شبكة ذي قار
عـاجـل










ما غابت شمسٌ على عبدالرزاق عبدالواحد، ولا أظن انها أبد الدهر تغيب. مُشرق في كل بيت يهطل من غيمته، عذبٌ، عطوفٌ، ودان مهما تعالت كواكبه.
لو استطعت، أن أنحت شعرا، لكان أمري من الشعر كله لهذا المتفرد الواحد.


لو تقرأ هذا العبقري، كيف ينحت عبارته، لن يكون الشعرُ بعيدا عنك، على أي حال. وبحوره المسحورة ستظل تغريك حتى تغرق.
ولقد غرقت بقصيدتين أودعهما بين يدي قبل أن تصلا الى أرضيهما.
فماذا تفعل إذا أودعك العبقريُّ كنزا؟
بقيت ليلتي أتقلب "على جمر النار" لا أعرف كيف يجرؤ المرء ألا يخونه. فمن البسالة بزمان ومكان أن تكون بين يديك جوهرة وأخرى، وتنجو.
يا طيب القلب أبا خالد. كيف وثقت بصحافي لتودعه قصيدتين، تناطح كل منهما كوكبا؟
من أي ثقب للباب نظرت فرأيت انه لن ينشرهما غدا؟
أم هل رأيته شديد الوله حتى يحتفظ بهما لنفسه؟ أم صبورا علمه قهر الزمان أن يكبت شعرا؟
ولكن لا قلق عليّ.


قلقي على مصر. فشاعر العرب الأكبر، ذاهب الى هناك ليُعلّق احداهما فوق أهراماتها. وهي ما سوف تكون معلقة من أعظم ما علق الشعراء على أبواب الكنانة.
قلقي على مصر، انها سوف تسمع صوتا يجيش لها بالحب ويجيش عليها بالأمل.


وقلقي على أهله هناك، من أبناء الكنانة، كيف انهم لن يطرقوا السماء بابا، كلما حلقت بهم تراتيله من شاهق الى آخر أعلى منه.
وكنت سوف أسال، "هل رأى الحب سكارى، مثلنا"، لولا إني أعرف إن شاعر الرافدين العظيم ذاهب ليمنح مصر من البهجة ما يجعلها طفلة تسابق ظلها فرحا بوجوده. وأعرف انه ذاهب لينشد روح عروبتها، من اجل أن تعود لنا أمّا، هي التي ترى بغداد تُقتل غدرا وغيلة.


قلقي على مصر، إن شاعرا بطول قامة عبدالواحد سيقف هناك لينشد أحلى ما ترك الزمان بأرضها من شعر، وليغمر شغاف قلبها بقواف ما سُطّرت منذ ألف عام ربما.
شيء من التاريخ سيجعل النيل يسرع في مجراه الى حيث يقف. وشيء من مجد العروبة سيجعل كل نبض في الكنانة أسرع كلما طرقت المسامعَ أبياتٌ من نشيده. حتى لأخشى على المحبين لا أن يتمايلوا طربا (فهذا نعرفه)، بل طيرانا للمرة الأولى.
فإذا أودعك العبقريُّ قصيدة، ماذا تفعل؟


قلّب من الجمر ما شئت، حتى تجد منفذا. إلا ان مصر سترى من العراق من لم تره قبل. ولسوف تسمع من صوته ما لم تسمع، وستعرف انها جديرة بهذا العبقري، بوقفته، بصوته، بتساميه على الجرح والأذى، وذلك كما انها جديرة بعبقريتها الخاصة إذا انتظر منها ان تقف لبغداد وقفة أخت ما خان أهلوها ولا غدروا.
سينشد عبدالواحد، ما سيجعل من مصر مصرا، للمرة الألف بعد الألف، لترى في أهراماتها مقترحا جسورا للزمان، وفي نيلها جرأة لم يجترح مثلها أحد.
ولست أقلق على منامي، إذا توسّدتُ قصيدةَ. قلقي عليه، إنه سيبلغ بعد النجوم كواكب ما طالها أحد.
هل أعرف انه سينام ملء جفونه عن شواردها؟

 

بلى.
ولكني أعرف كيف سيسهر خلق الكنانة جراها، دون أن يختصم في عبقريته أحد.
لقد أودعك طيب القلب كنزا، فماذا ستفعل؟
ضع رأسك على وسادة اليوم الذي سينشد فيه عبدالواحد قصيدته، وتأمل بليلة ستنامها مصر إذا أغلقت بغداد عليها جفنا!
تأمل، وسترى ان بغداد ما أخلفت لمصر وعدا. وانها ذهبت، بقدميها الى هناك، لتطلب للحرية عهدا.

 

 





السبت١١ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الصراف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة