شبكة ذي قار
عـاجـل










سكن هم التواصل والتضامن العربي – الأفريقي وجداني منذ الطفولة حين شاءت الأقدار أن أولد في حاضرة أفريقية إسلامية كبيرة هي تومبكتو في مالي التي كانت تسمى سابقاً بالسودان الفرنسي تمييزاً له عن السودان الحبيب الذي نلتقي في ربوعه اليوم، وسرت في عروقي منذ الولادة دماء عربية أفريقية من والدة مغربية كنت ألجأ إليها سائلاً مستوضحاً في كل مرة أسمع منها عن خبر من أخبار الكفاح من أجل الاستقلال أو الحرية في هذا البلد الأفريقي أو ذاك.


ولقد نشأت وأنا أتابع نضال الأفارقة، العرب منهم وغير العرب، من أقصى الجنوب الأفريقي إلى دول الشمال الأفريقي، فهزني، وأنا فتى، استشهاد باتريس لومومبا في أوائل الستينات على يد مؤامرة استعمارية كانت تستهدف تمزيق أفريقيا عبر تمزيق قلبها في الكونغو، وتذكرت معه قادة ومجاهدين عرب كبار استشهدوا مثله، قبله، كما بعده، على يد قوى الاستعمار والصهيونية.


ورأيت في الأسلوب الاستعماري المعتمد لتقسيم القارة الأفريقية وتقاسم دول الغرب الاستعماري لبلدانها، ثم بتقسيم كل دولة منها على حده وبشكل عشوائي ومنظم في آن، تكراراً للأسلوب المعتمد في الأمة العربية، حيث بدأ التقسيم والتقاسم مع سايكس بيكو وما زال مستمراً تفتيتاً وتمزيقاً وإثارة لعصبيات عرقية وطائفية ومذهبية.


كما لاحظت أن غزو موسوليني الفاشي لأثيوبيا في أواسط الثلاثينات من القرن الماضي شبيه إلى حد كبير لغزو بوش العنصري للعراق في أوائل هذا القرن، بل لقد سمعنا من بوش قبل سبع سنوات كلاماً في تبرير حرب العراق مماثلاً لكلام ذلك الفاشي الخطير قبل سبعين عاماً في عدوانه على الحبشة.


ولقد لمست طيلة هذه السنين في نظام الأبارتايد الصهيوني في فلسطين بصمات نظام الأبارتايد العنصري في جنوب أفريقيا، بوحشيته وجرائمه ومعتقلاته وكانتوناته ومستعمراته وجداره العنصري وحصاره الإجرامي المستمر.


كما قرأنا في حرب البوير الممتدة لسنوات ملامح ثورات التحرر في بلادنا العربية، مثلما عشت مع معاناة كل بلد أفريقي، معاناة بلادنا العربية، بلداً بلداً، من مجازر إبادة جماعية لأبنائها، ومن نهب جماعي لمواردها، وسلب متواصل لإرادتها وتصميم غير عادي على طمس هويتها وتدمير لحضارتها وثقافته.


لقد فهمت في ضوء ذلك كله معنى العبودية التي أراد الغرب الاستعماري من خلاله أن يحوّل هذا الكوكب البشري، وتحت عناوين مختلفة، ومسميات عديدة إلى فسطاطين، فسطاط للسادة في الشمال، وفسطاط للعبيد في الجنوب.


ولكن الآلام لم تكن وحدها هي التي جمعتنا بالأفارقة الأحرار، بل أنها الآمال أيضاً في أن نكون معاً أشد المكافحين من أجل عالم أكثر عدلاً، وأكثر توازناً، وأكثر حرية.. لأننا نحن أكثر المتضررين من عالم الأمس البعيد والقريب والممتد حتى اليوم.


ولم تكن عذابات الماضي والحاضر وحدها التي تجمعنا، بل كانت تحديات المستقبل أيضاً، فحين يجتمع العرب والأفارقة، ومعهم شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية وأحرار أوروبا وأمريكا من أجل الاستقلال والوحدة والتنمية والعدالة والتقدم، فأن قوى الهيمنة والاستغلال والاحتكار والعنصرية تؤول إلى زوال حتماً.


من هنا نفهم هذا الإصرار الاستعماري المتواصل على إقامة الحواجز بين العرب والأفارقة، كما بين الأفارقة أنفسهم، وبين العرب أنفسهم، ولعل اجتماعنا في السودان اليوم يهدف، فيما يهدف، إلى أن يبقى جسر التواصل بيننا مستمر من خلال هذا البلد الذي يعتز بعروبته كما بأفريقيته، بعقيدته السمحة كما بتنوعه الغني، والذي تسعى المؤامرة الاستعمارية إلى تقسيمه وتمزيقه لتضرب أهم معبر للتفاعل والتكامل الحضاري والثقافي والاستراتيجي والاقتصادي بين العرب والأفارقة.


وقد فتحت أخطاؤنا كحكومات أو أفراد على مدى العقود الماضية ثغرات سمحت لأعدائنا المشتركين أن ينفذوا منها ليعمقوا روح التنابذ والتنافر بيننا، ولكن أين هذه الأخطاء من خطايا هؤلاء الأعداء وجرائمهم بحقنا كعرب وأفارقة، وبالتالي فنحن مدعوون كي لا نسمح بأن تكون تلك الأخطاء المتناثرة فرصة لتحقيق أغراضهم ومخططاتهم.


أننا نغتنم هذه الفرصة لنعلن تضامننا مع السودان الشقيق، رئيساً وقيادة وأحزاباً ومجتمعاً بوجه كل محاولات ضرب وحدته، وزعزعة استقراره وتعطيل دوره، كما لنوجه نداء أخوياً صادقاً لأهلنا في جنوب السودان، وهم أهل لنا وشركاء مصير، لكي يتنبهوا إلى مخاطر الدعوات التي تحرضهم على الانفصال، وأن يتعمقوا بدراسة سلبياته الكبرى على مستقبلهم ومستقبل أولادهم، وأن يدركوا أن الانفصال ليس حلاً في السودان، ولا في غير السودان، خصوصاً أننا نعيش في عصر تتجه فيه دول كبرى وقارات إلى التكامل والوحدة، وهنا نسأل واشنطن إذا كانت قبلت بانفصال الولايات الجنوبية عنها قبل 150 عاماً، وهل تقبل اليوم بانفصال ولايات الساحل الغربي أو الشرقي، ونسأل فرنسا إذا كانت تقبل بانفصال مقاطعات وجزر تنكر عليها اليوم حتى حق تعليم لغاتها الأم لأبنائها، ونسأل إسبانيا إذا كانت تقبل بانفصال الباسك، ونسأل بريطانيا إذا كانت تقبل بانفصال ايرلندا الشمالية، ونسأل ونسأل ونسأل: لماذ يريدون دائماً لشعوبنا أن تحترق بآتون الانفصال والتجزئة، فيما ينعمون هم بنعيم التكامل والوحدة.


الأخوات والأخوة المشاركون


حين تدارسنا في المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن مع عدد من الأخوة الأعزاء في السودان وعلى رأسهم الصديق الغالي الدكتور قطبي المهدي رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، فكرة عقد هذا المؤتمر العربي – الأفريقي في الخرطوم، قبل سنتين ونيّف، وحين عرضنا الأمر قبل أشهر على فخامة الرئيس المشير عمر حسن البشير ونائبه الشيخ علي عثمان طه وعلى الأخوة في القيادة السودانية ووجدنا منهم تجاوباً طيباً تسارعت خطواتنا للتحضير لهذا الاجتماع الذي حرصنا أن يكون إطاراً لحوار عميق وعلمي وشامل للقضايا المشتركة، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، يسهم فيه أصحاب اختصاص وخبرة، وأهل فكر ونضال من الدول العربية والأفريقية، لكي نفتح لهذه العلاقات أساساً قوياً على مستوى الشعوب لا الحكومات فقط، وعلى مستوى الرؤى والمصالح الإستراتيجية لا على أساس الحسابات الآنية والمصالح العابرة.


ومن هنا فنحن نطمح أيضاً لأن يكون هذا المؤتمر هو خطوة أولى على طريق وضع مشاريع وبرامج مدروسة ولصياغة أطر وآليات عمل دائمة، مع الحرص الشديد أن لا يكون هذا الجهد الهام قفزة في الهواء أو مبادرة تنتهي مع نهاية هذا اللقاء.


كما نطمح أن يكون هذا المؤتمر فاتحة خير لمؤتمرات مماثلة للتواصل والتضامن بين العرب والأمم الأخرى في العالم، مؤتمرات مستمدة من روح اجتماع باندونغ في أواسط خمسينات القرن الماضي التي أسست لمرحلة من التحرر والاستقلال الوطني عمت العديد من بلداننا العربية والأفريقية والآسيوية، والتي وضعت الأسس لعالم لا يقتصر القرار فيه لقطب أو قطبين أو حتى عدة أقطاب فقط بل للعالم، بل يصبح فيه للقطب الشعبي، قطب الرأي العام الدولي، قطب المجتمع المدني العالمي تأثير وفعالية في صياغة نظام جديد للعالم، يقوم على قوة الحق لا حق القوة.


وفي الختام فإننا نرحب بمشاركتكم ونقدر تجشمكم مشاقة السفر من بلادكم إلى السودان العزيز الغالي، كما نشكر جهد كل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء وفي وقت استثنائي، وفي المقدمة منهم الأخوة في اللجنة التحضيرية في السودان وإدارة المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، وكل المؤتمرات والاتحادات والقوى التي أعطت بحضور قادتها لهذا المؤتمر بعداً شعبياً حقيقياً، كما للشخصيات السياسية والعلمية التي أضفت على هذا المؤتمر طابعاً علمياً نحتاجه في كل مناسبة.

 

 





السبت٢١ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة