شبكة ذي قار
عـاجـل










من بين اهم الاسباب التي أدت الى تراجع المقاومة العراقية، هو ضعف فعلها السياسي. الى درجة هز ثقة الناس بها، وشجع، في نفس الوقت، بعض القوى الوطنية الهشة، التي تدور في فلكها، على التوجه صوب العملية السياسية الكسيحة. ولا يغير من هذه الحقيقة المرة، قيام بعض النشاطات السياسية المحدودة، والمتمثلة بمواقف ضد الاحتلال، او باصدار بيانات ادانة واستنكار ضد هذه الاتفاقية الجائرة او تلك، او دعوة الناس لمقاطعة الانتخابات الخ. في حين وضع المحتل الفعل السياسي بمقام الفعل العسكري، بل وقدمه في اكثر من مرحلة من مراحل الصراع بينه وبين المقاومة العراقية الباسلة. وقد حقق المحتل، جراء ذلك، نجاحات هامة لا يمكن انكارها. وكان اكثرها واشدها ايلاما، نجاحه في اقناع عدد من العشائر العراقية بالتخلي عن المقاومة، ثم تشكيل مجموعات مسلحة من افرادها، اطلق عليها اسم الصحوات.


كان من المفترض استدراك هذا الامر، وبذل الجهود من اجل استنهاض الفعل السياسي، والارتقاء به الى مستوى الفعل المسلح، وبما يتلائم مع مرحلة الصراع القادمة ضد قوات الاحتلال وحكومته المرتقبة، خصوصا وان المقاومة المسلحة اصبحت بحاجة ماسة الى تفعيل هذا الجانب، ، لضمان ديمومتها وتعزيز قدراتها والحفاظ على بريقها وقوتها، التي استعادتها في الاونة الاخيرة، بشكل يدعو الى الفخر والاعتزاز من جهة، وضمان عدم تراجعها من جهة اخرى. لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث على الاطلاق، الامر الذي يدعونا الى مراجعة هذا الامر والتذكير به لما ينطوي عليه من اهمية بالغة.


من دون الدخول في متاهات التحليل والمرافعات الطويلة والمملة، فان الفعل السياسي الذي نعنيه هنا، او نامل بتحقيقه، ليس صورة محسنة، من تلك التي الفناها من قبل، والمتعلقة بالنشاطات ضد المحتل، وانما نعني به اكثر من ذلك بكثير. خصوصا وان نشاطات وفعاليات من هذا النوع فقدت من قيمتها كثيرا جراء قيام المحتل ذاته بهذه المهمة، فهو قد فضح وعرى نفسه بنفسه، جراء سقوط حججه ومبرراته لاحتلال العراق، وجراء افتضاح اكاذيبه حول الديمقراطية وبناء العراق الجديد، الذي تحول الى خربة موحشة يتجول فيها القتلة واللصوص وشذاذ الافاق. بعبارة اوضح فان ما نعنيه بالفعل السياسي هو ضمن اطاره الواسع والشامل، وليس في اطاره المحدود. حيث ما كان ملائما من فعل سياسي في مرحلة سابقة من الصراع لن يكفي بالنسبة لمرحلة لاحقة . فالصراعات من هذا الوزن وبين قوتين عظميتين مثل المقاومة العراقية وقوات الاحتلال لا تعتمد منهج واسلوب ثابت، وانما يقتضي التغيير وفق متطلبات تطور الصراع في كل مرحلة من مراحله.


اذا اخذنا بما تعلمناه من الخبراء وقادة المقاومة وتجارب الشعوب في هذا المجال، يمكننا القول بان المقاومة المسلحه لوحدها لن تحرر الشعوب من المحتلين، خصوصا اذا كان المحتل بوزن وقوة وجبروت المحتل الامريكي، وبحجم الاهداف الكونية التي يسعى الى تحقيقها. فالمقاومة المسلحة عادة ما تكون محصورة في نخبة من المجتمع، حباها الله بالقدرة على حمل السلاح والتصدى بشرف وشجاعة لقوات الاحتلال. في حين يشمل الفعل السياسي مساحة اوسع من المجتمع، وله قدرة اكبر على تعبئة جميع مكوناته واطيافه، واشراكها في المعركة جنبا الى جنب مع المقاومة، وليس الوقوف خلفها وتقديم الدعم والاسناد لها رغم الاهمية القصوى لذلك. ومن دون هذا التلاحم وتحول الفعل المسلح الى فعل شعبي عام، فان المقاومة المسلحة تتحول في نهاية المطاف الى مجرد مجموعة من العصابات المسلحة تزعج او تنهك قوات الاحتلال، سرعان ما تنكفا وتنتهي مع مرور الوقت.جراء اختلال توازن القوى العسكري والسياسي والتكنولوجي لصالح المحتل.


بالمقابل، وعلى الجانب الاخر، فالفعل السياسي يوفر للمقاومة المسلحة، الى جانب ما تقدم، الغطاء السياسي والإعلامي والدعم اللوجستي وتامين المستلزمات الضرورية من مال وسلاح وابناء بررة، لتتمكن من الاستمرار لفترات طويله من الزمن او لعقود اذا تطلب الامر ذلك. كما ان الفعل السياسي، حين بلوغه هذا المستوى من الاداء، سيزيد من خبرة الفرد ويرفع لديه مستوى الكفاءة النضالية والكفاحية، بصرف النظر عن موقعه في المجتمع، وبالتالي يؤهله للقيام بالانتفاضات الشعبية وفي الوقت المناسب، وهذا يعد من اهم مستلزمات الهجوم الاستراتيجي ضد قوات الاحتلال، عندها تتداخل البندقية والقلم، العبوة الناسفة مع البيان السياسي، دخان المعارك مع التظاهرة.ناهيك عن ان الفعل السياسي يؤمن تأييد دولي مناسب يتيح للمقاومة التمتع بعمق سياسي أرحب، وانتهاج وسائل متنوعة مثل إنشاء حكومة مؤقتة، أو فتح مكاتب سياسية في الدول المختلفة، فضلا عن استدرار العطف والتأييد في المحافل الدولية المتعددة.


هل هذا الذي نسعى اليه مجرد حلم، او وهم، في ظل مجتمع عمل المحتل جاهدا وبكل ما لديه من امكانات على احداث شروخ، وليس شرخا واحدا، في داخله ونجح الى حد ما ؟ ام انه امكانية قابلة للتحقيق رغم كل ذلك؟.


من له المام بسيط في علم السياسة والمجتمع، او الواقع الاجتماعي والتاثير المتابدل بينهما، سيكتشف بان ليس بمقدور حزب او جهة من حشد او تعبة جميع مكونات المجتمع نحو اهدافه، مهما كانت نبيلة او مشروعة. لان الحزب يمثل طبقة او شريحة من المجتمع وليس كل المجتمع. وفي المجتمع العراقي تكون مهمة الحشد والتعبئة باتجاه الهدف المنشود من قبل هذا الطرف او ذاك اصعب من العديد من المجتمعات الاخرى، كونه مجتمع متعدد القوميات والاديان والمذاهب والطوائف، مثلما هو متعدد الاحزاب والتيارات والقوى السياسية، وبالتالي فاننا بحاجة لانجاز هذه المهمة، اي نقل المجتمع من مجتمع مساند للمقاومة الى مجتمع مقاوم وشريك كامل في معركة التحرير، الى تحالف جميع القوى والاحزاب الوطنية والقومية والاسلامية والشخصيات الوطنية دون استثناء. ولا نعني هنا سوى قيام الجبهة الوطنية الشاملة وفق القواسم المشتركة التي يتفق عليها الجميع، مثل تحرير العراق واقامة النظام الديمقراطي التعددي.


ولكي تكون الجبهة المنشودة اكثر فعالية في تطوير الفعل السياسي ، ينبغي العمل الجاد، وبذات الوقت، لتوحيد فصائل المقاومة العراقية، ليعمل الجناحان العسكري والسياسي تحت قيادة مشتركة.عندها يمكن الحديث عن الارتقاء بالفعل السياسي الى مستوى الفعل المسلح بالموصفات والشمولية التي تحدثنا عنها. واي تصور اخر من قبل اي جهة او مجموعة او جبهة، بانها قادرة على تعبئة المجتمع وتحويله من مجتمع متعدد الولاءات والانتماءات والمرجعيات الى مجتمع موحد ومقاوم، وليس مجتمع يقف خلف المقاومة، هو تصور خاطيء ويؤدي لا محال الى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها، خصوصا وان المحتل هو امريكا التي تعد اكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ البشري حتى يومنا الحاضر.


نحن اذ نتحدث عن انجاز مثل هذه المهمات الكبيرة، لا نتجاهل العقبات التي تحول دون ذلك. ومنها على سبيل المثال لا الحصر . اختلاف مرجعيات فصائل المقاومة والاحزاب الوطنية المناهضة للاحتلال، ومنها ما تحمله هذه القوى والاحزاب من موروث ثقيل مستند على ثقافة الانا والاقصاء والتفرد والاستحواذ والتي لم يجر التخلص منها نهائيا لحد الان رغم المصائب والويلات التي حلت بنا جراء ذلك. ومنها ايضا الظروف الصعبة التي تعيش فيها المقاومة من تامر وحصار وظروف امنية قاهرة ومحاولات غادرة لشيطنتها وتشويه سمعتها وزرع بذرة الشقاق فيما بينها، ومنها كذلك التدخلات العربية والاقليمية في شؤونها الداخلية بهدف الهيمنة على قراراتها وتوجهاتها. لكن نجد في المقابل قواسم مشتركة عظمى تربط بين هذه الفصائل والقوى تكفي، من وجهة نظر كاتب هذه السطور، لتجاوز كل هذه العقبات وانجاز وحدة فصائل المقاومة وقيام الجبهة الوطنية المنشودة. فبالاضافة الى اشتراك كل هذه القوى في وحدة الهدف في ساحات القتال على الرغم من اختلاف مرجعياتها وعقائدها وبرامجها السياسية واساليبها المستخدمة في القتال، فانها تلتقي في اهم المفاصل وهو الاتفاق على الجهاد اولا كطريق لتحرير العراق، وهذا ما تؤكده اسماء الجبهات القتالية التي تمثل جسم المقاومة حيث زينت اسماءها بهذه الكلمة المباركة، مثل جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني وجبهة الجهاد والتغيير وجبهة الجهاد والاصلاح.


الذي يعرف المجتمع العراقي وتاريخه وقدرته الخارقة على تجاوز المحن والصعاب، لا يستبعد ابدا تحقيق مثل هذه المهمة النبيلة، خصوصا وان مخططات المحتل لتمزيق وحدة المجتمع العراقي قد فشلت، رغم الجهد الذي بذل، ورغم العقول المتخصصة التي سهرت على تحقيقها، الامر الذي اجبر احزاب سلطة الاحتلال بالتخلي مؤقتا عن الطائفية والعنصرية، والاكثار من الحديث عن الوطن والوطنية، لكسب الاصوات في الانتخابات الاخيرة. وفي كل الاحوال، فان السعي الى تحقيق هذا الهدف النبيل مهمة لا يمكن التخلي عنها مهما كانت الحواجز والعقبات. كل ما نحتاج اليه ان نجتمع الى كلمة سواء وننضج برنامجا وطنيا جامعا للتحرير، يضع كل طرف مساهماته فيه، ويكون لاعبا اساسيا في التنفيذ بعيدا عن الشروط المسبقة، غير شرط تحقيق الوحدة والاجماع.


نعم، لقد حققت فصائل المقاومة ،وفي ظل غياب الوحدة والجبهة الوطنية وكذلك تخلف الفعل السياسي، انتصارات عظيمة بلغت من خلالها مبكرا مرحلة التوازن الاستراتيجي مع قوات الاحتلال وتطورت معاركها من الكر والفر الى حروب المدن وحرمت قوات الاحتلال من السيطرة على 30 مدينة وبلدة وناحية حسب اعتراف البنتاغون في نهاية عام 2005 بما فيها العاصمة العراقية بغداد، الامر الذي اضطر بوش المهزوم الى زيادة عدد القوات بـ ثلاثين الف جندي في بداية عام 2006، لاعادة احتلال هذه المدن. لكن الهدف من حروب المقاومة تحرير البلاد وليس تسجيل الانتصارات على المحتل. والا تصبح هذه الانتصارات وكل ما حققته المقاومة العراقية الباسلة من انجازات رائعة شيئا من الماضي.


ان تحرير العراق يتم من خلال وحدة رايات المقاومة المسلحة والسياسية والاعلامية على وجه الخصوص، ومن خلال قيادة مشتركة ، واستراتيجية تتعلق بمجمل عملياتها، وتكتيك يحدد اساليب تنفيذ العمليات في المعارك المختلفة، وخطة هي في حقيقة امرها توظيف للعناصر الثلاثة،ولذلك، وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، ليس خطا القول بان المقاومة المسلحة لوحدها غير كافية لتحرير العراق، رغم انها الاكثر تاثيرا ضد قوات الاحتلال، ما لم تقترن بالفعل السياسي، وبالمواصفات التي تحدثنا عنها.


كلنا امل بان نرى فصائل المقاومة قد توحدت والاحزاب والقوى الوطنية قد اقامت جبهتها الوطنية وتحول المجتمع العراقي باكمله الى مجتمع مقاوم، وجدير بمهمة تحرير العراق.

 

 





الجمعة٢٤ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة