شبكة ذي قار
عـاجـل










لو ان الانتقادات والشتائم ضد الجماهير العربية ووصفها بالتخاذل والاستكانة وقلة النخوة تجاه ما يجري في العراق وفلسطين على وجه التحديد قد اتت من اعداء الامة لهان الامر كثيرا . فعلى مر التاريخ كان الغزاة والطغاة ومرتزقتهم ومأجوروهم من ممتهني الاعلام يعتمدون على هذه الاساليب بهدف اشاعة روح اليأس والاستلام للامر الواقع ، ومنع الجماهير من ممارسة دورها المشروع ضد الغزاة والمعتدين او ضد حكوماتهم العميلة. لكن ان تاتي هذه الشتائم من ابناء جلدتنا فهذا يدل ، من جهة ، على قصور وعدم دراية للظروف الذاتية والموضوعية التي تعيشها جماهير الامة او لنقل بالمصطلح الدارج الشارع العربي ، ومن جهة اخرى فانها تقدم خدمة جليلة للعدو بصرف النظر عن حسن النوايا او شدة الالم وحجمه الذي نعاني منه جراء العدوان والغزو.


نعم هناك غياب ملحوظ لدورلشارع العربي كونه لم يرتق الى المستوى المطلوب وينسجم مع المخاطر الجسيمة التي تحيق بالامة العربية كما كان الحال في الستينات من القرن الماضي ، واختفت الشعارات والصرخات التي كانت تملأ الساحات والشوارع وتلاشى الغضب المكبوت في الصدو وتعايش الناس مع أنظمة فاقدة التمثيل وتخدم اعداء الوطن بكل ما اؤتيت من قوة. كما يحق للبعض الاستياء من هذا السكون ضد الاحتلال الامريكي الصهيوني في العراق وفلسطين والتحسر على حالته والتساؤل عن غيابه ونعيه في بعض الاحيان. الا ان هؤلاء لم ينتبهوا بالقدر الكافي ، بان ما يحدث في الشارع العربي له اسبابه ودواعيه. وكان من المفترض البحث والقراءة والتفكير في هذه الأسباب والدواعي التي حالت بين الشارع العربي وبين التعبير عن مواقفه وآرائه ومنعته من الفعالية والتأثير في القضايا الحيوية التي تخصه إلى درجة الكرامة والخبز! والتأمل في العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تحويل الطاقة المختزنة فيه من الإيمان والغضب إلى طاقة متحركة حرارية مؤثرة.


دعونا اذن ندقق في هذا الامر. فمرد هذا السكون ، وان كان يخترق في بعض الاحيان في هبات جماهيرية ، يعود الى اسباب عديدة . اولها ان حركة التحرر الوطني العربية خصوصا وفي العالم الثالث عموما ، كانت على الدوام هدفا لاميركا وحليفتها الصهيونية العالمية كونها شكلت حينها خطرا على النظام العالمي الامريكي الجديد خاصة وانه تصادف مع هذا النظام العالمي الامريكي المرتقب ، ظهور فعال لتلك الحركة التحررية وفورانها على خط يعبر القارات والمحيطات من اندونسيا الى الجزائر. وقد نجحت امريكا فعلا في اواخر الستينات والسبعينات في ضرب وتصفية عدد من المراكز الهامة لحركة التحرر الوطني لتنتهي هذه الحركة في معظم البلدان الى التراجع والانكفاء. يضاف الى ذلك الاحباط الذي اصاب الشارع العربي بعد هزيمة حزيران 1967 وما اعقبها من خروج مصر نهائيا من ساحة الصراع العربي الصهيوني وذلك باعتراف السادات المقبور بالكيان الصهيوني ، الامر الذي ادى الى تراجع الحركة القومية لتعقبه فشلا اخر لجهة جميع الحركات اليسارية التي حاولت ان تكون البديل المناسب.


وثانيها فان ما بقى من عناصر القوة لهذه الامة سواء في تجربة العراق وليبيا والجزائر قد تحطمت الى درجة كبيرة. فالعراق تعرض الى هزيمة امام العدوان الامريكي عام 1991 وانكفا الى الداخل يضمد دون جدوى جراحاته وليبيا تم تدجينها واصبحت تستجدي رضا امريكا بعد ان كانت سندا لكل مقاومة عربية او عالمية والجزائر دخلت نفق الخلافات الداخلية ، مما سمح للحكام العرب الذهاب الى مؤتمر مدريد لتختتم هذه الهزائم بقبول المقاومة الفلسطينية باتفاقات اسلو لينتهي الامر بعدها بقادة الاحزاب العربية لان يتحولوا من مدافعين عن قضايا شعوبهم الى منظرين للهزائم ، او في احسن الاحوال اسرى القوة الامريكية وسياسة الامر الواقع ، مما ادى الى افلاس هذه القيادات وافتضاح امر فسادها وعجزها وتخلفها عن طموحات واحتياجات العمل العام والجماهيري، ولم تعد الجماهير ترى اي حركة أو قيادة سياسية جديرة بثقتها وتكون مستعدة للعمل وراءها.


وتمثل ثالثها في احتلال العراق وما رافقه من حملة اعلامية حول القوة الامريكية الامر الذي ادخل الرعب في النفوس حتى خيل للبعض بان امريكا باتت امرا واقعا وان على الجميع الاستسلام لهذا الواقع. اما اذا حاولت اي جهة سياسية ان تتصدى لامريكا او للعدو الصهيوني حتى في البيانات او الخطابات فانها كانت تجابه بكل انواع القوة والقمع.


هل يعني ذلك بان الشارع العربي قد انتهى دوره جراء هذه الاسباب؟ ام ان هناك اسباب بالمقابل تدعوه الى كسر هذا السكون والتحرك الفعال وبلورة نضال حقيقي قد يقود في المستقبل القريب الى الانتفاضة الشعبية ضد الحكام الخونة والمحتلين معا؟


من جهتنا فان الشارع العربي لازل بخير وان كانت حركته لم ترتق الى المستوى المطلوب. فالامكانات المختزنه داخله والغضب المكبوت ضد الغزاة والمعتدين ، ستفلت من عقالها وتتحول الى ثورة عارمة قد تشمل الوطن العربي باكمله ، خاصة وان الامة العربية تمر بارهاصات ما قبل الوحدة والتحرير. فالاحتلال الامريكي يغوص في وحل العراق حتى اخمص قدميه والمقاومة في فلسطين لازالت قائمة رغم كل الظروف الصعبة التي تعيشها وفي الصومال تعاني القوات الإثيوبية من مازق حرج للغاية جراء المقاومة الوطنية ، في حين تزداد الفجوة بين الحكومات وشعوبها ويزداد السخط عليها جراء ظلمها وتعسفها وجراء سياساتها الخيانية ومشاركتها وتنفيذها للمخطط الامريكي الصهيوني الغادر وخاصة ضد العراق وفلسطين. ناهيك عن ظهور بوادر لتشيكل احزاب وقيادات سياسية مؤثرة ومستعدة لتقديم كل انواع التضحية والفداء في سبيل أمتها، وهذا سيؤدي حتما وعلى المدى المنظور الى تحول تلك الامكانات المختزنة الى واقع فعلي.


والاهم من ذلك كله ، فان الشارع العربي ذاته اصبح اكثر وعيا ، مما يؤهله لان يكون تحركه في المستقبل مجديا وفعالا وليس عفويا او كرد فعل تجاه حدث ما ، كما كان يتحرك ويخرج الى الشوارع بمجرد خطاب من هذا الزعيم او ذاك ، الزعيم الراحل جمال عبد الناصر نموذجا. وهذا الوعي ليس جديدا فقد بدات ملامحه منذ حرب تشرين عام 1973 . فعلى الرغم من الانتصارات التي حققتها في ايامها الاولى على الجبهتين المصرية والسورية ، فان الشارع العربي قد تردد في تاييد هذه الحرب وشكك في اهدافها ودخل في نقاشات جدية حولها وفيما اذا كانت حرب تحرير او حرب تحريك من اجل الوصول الى تسوية سياسية مع العدو الصهيوني. بمعنى ادق فقد انتقل الشارع العربي من حالته العفوية لجهة التحرك الفعال الى حالة من الوعي استدعت التريث في كل خطوة يخطوها بهذا الاتجاه


ترى هل تكفي هذه العوامل لتحول الشارع العربي الى حركة واعية ومنظمة تلقائيا نتيجة التراكم فحسب؟ ام ان المطلوب عمل جاد وملموس ومجدي وعدم ترك هذا الامر الى التوقعات الافتراضية التي لا تستند الى الواقع وحركته ؟


لابد اذن من القيام بدورنا فيما يحدث من حولنا وما سيحدث في المستقبل القريب وندرك بان هذا الدور مرهون بالعمل الجاد والبحث عن شروط هذا التحول وهي في جوهرها رؤية تقوم على اسس الاستشراف على قاعدة المنهج العلمي الذي لا يترك الباب مفتوحا للاحتمالات التي تخيب في معظم الاحيان ويوفر في نفس الوقت القدرة على تفسير الوضع الراهن استنادا الى اسبابه الواقعية الملموسة والمحددة بعيدا عن اي حسابات لا علاقة لها بالواقع او ترتبط معه باية صلة ، وكل هذا يمكننا من امتلاك مقومات تطور هذه الشروط كما يمنح دورنا المطلوب وضوح في رؤية اهدافنا وكيفية التعامل مع ظروف هذه المرحلة ويرسخ بالمقابل وعينا والتزامنا بالحقوق المشروعة وسبل تحقيقها. ولكي لا يطول بنا الحديث ولا يتشعب ، فان هناك ثلاث مهام اساسية لابد من انجازها.


الاولى هي العمل على خلق حركات سياسية تقدمية قوية وتحت قيادة مؤهلة وقادرة على الفعل وتتمتع بخبرة حقيقية بالعمل النضالي والكفاحي والتضامن الجماعي والتحركات الجماهيرية ولديها الاستعداد للتضحية والفداء ولا تخشى في الحق لومة لائم. فاذا كانت الجماهير العربية في كل قطر غير قادرة على اسقاط انظمتها المتعاونة مع العدو، فانها بكل تاكيد قادرة على اسقاط القيادات السياسية المترهلة من حياتها خاصة وان هذه القيادات لم يعد من هم لها سوى خدمة مصالحها الفئوية الضيقة. .


الثانية هي العمل على تاسيس مشروع وطني وقومي ينسجم مع طبيعة المرحلة ويرتقي الى مستوى التحديات التي تواجهها امتنا العربية ، مشروع مشترك لجميع الأحزاب والمؤسسات الوطنية من حركات شعبية او يسارية او ناصرية او اشتراكية او شيوعية ، مشروع يدعم المقاومة العر اقية باعتبارها راس الحربة في مجابهة مخطط الغزو والاحتلال الامريكي الصهيوني ، مشروع للتحرر يسند المقاومة الفلسطينية، ويسند قضيتها الوطنية وبمكنها من تحرير كامل التراب الفلسطيني ، مشروع للتحرر من ربقة الإستعمار والهيمنة الإمبريالية ، مشروع يحاول ان يبني دولة الإستقلال ويؤسس لبرنامج تنموي يُخرج مجتمعاتنا العربية من دائرة الفقر والجهل والمرض.


وتتجسد الثالثة في تحديد وسائل النضال بكافة اشكاله ضد الحكومات العربية المتواطئة مع العدو بما فيه الكفاح المسلح وايضا ضد الغزاة والمحتلين. فالحكام العرب لن يتنازلوا عن السلطة طواعية او يقبلوا بمشاركة شعبية في السلطة والقرار ، والتحالف الامريكي الصهيوني سادر في تنفيذ مخططه الغادر ولن يتراجع عنه طواعية او من خلال تسويات سياسية خائبة. بمعنى ادق فانه ليس هناك من حقوق وطنية وقومية يمكن تحقيقها مجانا دون الكفاح والنضال المضني والتضحيات الجسام.


لم يعد هناك عذر او مبرر يمنع هذا التوجه مهما كانت الة القمع للانظمة العربية قاسية وشديدة ، فهي مهما بلغت من القسوة فانها لن تصل الى حجم الة المحتل القمعية في العراق حيث هناك 160 الف جندي امريكي و 200 الف مرتزق اضافة الى قوات ايرانية بلباس مدني ناهيك عن المليشيات المسلحة من عرب وكرد يتجاوز عددها مئات الالوف ، ومع ذلك فالمقاومة العراقية تحقق الانتصار تلو الاخر ووضعت هذه الجيوش الجرارة في مازق حرج لن تخرج منه الا بالانسحاب الكامل غير المشروط او تواجه هزيمة منكرة


ترى هل نحن على موعد مع شارع عربي مقاتل ؟

 

 

عوني القلمجي
١٣ / ٠٢ / ٢٠٠٨

 

 





الاحد١٧ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة