شبكة ذي قار
عـاجـل










أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية شهر اّب الماضي اتمام انسحاب قواتها العسكرية من العراق ، وإبقاء ما يقارب الخمسين ألفا من الجنود في القواعد العسكرية المحصنة قرب المدن الرئيسية ،أو في المواقع الاستراتيجية التي تم اختيارها لتكون هذه القواعد مهيأة وبشكل دائم لاستقبال آلاف الجنود اذا ما دعت الحاجة إلى ذلك على أن تغطي هذه القواعد أكثر من تسعين بالمئة من أراضي العراق تحت حجة تدريب القوات العراقية التي لا تزال بحاجة إلى الخبرة العسكرية الامريكية في كثير من امورها التدريبية والعملياتية ولكي يكون سبيل تحليلنا لمقولة الانسحاب العسكري الامريكي من العراق مبنيا على حقائق ومعطيات موضوعية لا بد لنا من اتباع المنهج التكتيكي والاستراتيجي العسكري لتحليل هذا الطرح ، ولكي نضمن سلامة المنهج لابد لنا أيضا من القاء نظرة دقيقة على مختلف جوانب الموضوع شريطة أن تكون هذه النظرة متوازنة من حيث ابراز الخلل الذي يعتريها من النواحي العسكرية .


مصطلح الانسحاب في الفقه العسكري يعني اخلاء منطقة ما من جميع المظاهر العسكرية بكل وحداتها وعتادها والغاء خطوط تموينها إما اختيارا أو إكراها ، وإذا ما بقيت أية قواعد خلفية بعد الانسحاب حتى ولو لفترة محددة بدواعي الأمن أوالاحتياط فلا يقال عن ذلك انسحابا قد يسمونه إعادة انتشار أو تغييرا تكتيكيا أو تكثيفاً للوحدات النارية في نقاط محددة قد يسمونه بأي اسم ولكن لا يمكن أن يسمى ذلك انسحابا
ابقاء خمسين ألفا من الجنود الأمريكيين في العراق ومن نخبة هذا الجيش في اثنتين وتسعين قاعدة محصنة الكترونيا يعني أن ارض وسماء العراق لاتزال مضروبة ناريا كما اصطلح ذلك في مبادئ العلوم العسكرية ومغطاة أمنيا و هي بالمحصلة ساقطة عسكريا.


أضف إلى ذلك أن كل وحدة عسكرية من الوحدات الباقية على أرض العراق لها وحدات دعم أو اسناد أو إلحاق ، وغالبا ما تكون هذه الوحدات خارج الحدود و لكنها جاهزة دائما لدعم القواعد الباقية داخل حدود العراق وهذا الدعم يشمل وحدات من الطيران و الصواريخ و المدفعية و القوات الخاصة ، فإذا ما أضفنا أعداد هذه القوات الداعمة إلى الأعداد الباقية في القواعد فإننا نحصل على أضعاف الخمسين ألفا المعلن عنها .


إن محاولة تصوير انسحاب الجيش الأمريكي من العراق بأنه الخطوة الأولى للانسحاب الكامل في ألفين وأحد عشر وهم و خداع لا يمكن أن يصدّقه إلا المغفلون والجاهلون بالمنهج الإستراتيجي الأمريكي ذلك أن القوات المنسحبة قد أعادت انتشارها بالمياه


والدول المحيطة بالعراق من الخليج العربي إلى دول الخليج وصولا إلى أفغانستان ، أي أن العراق قد طُوّق من كل الاتجاهات ، وسوف يكون عرضة لأي تدخل مباشر، و خلال دقائق إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك


لقد فات المطبلون والمزمرون للانسحاب الأمريكي من العراق أن المدن الرئيسية و المواقع الحكومية ولاسيما السفارتين الأمريكية و البريطانية و الوزارات و المؤسسات الحكومية العراقية تخضع لسيطرة و مراقبة مئة و خمسين ألفا من مرتزقة الشركات الأمنية على غرار شركة (بلاك ووتر)الذين يرتدون ألبسة مدنية ويتجولون بالشوارع في عربات كتب عليها و بالخط الواضح (صحافة ) ،(مراسلون ) الخ .. هؤلاء المرتزقة جاهزون لقتل و تدمير ما يطلب منهم على وجه السرعة كما حدث في الفلوجة و بغداد وغيرهما من مدن العراق .


أمام كل هذه الحقائق يبرز السؤال التالي : لماذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية اذا لتخفيف عدد جنودها في العراق ؟ وفي الإجابة نقول إن حرب الاستنزاف التي اضطرت الجيوش الأمريكية إلى مواجهتها بفعل ضربات المقاومة العراقية ومنذ الأسبوع الأول للاحتلال ، والتي وصفها الخبراء العسكريون بأنها المقاومة الأخطر في تاريخ العسكرية الأمريكية بعد تجربتها في فيتنام هي التي استنزفت هذه القوات ، وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح و المعدات وهذا باعتراف الجنرالات الأمريكيين الذين أدلوا بشهادتهم أمام الكونغرس .


نعم لقد اعترف هؤلاء الجنرالات أن المقاومة العراقية نجحت والى حد كبير في فرض نوع المواجهة ، لم يكن الأمريكيون ليضعونها في حسبانهم . لقد استطاعت هذه المقاومة تحييد قوة النيران الهائلة التي تمتلكها تلك القوات وشلّت فعاليتها وأجبرتها على تغيير أنماط استجاباتها و الرضوخ للتغيير الجيو - استراتيجي الذي فرضته ظروف المواجهة ان في استخدام أسلحة القنص أو زرع العبوات الناسفة في الطرق و الممرات والتي دمرت ثلاثة أرباع آليات الجيش الأمريكي .


ستضطر الولايات المتحدة الأمريكية الى ايقاف مناوراتها الكاذبة بسحب قواتها من العراق وستجد نفسها مكرهة على سحبها فعلا ولن يتم ذلك إلا بانتصار المقاومة العراقية الباسلة في سياق نضالها التحرري من أجل تحقيق غاياتها الوطنية أولاً، والمساهمة من ناحية أخرى في عملية اعادة الروح الى أمتها العربية وما عدا ذلك فوهمٌ و الأوهام لا تعمر طويلا.

 

 





الجمعة٢٠ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوسف الأسعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة