شبكة ذي قار
عـاجـل










اهي ويكيليكس من حكم طارق عزيز ام الحكومة العراقية ، ام الحكومة العراقية المستعصية ؟ وهل سينفّذ الحكم بالرجل الذي مثّل طوال عقود الديبلوماسية العربية الارقى والاكرم والاكثر كفاءة ؟


الاحكام التي صدرت ونفذت بحق جميع المسؤولين العراقيين في الحكومة الشرعية التي حصدتها قوات الاحتلال الاميركي ، لم تكن باية حال نتيجة العدالة ، رغم كل المظاهر المرافقة – دون ان ننسى الاستقالات في صفوف القضاة . وهي ليست بكل ما فيها نتيجة الاحقاد ضد البعث وحكم صدّام حسين ، رغم الدور الكبير الذي تشكله هذه الاحقاد . انها وبحيز اعمق واوسع احكام اعدام على مرحلة لا يمكن ان يسمح الاميركيون ببقاء رمز من رموزها .


لكن ذلك لن يعني بالضرورة تنفيذ الاعدام بعزيز :
اولا لان اثارة الجدل حول التنفيذ او عدمه سيشغل حيزا كبيرا من الوقت والاهتمام يفيد المخطط الاميركي والعراقي المتعاون معه اكثر مما يفيدهما اعدامه . وسيكون هذا الجدل بمثابة الدخان، المطلوبة كثافته، للتعمية على فضائح ويكيكليكس وعلى تازم تشكيل الحكومة .


وثانيا لان البعد المسيحي الذي سيكتسبه هذا الجدل – وقد بدا اليوم بنداء الفاتيكان – سيشكل موضوعا يتم توظيفه في اثارة النعرة الطائفية في اكثر من اتجاه : اولا اتجاه اشعار المسيحيين بانهم محمية غربية ، اقليات مرجعها خارج النطاق العربي – الاسلامي ، وثانيا اشعار المسلمين ( خاصة الاصوليين والجهلة منهم ) بان الغرب يستهدفهم هم ولا يستهدف مواطنيهم من العرب المسيحيين . مما يعني دقا حثيثا في الاسفين التجزيئي الداخلي ، وتعزيزا لصراع الحضارات على المستوى الدولي ، وهنا لا يبدو من قبيل الصدفة مضمون حيثيات الحكم التي اتهمت عزيز بجريمة ضد الاحزاب الدينية . وما سيحصل من تنفيذ الحكم بعبد حمود وسعدون شاكر ، المحكومين معه.


خاصة وان التساؤل يبدو مشروعا حول الفرق بين اعدام عزيز او تخفيض حكمه للمؤبد ، فهو رجل في السابعة والستين من عمره ، مريض ، وميت من الناحية النفسية بعد ان قتل الحلم الذي عاش لاجله حياته ، وبعد ان اعدم جميع رفاقه ، والاهم ان بلده قد اعدم .


اجل اعدم العراق ، العراق الدولة ، والعراق الحضارة ، والعراق المؤسسات ، والعراق الامكانيات البشرية الهائلة التي شردت وبعثرت في كل انحاء العالم ، والعراق المجتمع الذي دقت فيه جميع الاسافين الطائفية والمذهبية والاتنية ، والعراق الثروات التي نهبت ليجوع ابناؤها . والعراق المشروع الذي كان مرشحا، بكل ذلك ، لقيادة الامة كلها ، والمشروع النهضوي كله . فما قيمة ان يعدم طارق عزيز ؟


اليوم حصل زلزال في اندونيسيا ، وذهب ضحيته الالاف ، كان من الممن ان يكون بينهم رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ، لكن اندونيسيا لم تذهب ضحية ، كما العراق . ولذا فان الجريمة الكبرى قد نفذت ، واصبحت الجرائم الفرعية تفاصيل تصمم بحسب الغايات التي ينشدها الاحتلال والمتعاونون معه منها .


لا يعني ذلك اطلاقا اننا لا نتالم لاعدام رجل كان العرب ينتظرون ظهوره على شاشة تلفزيون ، من هذه العاصمة العالمية او تلك ليشعروا بالفخر والكرامة ، كرامة صانها الرجل الديبلوماسي وهو يقبع في قر السجن والعذاب منذ سبع سنوات دون ان يتراجع بكلمة ودون ان يخون نفسه ورفاقه وايمانه بكلمة ، رجل كانت مسيحيته كما مسيحية وديع حداد وجورج حبش وعزمي بشاره وايلاريون كبوجي وانطون سعادة وجورج حاوي وقسطنطين زريق وفارس الخوري ، والكثيرين من امثالهم ، رسالة واضحة للعالم على ان الانتماء الى الوطن والى رؤية سياسية وجودية بشان مستقبله هو انتماء فوق الاديان والطوائف


غير اننا نتالم اكثر عندما تصبح حياة هذا الرجل الكبير في سجن اميركي مادة للتمويه والاشغال على وعن جرائم الاحتلال ومن جاؤوا على دباباته .
 

 





الاربعاء١٩ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حياة الحويك عطية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة