شبكة ذي قار
عـاجـل










في التاسع من يناير مرت الذكرى الأربعين لوفاة القائد القومي والوطني عبد الله الحوراني، فكان لابد من إحياء الذكرى، فاحتشد محبوه في قاعة رشاد الشوا بغزة بالمئات احتراما وتقديرا لمكانة هذا الرجل العظيم الذي أعطى الكثير. والملاحظ أن هذه الجماهير احتشدت لأول مرة بهذا الزخم الشعبي لرجل لم يكن خلفه تنظيم سياسي يدعمه ويحشد له، كما يحدث مع القادة الآخرين، بل جاءت من كل مناطق القطاع لكي تسجل حبها واحترامها لمناضل أفنى عمره في خدمة القضية الفلسطينية وخصوصا حق العودة وقضية اللاجئين. فكان كل هذا الحب له.


إننا مازلنا نعيش فاجعة رحيل أبو منيف، الذي عرفته منذ أن وصل إلى قطاع غزة عائدا رغم رفضه لاتفاق أوسلو واستقالته من اللجنة التنفيذية احتجاجا على الاتفاق، إلا انه أصر على حقه في العودة. ومنذ وصوله لم يكن بالرجل الذي يركن إلى الراحة، فبدأ في تأسيس اللجان الشعبية للاجئين بعد أن جاب مخيمات القطاع مذكرا باللاجئين وعودتهم، ومازلت اذكر الجماهير المحتشدة في نوادي الخدمات تستمع إلى أبي منيف متحدثا عن حقهم في العودة. إلا أن هذا الوضع لم يعجب إسرائيل فكتب "داني روبنشتاين" في صحيفة هأرتس: "الحوراني يفجر القنابل في المخيمات المنسية". وبعدها أقصي أبو منيف عن شؤون اللاجئين، ليتجه إلى تأسيس المركز القومي للدراسات والتوثيق، ليشكل من خلاله درعا حاميا للذاكرة الفلسطينية.


ثمة شخصيات في التاريخ، تعرف وتكتسب شعبيتها من منصبها، وتصادق لمكانتها السياسية، إلا عبد الله الحوراني، فقد اكتسب شعبيته من الموقف الواضح، والمبدأ الصلب، والفكر العنيد، والشجاعة في قول الحق، والاستقامة الشخصية، ونظافة اليد، وطهارة اللسان، والتضحيات والانجازات التي لا تعد ولا تحصى.


عبد الله الحوراني، كان من أكثر الشخصيات السياسية التي فهمت نفسية الجماهير الشعبية الفلسطينية، وأكثر من شعر بمزاجها وعبر عن همومها، وقدم الحلول لقضاياها. لهذا التفت الجماهير حوله وأحبته، فقد كان صوتهم في الدفاع عن منظمة التحرير الفلسطينية، وصوتهم في الدفاع عن حق العودة، وصوتهم في الدفاع عن فلسطين التاريخية، وصوتهم في المطالبة بإنهاء حالة الانقسام السياسي. كل هذا جعله دائما في وسط الجماهير، في المدن، في القرى، في المخيمات، في المهرجانات الشعبية، يخطب ويصرخ بملء الصوت: يجب عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها في عام 1948.


من منا لم يقف حائرا أمام قوة إيمانه بالعودة القريبة، فحين وقف على أرض المسمية عام 1995 قال: الأرض لا تتسع لاثنين.


عاش أبو منيف مخلصا للمبادئ، مؤمنا بعدالة قضيته، مدافعا عن حق أمته، يمتلك طاقة لا محدودة، وثراء فكري وقدرة على التحليل والإبداع والابتكار.


طرح أبو منيف أفكاره سواء في الشأن الفلسطيني أو العربي بجرأة وثقة، رغم معرفته بان هذه الأفكار مثيرة للجدل والنقاش، إلا انه أراد أن يرسخ مبدأ لدى الأجيال القادمة، بأن النقد وتحليل الموقف يساهم في إسقاط الأصنام والهالات المقدسة عن الشخصيات، وعن بعض المفاهيم والاطروحات السياسية.


إن غياب أبا منيف خسارة فلسطينية كبيرة، لأنه ليس من اليسير أن يجد الفلسطينيين من يملأ مكانه ويسد الفراغ الذي تركه في المستقبل القريب، وهو خسارة عربية وإنسانية، لأنه من الصعب أن نجد الكثيرين ممن سخروا أنفسهم لخدمة قضايا أوطانهم وأمتهم، ونجحوا في نيل المصداقية والاحترام.


سيبقى عبد الله الحوراني نموذجا يحتذى لأبناء هذا الجيل وأبناء الأجيال القادمة، فقد كانت شخصيته وثقافته وفكره متجاوزة للزمن، لهذا لن تجد فيه الأجيال القادمة شخصا وفكرا غريبا عنهم، وعن اهتماماتهم وتطلعاتهم الفكرية والثقافية.


خسرناك في أيام عصيبة، وكم كنا بحاجة إليك لكي تؤازرنا وتتكاتف معنا للسير قدما نحو تحقيق مشروعنا الوطني... خسرناك ونحن مازلنا نلملم جراحاتنا ... خسرناك ... ولن نعوضك، وسنفتقدك دائما.


إلا أن عزائنا بما تركته بيننا من تراث نضالي وفكري، نستلهمه لكي تقوى عزيمتنا، ونعلمه لأبنائنا لكي نمنحهم القوة لمواجهة المستقبل.


رحم الله أبا منيف

 

 





الاربعاء٠٨ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ناهـض زقـوت نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة