاجتماعية العراقية وللهوية الوطنية، التي نفذها هو ورفاقه الاخرون، من خلال الصفحة الطائفية لملف العملية السياسية، والقفز على كل الظلم الذي مورس ضد الشعب العراقي، من خلال الاجهزة المدنية والعسكرية التي بنيت في ظل هذه العملية، والتستر على كل اللصوص الذين نهبوا ثروات الوطن وتركوا المواطن يعاني من شظف العيش، ونسيان ملايين المهجرين والمهاجرين في داخل الوطن وخارجه، وملايين الايتام والارامل الذين لا معيل لهم.


فهل يعقل بعد كل ذلك أن يكون الشعب وشركاء العملية السياسية في خانة واحدة؟ وهل يمكن أن يلتحم البريء بجلاده الى الحد الذي يصبح فيه مدافعا عنه كي لا يرحل، ويستكين الى العذاب اليومي الذي يلاقيه على يديه؟ ثم ينطلق في محاولة بائسة أخرى للتقليل من شأن الشعب العراقي الذي خرج رافضا أداءه السياسي والعملية السياسية الفاشلة، محاولا اضفاء الشرعية السياسية على وجوده في قمة هرم السلطة قائلا (كم عدد المتظاهرين؟ عشرون الفا؟ خمسون الفا في كل المحافظات؟ أنا حصلت في بغداد فقط على 650 الف صوت، اذن من يمثل ارادة الشعب؟ خمسون الفا في كل العراق أم 650 الفا وبارادة انتخابية؟)، ونحن نقول اذا كان حقا يمثل ارادة الشعب العراقي، فما هي المنجزات التي حققها للارادة الشعبية التي صوتت له؟ وهل من يمثل الشعب يطلق على شعبه الرصاص الحي ويقتل ويجرح العديد منهم في مظاهرة سلمية؟ ويحصن نفسه في منطقة صغيرة لا يرى فيها شعبه ولا الشعب يراه؟ ويقطع جسر الجمهورية بالحواجز الكونكريتية، ويعطل حركة السير في كل أرجاء العاصمة بغداد كي لا يسمح للذين انتخبوه أن يسمعوه صوتهم؟ ولماذا استنفر كل قواته العسكرية والامنية والاستخباراتية وغرفة العمليات الاستخباراتية الامريكية العراقية؟ ولماذا أرسل مستشاريه وأعوانه الى زعماء القبائل وشيوخ العشائر يحملهم فيه مسؤولية خروج ابنائهم في التظاهرة؟ ولماذا استنجد برجال دين السلطة كي يفتوا له بحرمة الخروج في التظاهرة؟ ولماذا منع القنوات التلفزيونية الفضائية المحلية والاجنبية من نقل البث الحي للمسيرة الجماهيرية، وسمح لاجهزته الامنية باقتحام المكاتب الصحافية ومصادرة أجهزتهم ومعداتهم؟


يقينا أن نوري المالكي يتحدث اليوم بنفس المنطق الذي تحدث به حسني مبارك وزين العابدين بن علي قبل سقوطهما من عرش السلطة، حينما كانا الى آخر يوم يظنان أنهما انما يمثلان الشعب العربي في كل من تونس ومصر، وان الخارجين عليهما في التظاهرات التي عمت البلدين انما هم مجموعة مخربين وخارجين عن القانون، وقد حاولا تسليط بعض البلطجية وأصحاب السوابق على المتظاهرين أو تسيير تظاهرات مضادة مؤيدة لهما، لكن بريق الارادة الشعبية الحقة لا يمكن أن يغطى بغربال، فاضطرا للرحيل تحت جنح الظلام، بنفس الطريقة التي كانا يزوران بها الارادة الشعبية في الدهاليز المظلمة، وها هو دمية الاحتلالين الامريكي والايراني في العراق، يمارس نفس المنهج في سرقة أصوات الشعب ويجيرها لحسابه الشخصي، معتقدا أن الاصوات التي حصل عليها كافية كي يصادر بها ارادة ثلاثين مليون مواطن عراقي، ويتصرف بالوطن كما لو أنه ضيعة امتلكها بالوراثة، وبذلك فقد أعطى الحق لنفسه بالاستهانة بالاصوات التي خرجت في كل أرجاء العراق وخارج العراق من العراقيين أيضا، مطالبة برحيله وشركائه في العملية السياسية، التي يباهي بها، وقد انطبق الشعار الذي هتف به المتظاهرون عليه تماما عندما قالوا (كذاب كذاب نوري المالكي كذاب)، لانه هو الذي تحدث مرارا وتكرارا عن الدستور الذي يكفل حق التظاهر للمواطنين، وانه يقود عملية ديمقراطية لا وجود لمثيل لها في الشرق الاوسط، كما أنه عاب على غيره من الانظمة العربية التشبث بالحكم، وعدم سماع صوت الشعب وتنفيذ مطالبه، فاذا به أول من يخرق الدستور بمهاجمة التظاهرات السلمية، ويسلب حق المتظاهرين من المطالبة بحقوقهم، لانهم باعتقاده لا يمثلون الشعب، وانه الوحيد الذي يمثلهم. ان الاجراءات التي وعد بتحقيقها هي محاولة بائسة لنزع فتيل الثورة العراقية، التي مازالت مستمرة في كافة أرجاء العراق، وهي معالجات لا يمكن لها أن تحقق رغبات الشعب العراقي، لاننا سمعنا بها أكثر من مرة، من دون أن يتحقق أي منها، بسبب المحاصصة التي أرست أسسها العملية السياسية، وأن أي اجراء لا يمكن أن يتخذ ضد أي رمز من رموز الفساد الحاكم في العراق، لانهم محميون بشرعيات طائفية وقومية وحزبية وبضامنين دوليين وأقليميين، وان وجوده على رأس السلطة التنفيذية لن يعطي له أي حق فعلي في ممارسة الدور الذي يمارسه من هم في موقعه في دول أخرى. واذا كان اليوم يدعو الى تحميل الوزير مسؤولية وجود الفساد بوزارته، قبل أن يحال المفسد الى هيئة النزاهة كما يقول، اذن أليس من المنطقي أن يتحمل هو أيضا مسؤولية الوزراء الفاسدين في وزارته الحالية والسابقة، وأن يتحمل فساد مستشاريه والعاملين في مكتبه، الذين سمع الجميع بثرائهم الفاحش، وكذلك فساد أعضاء حزبه الذين لم يحققوا أية منجزات خدمية للمواطن، منذ اعتلائهم مناصب المحافظين ومجالس المحافظات في الانتخابات البلدية الاخيرة، والذين أسقطتهم الجماهير الثائرة في بابل وواسط والبصرة في 'جمعة الغضب'، ولماذا ماطل كثيرا في احالة وزير التجارة السابق الى المحكمة، واستبق كل الاجراءات القانونية بحقه، عندما قبل استقالته وأحاله على التقاعد براتب لا يستحقه. انه يحاول مرة أخرى اللعب على عامل الزمن، من خلال الدعوة بمنحه فترة زمنية من مئة يوم لتنفيذ وعوده، بينما سرق من عمر المواطن العراقي أكثر من أربع سنوات كان فيها على رأس السلطة التنفيذية، خرج فيها العراق متصدرا القوائم الدولية في الفساد المالي والاداري والسياسي، ومحطما الارقام القياسية العالمية في انتشار الجريمة والرذيلة والامية والامراض وغياب البنى التحتية والجوع والفقر المدقع.


ان احترام العملية الانتخابية لا يمكن أن يستمر الى ما لانهاية في حالة سلبية افرازاتها، وان نتائجها لا يمكن أن تكون في أي حال من الاحوال مقدسة الى الابد، فاستمرار الالتزام بما يقدمه الصندوق الانتخابي مرهون بالنتائج المتحققه على أرض الواقع، بما يلبي تطلعات الاغلبية الشعبية في تحقيق طموحات اقتصادية واجتماعية وسياسية وخدمية ترتقي بالواقع الانساني للمواطن. لقد حدث ذلك في العديد من دول العالم، بينها دول لديها تجربة انتخابية طويلة العمر، ومؤسسات ديمقراطية رصينة. لكن أقطاب العملية السياسية اللاأخلاقية في العراق، مازالوا يصرون على أن نتائج ما يسمى (الانتخابات) هي نتائج مقدسة لا يمكن المساس بها، على الرغم من عدم شرعيتها القانونية والسياسية وحتى الاخلاقية. فمن الناحية القانونية لا وجود لقانون خاص بالاحزاب يسلط الضوء على تمويلها، كما لا يوجد قانون ومؤسسات قانونية قادرة على حماية العملية الانتخابية، وقد لاحظنا كيف ارتمت المحكمة الاتحادية العليا في أحضان السلطة التنفيذية مرات عديدة وتخلت عن حياديتها. أما من الناحية السياسية فالعراق بلد محتل ولازال فيه القول الفصل لدولتين، هما أيران والولايات المتحدة الامريكية، وان وجودهما العسكري والاستخباري فاعل جدا في الكثير من النواحي، وان العرض الامريكي للكثير من قوى المقاومة بالتخلي عن السلاح مقابل ضمان عدد من المقاعد البرلمانية لهم، انما هو دليل دامغ على ان نتائج الانتخابات انما هي مفصلة سياسيا على القوى الموجودة في العملية السياسية، وليس وفقا للارادة الجماهيرية. أما من الناحية الاخلاقية فلا العقل ولا المنطق يمكن أن يبررا لاي شعب من الشعوب انتخاب مجموعة مجرمين ولصوص ينتهكون حرماته ويسرقون قوته، الا في حالة تعرضه لعملية استلاب ثقافي وفكري واسع، والحط المتعمد من انسانيته بما يجعله مقادا بدون وعي لتقبل نتائج معدة سلفا بالضد من مصالحه، وقد تعرض البعض من الشعب العراقي الى ذلك.
ان عودة الروح والوعي باتت واضحة اليوم في الشارع العراقي من خلال التظاهرات التي لازالت مستمرة منذ أكثر من أسبوعين، والتي قضت على آخر آمال الطبقة السياسية التي راهنت على الفرقة الاجتماعية، التي يبدو أنها عادت الى نحورهم هذه المرة، وستكشف الايام القادمة أن بذور فناء العملية السياسية قد أينعت وحان للشعب قطاف ثورة غضبه.

 

 





الثلاثاء٠٣ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة