شبكة ذي قار
عـاجـل










الأخ الحبيب / الرئيس صدام حسين.

في ذكرى ميلادك الثامن والستين نخاطبك، ونناديك، مكررين ما قلناه ونقوله فيك وعنك دوماً:

 

- يا شموخ النخيل في أرض الرافدين.

- يا دفق الفراتين، وخيرهما.

- يا قنديلاً لا ينطفئ نوره، لأن زيته من شجرة الزيتون التي باركها الله في كتابه العزيز، وكرَّم بها وديان الأرض العربية وجبالها فملأها بها.

- يا فخر الجماهير العربية، وعنوان عزتها وكرامتها.

- يا من تحولت كلماته ونداءاته حمماً تحرق الغزاة والمحتلين في العراق وفلسطين.

- يا قدوة لكل حملة المبادئ والرسالات المؤمنين بانتصارها.

- يا من يؤرق طيفه وذكره كل الخونة والعملاء، ويقض مضاجعهم، ويطيل ليلهم الحالك.

- يا حلماً وردياً يملأ مخيلات الأطفال في فلسطين والعراق، وفي كل أرض العرب ، فتزهو أمانيهم بمستقبل وعدتهم به، ووعدوك أن يحملوا طموحهم إليه حتى يحققوه.

 

في ذكرى ميلادك أيها الحبيب، نتذكر ما آمنت به دوماً من أن الله، سبحانه وتعالى، حين كرّم أمة العرب، وخصها بحمل رسالة الهدى والنور للبشرية جمعاء، وبعث فيها، ومنها، نبيه العربي الكريم ، لنشر قيم الخير والحق والعدل، وتحرير الإنسانية من العبودية. كان يرى أن أمة العرب أهل لحمل رسالته، وقد وصفها في كتابه العزيز بأنها خير أمة أخرجت للناس.

 

ومن جانبها سعت الأمة أن تكون جديرة بما حملها الله إياها، ووفية لما جاءها به مبعوث الهدى نبيه الكريم، فاجتهدَت أن تنجب من الرجال القادة من هم قادرون على نشر رسالة الحق والعدل في الأرض، وبناء الحضارة العربية، فكان أولئك الرجال القادة الذين حملوا راية الفتح من مشرق الأرض إلى مغربها، ثم كان أولئك الرجال القادة الذين صنعوا عصر النهضة العلمية العربية في مختلف الميادين، وأضاءوا بنور المعرفة العربية ظلمات الكون، ثم كان أولئك الرجال القادة الذين تصدوا لقوى الغزو الخارجية، القادمة من الشرق أو الغرب، الطامعة في أرض العرب، والحاقدة على رسالتهم وحضارتهم. ونجح هؤلاء القادة في استنهاض الأمة وتوحيد أقطارها، وتمكينها من دحر الغزاة وهزيمتهم.

 

لم يأت هؤلاء القادة العظام، صناع التاريخ، بالصدفة، ولا كانوا أناساً عاديين، بل جاءوا من رحم معاناة الأمة وأزماتها. وكان اختيار القدر لهم عن علم ومعرفة بإمكاناتهم وقدراتهم على تحمل هذه المسؤوليات الجسام، بل هو من هيأهم لذلك، ووضع فيهم سمات الرجال العظماء.

 

من هذا الرحم ولدت أيها الحبيب، ولهذه المسؤوليات القومية والرسالة التاريخية ندبت، وبأقسى المحن اختبرت، وبأشد الأعداء ابتليت أمتك وابتليت، ولكنك على كل هذا الضيم صبرت، ولكل صنوف العدوان تصديت وصمدت، وبكل القيم والمبادئ والمثل تمسكت، ولكل ما عاهدت الله وأبناء أمتك عليه وفيت، وعن صغائر الأمور ترفعت، وبكل مباهج الحياة وملذاتها استهنت، ولم تترك مركباً صعباً - في سبيل رفعة هذه الأمة ورسالتها الخالدة - إلا ركبت، فكان لك الحب والفخر والعز في كل بيت. وكأني بأبي الطيب المتنبي، ابن الكوفة، وشاعر العربية الأول، كان يقرأك في الغيب حين قال:

 

على قدر أهل العزم تأتي العزائم / وتأتي على قدر الكرام المكارم .. 

وتعظم في عين الصغير صغارها / وتصغر في عين العظيم العظائم .. 

 

أيها الأخ الحبيب

في غيابك عنا، لا أنفك عن ترديد ما قاله الشاعر الأندلسي ابن زيدون: 

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا / شـوقاً إليكم ولا جفت مآقين .. 

يكاد حين تناجيكم ضمائرنا / يقضي علينا الأسى لولا تأسين .. 

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا / إذ طالما غـيّر النأي المحبين .. 

 

وأحسب أنني لست وحدي من يردد ذلك، فملايين القلوب والألسن تنبض بحبك، وتلهج باسمك، إيمانا منها برسالتك، وتمسكاً بالقيم والمبادئ التي أخذتها عنك، وتعلمتها منك. وكأني بغيابك هذا الذي أراده القدر، والذي نرجو أن - يكون مؤقتاً - كان مقصوداً، لاختبار مدى صدقنا وإخلاصنا في حمل رسالة العروبة، والسير على الطريق الذي خططته. كأنك بغيابك أردت كشف المنافقين والمتزلفين الذين طالما تغنوا بمدحك والتقرب إليك وأنت في موقع السلطة، ثم غيروا جلودهم وساروا في ركب الغزاة. أردت أن ترى من بقي على العهد صامداً وصادقاً لا تلين له قناه، ولا تنكسر له إرادة، مهما قست عليه الحياة، ومهما تحمل من تضحيات. أردت أن تفرز بين الغث والسمين، بين الطيب والخبيث، لتؤكد قول الله تعالى: ((أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)). أردت أن تختبر حملة الأقلام وأصحاب الفكر، إن كانوا أهلاً للدفاع عن الحقيقة وعن الهوية القومية العربية التي يستهدفها الغزو، ويهدد بمحوها. أردت أن تمتحن جرأتهم في فضح العدوان على الأمة، والتصدي له، وتوعية الأجيال العربية على أهدافه، وتعبئتها ضده. أردت أن تكشف مصداقيتهم، وقدرتهم على قول الحقيقة بأن النظام الوطني القومي في العراق كان على حق في كل ما قاله وفعله، وأن أعداءَه الذين تآمروا عليه وأسقطوه، كانوا على باطل، سواءٌ أولئك العملاء الطائفيون الذين حملتهم الدبابات الأمريكية، أو أولئك الذين يسمون مسؤولين عرباً من الذين فتحوا السماوات والأراضي والمياه العربية أمام قوات الغزو، وهم ليسوا أكثر من حجارة شطرنجية تلعب بها الأيادي الأمريكية والصهيونية. أو أولئك الغزاة أنفسهم الذين استهدفوا العراق ونظامه الوطني، ومشروعه القومي، لتدميره، خدمة لأهداف الصهيونية، والسيطرة على المنطقة العربية ونهب ثرواتها. أردت أن تفضح الطائفيين والمذهبيين العملاء، وتعريهم أمام شعب العراق والأمة العربية. أردت أن تكشف الصفويين الفرس وعملاءَهم، وأن تفضح كذب انتماءاتهم المذهبية، وأنها ليست أكثر من مطامع قومية فارسية في أرض العراق، وثارات تاريخية ضد العرب والعروبة. وأن تفضح ادعاءاتهم الكاذبة بمعاداتهم للإمبريالية الأمريكية، في الوقت الذي تواطئوا فيه مع الإمبريالية لضرب العراق واحتلاله، وتقسيمه إلى عرقيات ومذهبيات، لطمس هويته القومية العربية.

 

أراد القدر، وأردت، بغيابك أيها العزيز أن تختبر رجالك من أبناء القوات المسلحة العراقية الباسلة وفدائيي صدام، وأعضاء الحزب، وأصحاب الحملة الإيمانية، الذين أعددتهم جميعا لمثل هذا اليوم، أردت أن تؤكد بالفعل لا القول فقط، عبر التلاحم في ميدان المقاومة، مفهوم الترابط بين العروبة والإسلام، هذا الترابط الذي يترسخ بالدم اليوم دفاعا عن هوية العراق القومية العربية، وعقيدته الإسلامية.

 

وحين رفضت المساومة، وضحيت بالسلطة بكل مفرداتها، واخترت طريق المقاومة متحملاً كل تبعاتها متوقعاً الشهادة، وربما ساعياً إليها، - كما فعل ولداك وحفيدك، فنالوا رضا الله ورضاك، وتطهروا بدمائهم الزكية من كل إثم حاول أعداؤك أن يلصقوه بهم - أردت أن تكرس مفهوم الحكم الوطني والحاكم الوطني. وأن تعطي درساً لحكام هذه الأمة الذين اختاروا طريق الذل والخنوع والاستسلام، وتلطخت وجوههم بكل وصمات العار والعمالة، وأحنوا رؤوسهم ورقابهم لتذلها أحذية الغزاة الأمريكيين والصهاينة، وكل ذلك من أجل أن يحافظوا على عروشهم وكراسي حكمهم، وتمتعهم بنهب ثروات هذه الأمة، حتى لو كان ذلك على حساب كرامتهم وكرامة أمتهم، وتحت حماية حراب المحتلين وقواعدهم العسكرية.

 

باختيارك طريق العزة والكرامة، لم تفضح هؤلاء الحكام وتعريهم فقط أمام أمتهم وجماهيرها، بل أعطيت هذه الجماهير فرصة المقارنة بين ما يجب أن يكون عليه الحاكم من التصاق بإرادة هذه الأمة وحقوقها والتضحية في سبيلها، وبين من يضحون بالأمة وأرضها وكرامتها من أجل مصالحهم الذاتية.

 

وإذا كان القدر قد اختار لك الاعتقال بدل الشهادة ، فربما لتثبت بشموخك في الاعتقال، وتحديك للمحتلين وعملائهم - وهو ما بدا في اللحظات القليلة التي أطللت فيها على أبناء أمتك، وهو أيضاً ما ينقله محاميك الذي يلتقيك عن موقفك الثابت على الحق والمبادئ، وعن عزيمتك القوية التي لم تلن، وعن معنوياتك العالية التي تتحدى الأسر والآسرين، وهو أيضا ما يعترف به المحتلون ووسائل إعلامهم -  ..  بذلك أراد لك القدر أن تبقى رمزاً حياً تتطلع إليه الأجيال العراقية والعربية عموماً، وترى فيه مثلاً وعنوانا لتطلعاتها، ومحفزاً لها للاستمرار في نضالاتها على طريق القيم والمبادئ، تبادله رسائل الوفاء والصمود والمقاومة. وأن تراقب، في الوقت نفسه، وأنت في معتقلك ما يجري على أرض العراق، وما يشهد به الناس لك، وما يتذكرون به أيامك، ويتطلعون إليك، من أنك كنت صمام الأمان لوحدة العراق الوطنية، أرضاً وشعباً، التي يمزقها المحتلون وعملاؤهم اليوم، وأنك من ترفَّع عن الطائفية والمذهبية والعرقية، وأخرس كل دعاتها. وأنك من حمى هوية العراق القومية العربية، وحافظ على تاريخ العراق العربي وتراثه الحضاري، ومن أبقى مكانة العراق عالية بيد أبناء أمته العربية، وبين دول العالم، هذه الهوية التي تطمسها اليوم المذهبية الإيرانية من جهة، والعرقية التعصبية الكردية من جهة أخرى، لدرجة أن من نصبه الغزاة على رأس العراق اليوم، ومن عينوه ليمثل العراق في علاقاته العربية والخارجية، ليسا بعربيين، ومن سموه رئيساً لوزراء العراق ليس من أصول عربية أيضاً، وأن الدستور المؤقت الذي وضعوه للعراق لا ينص على أن العراق دولة عربية، فكيف ستكون الدولة العراقية عضواً في الأسرة العربية ومؤسساتها الرسمية، وبأي صفة سيحضرون اجتماعاتها، وبأي لغة ترى سوف يتحدثون، ولأي تاريخ أو تراث ينتمون، ولمن سيكون ولاؤهم، وكيف سيكونون أمناء على الأمن القومي العربي، وما الذي يمنعهم من أن يكونوا أدوات وحلفاء "لإسرائيل" وإيران في مطامعهما بالأرض العربية. وإذا كانوا قد خانوا العراق، وتآمروا عليه، وجلبوا له الاحتلال، فكيف سيفعلون مع بقية الأراضي العربية .. ؟؟؟ ألف سؤال وسؤال يطرحه الناس اليوم وهم يتذكرونك ويتطلعون إليك، أنت من بنى العراق العربي وجعله مفخرة للعرب، وأنت من وضع قوة العراق وثروته لمساعدة كل قطر عربي تعرض لعدوان، أو احتاج لعون مادي، وأنك أنت من كان عقبة في وجه الطامعين بأرض العرب من فرس وأمريكان وصهاينة.

 

أنت من حفظت أمن العراقيين وكنت الأمان لهم. أنت من وفّر لهم مستلزمات الحياة الضرورية من مأكل ومسكن وصحة وتعليم حتى في أحلك سنوات الحصار والعدوان التي طالت أكثر من ثلاثة عشر عاماً، أنت من صنع تاريخ العراق الحديث، علماً وعلماء، صحة وأطباء، طرقاً وجسوراً ومهندسين عظماء، أنهاراً وزراعة وصناعة وبناء ..  وكل ذلك يفتقدونه اليوم لأنهم يفتقدونك.

إن حضورك في أذهان الناس، بكل هذا التاريخ والتراث العظيم، وترجمة هذا الحضور بفعل مقاوم باسل على الأرض أعددت له قبل الاحتلال والاعتقال، وتتدافع له وعليه كل القوى والجماهير من باب الوفاء للعراق والعروبة. ولك وللمبادئ التي آمنوا بها معك،  ..  كل ذلك يجعل منك، حاضراً أو غائباً كنت، مشاركاً فيه بالممارسة العملية أو بالروح المعنوية ..  يجعل منك سوطاً مصلتاً على رقاب المحتلين وعملائهم، وطيفاً يؤرق حضوره ليلهم، ويقض مضاجعهم، ويزيد من بلبلتهم وحيرتهم، ويدفع العملاء للاختباء في جحورهم، ويضاعف من خسائر المحتلين المادية، ويضعف من روحهم المعنوية، حتى باتوا لا يدرون ماذا يفعلون، ولا كيف يخرجون من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، والمصيدة التي نصبتها أنت وشعبك وجيشك وحزبك لهم، حين أعلنت في الأيام الأولى للعدوان أن العراق سيكون مقبرة للغزاة.

فلك المجد أيها العزيز ..  ولأعدائك من الخونة والساقطين والمستسلمين الخزي والعار.

 

أيها الأخ الرئيس:

أبلغنا محاميك بعد لقائه الأخير بك، أنك تسأل عنا وتستفسر عن أحوالنا، نحن أصدقاؤك ورفاقك ومحبوك، نحن المؤمنون برسالة هذه الأمة ودورها الحضاري والإنساني. وأنك تسأل عن فلسطين وعن قضيتها، وماذا يجري على أرضها، وعن أحوال شعبها، وأنك تحييها ، وتحيي كل رجل وامرأة وطفل من أهلها وبنيها، وأنك مازلت تردد "عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر".

 

أسئلتك هذه أيها العزيز تؤكد على أنك تعيش معنا كما نعيش معك. وتفكر فينا كما نفكر فيك، وتؤكد أن ليس وضعك، ولا ظروف سجنك، ولا تصرفات سجانيك، ولا حتى عدم معرفتك لما يخبئونه لك ..  هو ما يشغلك ويحتل تفكيرك، وإنما أحوال شعبك العراقي والعربي، وظروف معيشتهم ومعاناتهم، وأخبار المقاومة الباسلة، ومواقف الشرفاء من أبناء هذه الأمة، ودورهم،  ..  هو ما يشغل بالك، ويسكن قلبك وعقلك.  ..  وأنت بذلك لا تجيب فقط على سر محبتنا لك، وتعلقنا بك، وإنما توجه إلينا، وإلى شعبك، وإلى كل أبناء أمتك، رسالة تدعونا فيها جميعا إلى مزيد من الصمود، ومزيد من الثبات على المبادئ، ومزيد من رفض الاحتلال بكل أشكاله، ومقاومته ..  وجوابنا على رسالتك: أننا لن نخيب ظنك، ولن نخذلك، وسنظل أهلاً لثقتك، وأننا على العهد باقون.

 

وإذا كنت تسأل عن فلسطين وأهلها، فإن كل فلسطين تسأل عنك، وتقف معك، وتدعو لك، وتحييك أينما كنت، وكيفما أنت، وترى فيك القائد العربي الأصيل، وفارسها المغوار الذي لم يترجل عن صهوة النضال، حتى وهو في غياهب الأسر.

 

سلام عليك أيها الحبيب، وإلى لقاء في رسالة قادمة، نختصر فيها قصتك مع فلسطين، وقصة فلسطين معك، لأنها طويلة وعميقة، ولن تتسع الرسالة لأكثر من بعض عناوينها، أما القصة كاملة فسيضمها كتاب أقوم بإعداده.

ولك المجد أيها الحبيب  .. . ولأعدائك الخزي والعار .. 

 

 





الاربعاء٠٩ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله الحوراني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة