شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل اكثر من شهر عقد مؤتمر القمة العربية في ليبيا وقرر ان يكون مؤتمرها القادم في بغداد تحت شعار "التضامن مع العراق الشقيق". في حين كان العراق قبل الاحتلال عدو مبين ويستحق الحصار وقتل مليوني عراقي تحت ذريعة امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل التي تبين لاحقا عدم وجودها باعتراف الامريكان انفسهم. حيث لم يعقد مثل هذا المؤتمر مرة واحدة في العراق طيلة فترة الحصار التي دامت 13 عام، بل ولم يقم حاكم عربي بزيارة العراق خشية من عقاب السيد الامريكي. وهذا يعني تعمد حكام الردة العرب نسيان حقيقة ان العراق الذين يسموه شقيقا محتل، وان الواجب القومي يتطلب تحريره، او على الاقل، تقديم الدعم والاسناد للمقاومة العراقية كي تتمكن من تحرير بلدها وليس العكس.


حين تجاهلنا هذا القرار رغم مرارته وما ينطوي عليه من فعل مشين، فمرد ذلك يعود الى عدم جدوى الحديث عنه، فحكام الردة العرب قد فقدوا الحياء والخجل منذ عقود، لكن تكرار مثل هذه الافعال المشينة في وقت ينزف فيه الشعب العراقي دما من جرائم الاحتلال وحكومته قلب علينا المواجع كما يقال. حيث بعث ممثلهم عمرو موسى قبل اقل من اسبوع برسالة الى رئيس الدولة العراقية المفبركة جلال طالباني، تمنى له كل التوفيق والنجاح في منصبه ودعاه الى "استكمال مسيرة البناء والإصلاح في مرحلة جديدة تتأسس على قاعدة من التوافق والشراكة الوطنية الحقيقية، وتمهد لانطلاق العراق نحو استعادة دوره الفاعل في محيطه العربي والإقليمي، ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة". وعمرو موسى هذا وقبله عصمت عبد المجيد لم يقم اي واحد منهما بزيارة للعراق في ظل الحصار على الاطلاق.
ما يقوم به حكام الردة العرب وجامعتهم المسخ ليست مصادفة عابرة ، وانما لها علاقة مباشرة بتطور الصراع الدائر بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال. فكلما تصاعد فعل المقاومة ضد قوات الاحتلال واصبحت في مازق تصاعد دور حكام الردة والجامعة العربية في دعم المحتل وحكومته العميلة. حدث ذلك في فترات متعددة. ففي عام 2005 وجراء اقتناع بوش باستحالة انهاء المقاومة عسكريا حسب تقاريرالقادة الميدانيين الامريكيين وغيرهم القابعين في وزارة الدفاع والمعاهد الاستراتييجية ومراكز الدراسات والابحاث، لجأ الى حكام الردة العرب لمساعدته على انهاء المقاومة بوسائل سياسية عبر تشجيع القوى والاحزاب المناهضة للاحتلال على الدخول في مصالحة مع احزاب الحكومة العميلة والانخراط في العملية السياسية، لبعث الروح فيها بهدف عزل المقاومة العراقية عن محيطها الشعبي ليسهل انهاءها عسكريا،. ولم تمض سوى ايام حتى ابتكر هولاء الحكام مسرحية بائسة اسند فصلها الاول الى سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية وفصلها الثاني الى عمرو موسى امين عام الجامعة لينتهي فصلها الثالث في القاهرة.


فالاول تباكى على عروبة العراق من الخطر الايراني، ونسى ان العراق كله في خطر وليس عروبته فحسب ، وان الجاني هو الاحتلال الامريكي ولولاه لما تمكنت ايران ولا غيرها من استباحة شبر واحد من ارض العراق او مد نفوذها داخل البلاد،. واخذ الثاني عمرو موسى على عاتقه اكمال ما بداه الفيصل ، فقام بزيارة الى بغداد لهذا الغرض وافلحت جهوده في اقناع بعض القوى المحسوبة على معسكر المقاومة لحضور مؤتمر المصالحة الذي شهد مبنى الجامعة العربية في القاهرة انعقاده وبحضور الرئيس حسني مبارك.


بعد فشل هذه المحاولات اوكلت المهمة الى مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الرياض، وتصدى لانجاحها هذه المرة الملك عبد الله ملك السعودية وبطريقة مسرحية تنطوي على قدر من الخداع والتضليل، حين اعلن عن "اكتشافه الخطير" بان العراق محتل وعلى القمة العربية ان تجد حلا لانهاء الاحتلال والبحث عن وسيلة لسحب القوات المحتلة وفق جدول زمني،وكما يقال "جاء يكحلها عماها"، فالملك "المغوار" وحكام الردة لم يطالبوا المحتلين بالرحيل، لا دفعة واحدة ولا ضمن جدول زمني، وانما دعا "القادة العراقيين" من احزاب السلطة ومن خارجها الى عقد اجتماع في الرياض لاجراء مصالحة فيما بينهم عبر اعادة تقسيم الحصص بالتساوي حتى يضمن بوش نجاح العملية السياسية، ولولا تمسك عملاء الاحتلال بمكاسبهم ورفض تقاسمها مع الاخرين لنجح هذا المشروع وخلق بدوره ارباكا في صفوف العراقيين الامر الذي سيعرقل مسيرة المقاومة العراقية باتجاه تحرير العراق.


وفي عام 2006 وحين اصبحت هزيمة امريكا في العراق امكانية قابلة للتحقيق قام ديك شيني نائب رئيس بوش بزيارة الى السعودية ومصر ، استهدفت بالدرجة الاولى ارسال قوات عربية واسلامية الى العراق ، وقد اكد ذلك الجنرال حينها مارك كيميت نائب مدير التخطيط العسكري في القيادة الامريكية المركزية في مؤتمر صحفي عقده في لندن مع صحفيين عرب بـقوله، "ان مشروع ارسال قوات حفظ سلام عربية للمساهمة في نشر الامن في العراق يبحث حاليا في القيادة الامريكية" ، واضاف "ان هذا المشروع طُرح سابقا من الجانب السعودي وان اي اجراء مفيد للعراق سيتم الترحيب به من جانب قوات التحالف" . وكانت وزيرة الخارجية الامريكية حينها كونديليزا رايس قد زارت دول المنطقة قبل هذا التاريخ لذات الغرض.


ضمن هذا السياق ياتي قرار حكام الردة العرب بعقد هذا المؤتمر في العراق وتقديم كل ما من شانه مساعدة الولايات المتحدة الامريكية وتمكينها من تكريس احتلالها للعراق، خصوصا في هذه المرحلة بالذات، حيث الرئيس الامريكي باراك اوباما اصبح بحاجة ماسة لمثل هذا الدعم والاسناد جراء انسحاب قواته من المدن العراقية وذلك لتمكين الحكومة المقبلة من الوقوف بوجه المقاومة العراقية ولكي تعيش هذه القوات المنسحية بامان في قواعدها العسكرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها..


ما حدث ويحدث ليس غريبا فبكل بساطة من الصعب على التابع ان يعاكس متبوعه، خصوصا وانها تبعية وصلت حد العبودية، سواء السياسية منها والاقتصادية، لان حكام الردة العرب رهنوا بلدانهم وثرواتها وقدراتها ومكانتها الاستراتيجية في المنطقة وحتى عوائد النفط بامريكا على وجه التحديد، الامر الذي وصل حد السكوت على اي عدوان ضد اي بلد عربي، في حين تدين بعض الدول مثل هذا العدوان وهي غير عربية ولا اسلامية. ومن الجدير هنا الاشارة الى ما ذكره الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بهذا الخصوص، وكيف اجبر باول الحكام العرب والجامعة العربية على الاعتراف بالاحتلال، وبمجلس الحكم المقبور واعتباره مجلسا شرعيا، حيث دعا السفراء العرب وقال لهم "بان هذا المجلس اكثر شرعية من حكوماتكم فلا تزاودوا علينا بين الحين والحين وما عليكم الا الاعتراف به لكي يتسنى تسويقه الى الامم المتحدة والاعتراف به من قبل مجلس الامن". وهكذا، كما يقول هيكل، فان الحكام العرب والجامعة العربية اعترفوا بشرعية المجلس ولحسوا تصريحات الامس التي وصفوا فيها مجلس الحكم بانه غير شرعي ولا يمكن للجامعة العربية وفقا لميثاقها الاعتراف به.


ان الانظمة العربية دون استثاء هي انظمة دكتاتورية وقمعية، وان اختلفت في الطريقة والاسلوب، وان حكامها المستبدون لاهم لهم سوى البقاء في السلطة وتوريثها لاولادهم واحفادهم، ومن اجل ذلك فهم مستعدون لارضاء واشنطن وتل ابيب حتى اذا تطلب الامر منهم تغييركل شيء بما فيه حذف ايات من القران الكريم. وعليه فان الطريق لتغيير هذا الواقع لا يحدث بتوجيه اللوم والانتقاد او تقديم النصائح او عبر المناشدة والمطالبة او غيرها، او حتى عبر ممارسة الضغوط المختلفة ، وانما يتطلب اسقاط هذه الانظمة وتحطيم كافة مؤسساتها القمعية. وفي هذا الصدد فان من المفترض ان يتحول الغضب المكبوت، الى تحرك جماهيري واسع والتحضير لانتفاضات شعبية تشمل الوطن العربي باكمله ، خاصة وان الظروف اصبحت مهياة للقيام بهذا الفعل . فظلم حكام الردة جاوز المدى والفجوة بينهم وبين شعوبهم تزداد اتساعا، في حين يغوص حماتهم الامريكان في وحل العراق اضافة الى استمرارالمقاومة الفلسطينية رغم كل الصعوبات والمحن.


ولكن هذا ليس كل شيء فتجربة المقاومة العراقية العملاقة، قد شكلت راس الحربة في مسيرة التحرير، وبدات نيرانها المستعرة تمتد خارج حدود العراق، وهذه فرصة نادرة بل وتاريخية يمكن استغلالها وتوظيفها لصالح نضال الشعب العربي في انجاز مهمة التغيير، الامر الذي يتطلب من جميع القوى والاحزاب في الوطن العربي مد الجسور معها والالتحام في خندقها والاستفادة من تجاربها لخلق حالة ثورية من نمط جديد، يكون عنوانها القيام بالهجوم المعاكس ضد هذه الانظمة البالية. وكما اكدنا في السابق فانه لم يعد هناك عذر او مبرر يمنع هذا التوجه مهما كانت الة القمع للانظمة العربية قاسية وشديدة ، فهي مهما بلغت من القسوة فانها لن تصل الى مستوى الة المحتل القمعية في العراق، حيث هناك لا يزال اكثر من 100 الف جندي امريكي و 200 الف مرتزق، اضافة الى قوات ايرانية بلباس مدني، ناهيك عن المليشيات المسلحة من عرب وكرد يتجاوز عددها مئات الالوف، ومع ذلك فالمقاومة العراقية تحقق الانتصار تلو الاخر واضعه هذه الجيوش الجرارة في مازق حرج لن تخرج منه الا بالانسحاب الكامل غير المشروط او تواجه هزيمة منكرة.


اما من جانب المقاومة العراقية فمن حقها ان تقول للحكام العرب، لقد ساعدتم في ذبح العراق وتدمير دولته وحل جيشه ومؤسساته الامنية ، وعرضتموه الى مخاطر التقسيم وتمزيق وحدته الوطنية وسكتم عن الاحتلال ، بل واعترفتم به واضفيتم صفة الشرعية عليه ، هذا العراق الذي تتامرون عليه ، قاتل على امتداد الوطن العربي من اجل قضايا الامة ، وقدم كل ما بوسعه لمساعدتكم وكان الاجدر بكم ان تردوا التحية بمثلها اواحسن منها ، وتساعدوا المقاومة على تحرير العراق ، واذا كنتم عاجزين عن فعل ذلك او حتى الوقوف على الحياد ، فالزموا الصمت كاضعف الايمان. وبهذا الصدد ليس امامنا هنا الى ان نحذركم من ارتكاب جريمة اخرى بحق العراق واهله، فالمقاومة الوطنية العراقية العراقية، كما سمعنا ، قد اتخذت قرارها بمعاقبة اي نظام يقدم الدعم والاسناد لحكومة الاحتلال ، فهذه المقاومة الباسلة التي استطاعت ان تمرغ انف اكبر قوة عسكرية في التراب وتضعها على طريق الهزيمة عاجلا ام اجلا ، فانها قادرة بكل تاكيد على معاقبة كل حاكم تسول له نفسه حضور مؤتمر القمة اللاعربية في بغداد وقد اعذر من انذر.

 

 





الثلاثاء٢٤ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة