شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يختلف اثنان على حق الإنسان أو الجماعة أو الشعب في التصدي لأي اعتداء خارجي قد يقع عليه بغض النظر عن حجم هذا الاعتداء أو مكانه أو زمانه ، فقد اتفقت جميع الشرائع ، السماوية والوضعية ، على أن هذا الحق هو حقٌ طبيعي و مشروعٌ وأبدي ولا يرتبط بزمان بعينه ولا بمكان محدد ، فهذا الحق يرتبط بوجود الإنسان وبقائه وينتهي بانتهائه و فنائه عن هذه الأرض ، ولهذا فان للإنسان ، فرداً كان أو جماعةً ، الحقّ بالدفاع عن نفسه أو عن جماعته التي ينتسب إليها ووطنه الذي ينتمي إليه بكافة وسائل الدفاع والتصدي ، وأيا تكن هذه الوسيلة التي يختارها فأنها تعد مقاومة مشروعة تستمد مشروعيته من كونها وطنيةً أو قوميةً أو ذات مرجعية عقائدية ، من دون أن نُسقِط من الاعتبار بأن شرف الوسيلة من شرف الغاية ، فهي دفاع عن أرضٍ محتلة أو شعبٍ مقهور ، وهذا هو ما يميزها عن الأعمال التي يقوم بها الإنسان لغايات النهب أو السلب أو لجرّ الغنائم .


على أن للمقاومة أشكالا متعددة ، قد يجترحها الإنسان أو الجماعة في مواجهة عدوه وغاصب أرضه ، في سبيل دفاعه عن وطنه وقضيته ، إلا أن ذروة سنامها هي المقاومة المسلحة ، لكونها تعدّ التعبير المباشر للتصدي والرفض ، ولكونها تضع في مقدمة تضحياتها أغلى ما يجود به الإنسان ، وهي روحه . وهذا من غير أن نسقط من الاعتبار أهمية وضرورة كافة أشكال المقاومة المدنية وتعبيراتها المختلفة ، التي يمكن من خلالها إسناد الفعل المسلح ودعمه .


فكما هو معروف فان فعل الاعتداء الذي يقوم به المحتل أو الغازي على أية ارض وضد أي شعب ، قد شكل على مر العصور قوة دافعة لتشكيل حركات شعبية للدفاع عن هذه الأرض وذلك الشعب ، وقد تبلور لدى معظم هذه الحركات بل أكثرها فكر المقاومة وثقافتها بعد وقوع فعل الاحتلال وليس قبل ذلك ، بل إن فعل المقاومة من دحر الاحتلال وعملائه وأدواته وغيرها من أفعال يظهر قبل ظهور فكرها وثقافتها كردّ طبيعي ومباشر على الاعتداء ، بل إننا نرى أن فعل المقاومة شكل رافداً هاماً للفكر المقاوم ولثقافة المقاومة في كثير من حركات التحرر الوطني التي شهدتها البشرية على مر العصور ، فالمشاعر الإنسانية التي يوفرها المخزون الديني والوطني والقومي كحب الوطن والدفاع عن ارض الأجداد وصونها من كل محتل غاشم وحب الاستشهاد هي من حرّك هذا الإنسان ودفعه لحمل السلاح و تقديم روحه فداءاً لذلك .


إن من شأن الفعل المقاوم ذي الطبيعة التراكمية والذي يسير بوتيرة منتظمة دون أي انقطاع من شأنه أن يبلور ثقافة المقاومة لدى الشعوب ، وهو ما يسهم في تشكيل قوة منظمة تؤمن بالعمل الممنهج في مواجهة الاحتلال وأدواته ، معبراً عنها بالفصائل المسلحة التي تنتمي إلى مختلف المرجعيات الفكرية والسياسية .


وفي ذلك يقول الأستاذ سمير الجز راوي : أن جميع أنواع المقاومة تقوم فكراً وثقافةً وعملاً بعد الاحتلال ، وان قيادات المقاومة إما من رموز نضالية في الشعب أو الأمة أو أحزاباً مؤثرة في المجتمع , تتبلور عندها فكر وثقافة المقاومة بعد ممارستها لفعل المقاومة" . فالمقاومة الفلسطينية البطلة وبكل فصائلها تشكلت فكراً و كفاحا بعد الاحتلال الأجنبي لفلسطين سواء البريطاني ومن بعده الكيان الصهيوني ، وبالرغم من الخلفيات السياسية والفكرية التي ساهمت في تكوين ثقافة المقاومة الفلسطينية ومن خلال ممارستها للفعل المقاوم ضد الصهاينة, بدأت هذه الفصائل المقاومة تتخندق سياسياً وتتبلور ويظهر لكل فصيل منها فلسفة جديدة للمقاومة. وهذا ينطبق أيضا عل المقاومة الجزائرية التي قدمت فعلاً مقاوماً أسطوريا في مواجه الاحتلال الفرنسي .


إلا انه وبعد الاحتلال الجديد لأرض العرب المتمثل باحتلال العراق وما وقع على أرضه وشعبه من موجات إبادة منظمّة باسم الحرية ودفاعاً عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية ، وقع بالموازاة مع ذلك تدمير البنية التحتية لمؤسسات الدولة بالإضافة إلى اغتيال العلماء العراقيين واغتصاب النساء العراقيات ، وقد أطل من خلال هذا الواقع الأليم على الشعب العربي في العراق حركة مقاومة شعبية بسرعة أذهلت الجميع ، الصديق قبل العدو ، شكلّت سرعة ظهورها سابقة في تاريخ النضال الإنساني للاحتلال مما لم تشهده أية حركة للتحرر الوطني التي ظهرت على مدار التاريخ ، خاصة أنها ظهرت في ظرف إقليمي ودولي متواطئ ومتخاذل ، وأشد ما يثير الأسى والأسف أن المحيط العربي قد تحوّل ليكون عبئاً على المقاومة العراقية بدلاً أن يكون عوناً وسنداً لها ، ولن ننسى الدور الإعلامي المسفّ الذي مارسته مختلف الجهات الإعلامية الرسمية والأهلية التي أسهمت في تضليل المواطن العربي وخلق هوّة واسعة بينه وبين هذه المقاومة العربية الشجاعة .


إن سرعة قيام هذه المقاومة الباسلة وتطورها وفي ظل الظروف الإقليمية الضاغطة غير المواتية جعلها مدار بحث ودراسة من أجل التعرف على هويتها والقوى التي تقف ورائها بل أن الكثير من الباحثين دخل في مقارنتها مع الكثير من حركات التحرر العالمية ، كالتي ظهرت في فيتنام وهزمت الجيش الأمريكي أو المقاومة العربية في الجزائر ولبنان وفلسطين ، إلا أن جميع هذه المقارنات والدراسات لم تستطع أن تقف على حقيقة ما يميز المقاومة العراقية عن غيرها ، وذلك لأن غالبية الباحثين عندما قاموا بدراستها قاموا بذلك من تاريخ أول عمل مسلح بمواجهة الاحتلال الأمريكي بتاريخ 10-11/4/2003 معتبرين أن هذا التاريخ هو تاريخ بدء المقاومة وانطلاقتها ، وهذا خطأ فادح وقع بعضهم فيه بحسن نية. فنحن نرى أنه ولكي نقف على حقيقة المقاومة العراقية يجب علينا أولا أن نربطها مع مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق ، أي أن تبحث في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي لعراق ما قبل الاحتلال. هل كان هذا الواقع يدفع بالشعب العراقي للمقاومة أم للاستسلام ؟ هل الثقافة المتشكلة لدى المواطن العراقي هي ثقافة المقاومة أم ثقافة استسلام ؟ هل قام النظام الوطني في العراق قبل الاحتلال بإعداد الشعب العراقي للدفاع عن نفسه بعد الاحتلال؟


في حقيقة الأمر إننا نرى أن النظام الوطني في العراق ومن خلال حزب البعث العربي الاشتراكي استطاع يعدّ الشعب العراقي لمعركة ما بعد الاحتلال إعداد حقيقيا وشاملا وذلك من خلال :


1- أن حزب البعث استطاع من خلال حكمه للعراق أن يسهم في جعل ثقافة المقاومة جزءاً من شخصية الإنسان العراقي ، فقد تربى هذا الإنسان على الشجاعة والكرامة والشهامة وحب الوطن والغيرة على الماجدة العراقية والعربية ، حتى أصبحت الشخصية العراقية معروفة بهذه الصفات ،فكان من الصعب على الشخصية العراقية تقبّل فكرة دخول المحتل إلى وطنه وتدميره .


2- إن ثقافة المقاومة موجودة في أدبيات حزب البعث و أفكاره ، وحيث أن معظم أبناء الشعب العراقي كانوا جزء من مؤسسات الحزب فقد نهلوا من ثقافة وأدبيات الحزب ما كان لهم عوناً في معركة ما بعد الاحتلال .


3- إن شخصية الجندي العراقي ومن خلال مشاركته بالدفاع عن أرض فلسطين وخوضه الكثير من المعارك البطولية جعل ثقافة المقاومة جزءاً من شخصية الجندي العراقي .


4- إن النظام الوطني في العراق عمل على تدريب الجيش العراقي وقواته المسلحة الأخرى وقوى الأمن والمنظمات الشعبية على القتال واستخدام السلاح استعداداً للحرب الشعبية ، خاصة أنها تدربت على القتال بكافة أشكاله أثناء الحرب مع إيران ، ومن خلال الجيش الشعبي الذي كان عبارة عن قوات مسلحة شعبية مدربة على حرب العصابات والأسلحة الخفيفة والمتوسطة ومقاومة الطائرات والدروع ، كما أنه وقبل الغزو بسنتين بدء بتحويل قطاعات كاملة من الجيش إلى قوى لخوض حروب العصابات والمدن، وتدربت على صنع المفخخات والقنابل المحلية الصنع .


5- إن النظام الوطني في العراق درّب ما يزيد عن عشرة ملايين عراقي على السلاح وأدخلتهم في دورات تدريبية متعددة ، وتخصّص بعضهم في فنون حرب الشوارع ومقاومة الطائرات والدروع ، ووزّع الملايين من قطع السلاح وعتاده على المواطنين، حتى أصبح العراق أكثر دولة في العالم يحمل فيها المواطنين السلاح ، بالإضافة إلى أنه وفر احتياطي بشري يزيد عن ثمانية ملايين عراقي يتقنون فنون القتال في كافة الظروف والأوقات ، وإنهم اكتسبوا هذه الخبرة من خلال الحرب الحقيقية والقاسية التي خاضوها مع إيران ، سواء في خدمتهم العسكرية أو من خلال قواطع الجيش الشعبي التي كانت ترسل لمقاتلة إيران .


6- إن النظام الوطني في العراق وبعد أن أيقن أن الحرب واقعةً لا محال وأنها حرباً شاملةً بريةً وجويةً وليست جوية فقط ، كما جاء العدوان الثلاثيني 1991، أمر ببناء تنظيمات شعبية مسلحة كفدائيي صدام و جيش القدس ، وتنظيمات سرية موازية مثل تنظيم حزبي سري ، جهاز مخابرات متطور ، علماء متخصصون بصيانة الأسلحة والمعدات العسكرية ، خبراء في حروب العصابات ، وان كل هؤلاء تم انتقائهم بدقة وسرية كاملة من قبل الشهيد صدام حسين ودون معرفة أكثر أعضاء القيادة ، كما خصصّ مبالغ مالية كبيرة لتغطية النفقات الباهظة للحرب السرية .

 

7- إن النظام الوطني في العراق عمل على إنشاء مصانع لغايات التصنيع العسكري ، والذي لم يكن الغرض منه صنع السلاح فقط بل الإعداد لكوادر فنية قادرة على تصنيع وتصليح الأسلحة والمتفجرات أثناء الغزو من اجل مواجهة شح الأسلحة بعد الاحتلال. كما انه عمل على إنشاء مخازن سرية في كافة أنحاء العراق لإخفاء ملايين القطع من السلاح وعتادها كي تستخدم بعد الغزو لكي لا ينتظروا الحصول على السلاح من الخارج .


إنه وفي ضوء كل ما تقدم نجد أن ما يميز تجربة المقاومة العراقية عن باقي تجارب المقاومة عبر التاريخ أن ثقافة المقاومة التي استطاع حزب البعث أن يزرعها في العراق كانت هي المحرّك الأساسي للمقاومة العراقية ، وذلك على عكس باقي حركات التحرر التي سبق الكفاح المسلح فيها تحول المقاومة إلى ثقافةٍ وفكر . بل إننا نذهب من خلال دراستنا وبحثنا لواقع المقاومة العراقية إلى أنه كان هناك إعداد مسبق للمقاومة من خلال تحويل الكثير من موارد الدولة البشرية والعسكرية والمالية والخبرات لها ، ولهذا كان من الطبيعي أن يشهد العالم ولادة أول حرب تحرير من رحم الدولة التي كانت قائمة قبل الاحتلال ، فهي أول ثورة في التاريخ تبدأ من المراحل النهائية للحرب وليس من بداياتها .


وختاماً ،،، إن ما يقع على كاهل الشباب العربي في هذا الوقت هو تقديم الدعم السياسي والإعلامي للمقاومة العراقية لكسر هذا الحصار الواقع عليها وذلك من خلال تشكيل لجان شبابية لدعمها في كل الأقطار العربية ، والعمل على جعل ثقافة المقاومة جزء من شخصية الإنسان العربي ونشرها وجعلها جزء من سلوكنا اليومي والعمل على نشر ثقافة المقاطعة للمنتجات الأمريكية لجعل ثقافة المقاومة سلوك وليس نظريه فقط.


تم بحمد الله


• قدمت هذه الورقة في منتدى التواصل الشبابي العربي الأول الذي انعقد في بيروت- 9 ذو القعدة 1431 هـ الموافق 15- 17 تشرين الأول 2010 بمبادرة مشتركة من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن والمنتدى القومي العربي والشباب القومي العربي في لبنان حيث عقدة ندوته الفكرية الشبابية العربية الأولى تحت عنوان: الواقع العربي الراهن: رؤية شبابية للمشكلات والحلول" وضم ما بين 70 – 80 شاباً وشابة من لبنان والأقطار العربية قدّم بعضهم أوراق عمل حول محاور الندوة التالية: الواقع السياسي العربي: رؤية شبابية للمشكلات والحلول، الواقع الاقتصادي العربي: رؤية شبابية للمشكلات والحلول، الواقع الثقافي العربي.. حالة الإبداع.. واقع اللغة العربية: رؤية شبابية، الواقع الإعلامي العربي: رؤية شبابية، الواقع الحزبي والنقابي والجمعوي: رؤية شبابية للمشكلات والحلول، الاحتلال والمقاومة: رؤية شبابية، إشكالية العلاقة بين القومي والقطري: رؤية شبابية، في العلاقة بين العروبة والإسلام: رؤية شبابية، البعد العالمي لقضايا الأمة: رؤية شبابية.
 

 





الاربعاء١٩ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي جمال حسين جيت نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة