شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة

إن تحرير وبناء المجتمع لمن يفكر به بعلمية لابد أن يكون هدف الإنسان الأول إن لم يكن الأوحد، وعندما نفكر بخلاص المجتمع من كل أشكال العنف خارجي أو داخلي، والمقصود هنا فاعل  العنف (الخارجي) الأجنبي أو فاعل  العنف من داخل المجتمع أو كليهما، الذي تحول إلى ظاهرة عامة وسلوك خطير.

 

ولابد من الاعتراف بأن مواجهة ذلك يحتاج إلى كفاح ونضال كبير، يشترك فيه النساء والرجال معاَ (المجتمع) بكل فئاته ومكوناته،  فلا وجود للمجتمع بدون الشركة الإنسانية الكاملة، ومن يتصوروا أن الطبيعة أو عوامل الواقع يجب أن يؤخذ تأثيراتها وتوضع في الحساب، فإني أقول إن الطبيعة والأوضاع والعوامل لا تفكر، وإنما هي نتائج حركة أفراد المجتمع بعد أن تتشكل مكوناته الصغرى، وبطبيعة التكوين البشري فلا وجود لمجتمع مثالي خالي من أي ثغرات ممكن أنها تكونت بحكم عوامل عديدة، ولكنها تظل محكومة بأمرين القانون والوعي الاجتماعي، وأن تطبيق هذين الأمرين يتطلب وجود حكومة (سلطة قانون) تعمل على تحقيق ذلك (أي تحرير وبناء المجتمع)، وفكر يعمل على تهيئة المجتمع لتنفيذ القانون وقبول تطبيقه بكل الوسائل، وأولها الوعي والتوجه إلى وحدة بناء المجتمع الذي هو الفرد والأسرة، كي يمكننا بناء مجتمع آمن حر قوي سليم مبدع لابد أن نتوجه لأهم عنصرين في وحدة بناء المجتمع هما الرجل (الأب) والمرأة (الأم)، والقوى المؤثرة في تكوينهما الفكري في بناء عائلتهما حتى للمكونات الأكبر وصولا لكل المجتمع .

 

سأركز في موضوع مقالي على دور المرأة في الفكر والقيادة والقرار المصيري مع الرجل، وأبين بأن غياب المرأة في هذا معناه تعطيل نصف حركة تحرير وتغيير المجتمع وبنائه، إن لم يكن يفوق دور الرجل، نتيجة  دور المرأة المميز ومكانتها في عائلتها .

 

العنف وما نتج عنه من تدمير للمجتمع العراقي :

 

بعد سبع سنوات من الاحتلال لا يزال الشارع العراقي مشحون بالخوف والأحقاد والانتقام، يعيشون أبنائه مع بعضهم حالة العنف بأبشع صوره، تهديد، خطف، تعذيب، قتل، اعتداءات...الخ، وبالتأكيد لم تنشا تلك بين يوم وليلة بل بالتأكيد كان هناك استعداد داخلي وخارجي مسبق أدى لوصول العراقي إلى هذا الحال، أدى إلى تفكيك الهوية الوطنية العراقية وانعزالية مجتمعية هدمت كل إمكانية تعايش سلمي موحد.

 

إذا أردنا استعراض مختصر لأسباب العنف:

 

_ فالجزء الأكبر يرد لمسؤولية القادة الذين وظفوا الطائفية السياسية بأساليب غير مسؤولة وصار كل منهم يتكلم باسم قسم من الشعب يمثل طائفة أو حزب أو أقلية أو عرق.  

 

_ وأما الجزء الآخر يرد إلى ضعف في وعي الشعب، من رجال الدين وشيوخه ورؤوساء عشائره واصحب الإرادات الصالحة، فلقد ثبت إن الشعب العراقي كان أقل بكثير في درجة الوعي، وجهل كبير انزلق إلى هوة العنف دون الوعي إلى أبعاده الأخلاقية والاجتماعية، وكان للحصار وتداعياته وانعكاسه على وضع المواطن العراقي النفسي والاجتماعي والاقتصادي.

 

_  أما الجزء الأخير يرد إلى عدم تواجد إعلام حر نزيه ، فأغلبيته  وظف لزيادة الشحن والتوتر الطائفي والقومي والعرقي.

 

في مقالتي هذه أود أن أبرز سببا آخر، دور المرأة المبعد والمغيّب في العمل مع الرجل على نبذ العنف، منطلقةّ من خصائص المرأة التي ميزها الله سبحانه عن شريكها الرجل من حيث تكوينها الجسدي، احتضان الحياة ورعايتها، فهي إذن خميرة الحياة الإنسانية وحاميتها، تدفعها في الدفاع عن كل ما يسحق الحياة الإنسانية أو يحكم عليها بالظلم أو القتل أو الاستغلال او التمييز، بصوتها توقظ في أبناء بلدها أصالتهم الإنسانية لتجمعهم بإيمان واحد وهوية واحدة ومصير واحد، بحنانها وكلمة الحب وابتسامة الود وبكاء الحانية الرافضة لقتل من تحمله كرها وتلده كرها وترضعه وترعاه وهنا على وهن فيأتي مضلل أو موتور  ليقتله دون تفكير، هي حواء ماجدة العراق التي تجيد الحب لأهلها ووطنها، وهي التي نعث ورثت وبكت كل شهداء العراق مقاومين ومن قتلوا صبرا تتحمل الجزء الأكبر والأخطر في عملية إعادة نسيج ووحدة الوطن ، وجعلها متكفلة ديمومة الحياة بمسؤولية الحمل والولادة والرضاعة،  وها نحن نعيش جراحا فليس أرق وأحن منها في تضميد جراح شعبها وبلدها لتلده من جديد.

 

سأحاول أن أوضح أولا مكانة المرأة مع الرجل في الخلق، ثم مشكلة إبعادها والانتقاص من دورها مع إبراز أهمية دورها وتأثيره في نبذ العنف.

 

مكانة المرأة في الخلق

 

إذا أردنا أن نقرا قصة الخلق بنظرة صحيحة وفق ما تقّره كل الأديان؛ خلق الله الإنسان    (ذكراّ وأنثى) دعا آدم أولا ثم دعا حواء من آدم، وحين قال آدم، ها هذه المرأة عظم من عظامي ولحم من لحمي، إلا ليكونا من نفس اللحم والدم متساويين بالطبيعة والمنزلة والكرامة والمسؤولية لتولد بينهما شركة حياة تعاونية قائمة على قدم من المساواة بالفكر بالعمل بالمسؤولية بالتضحية، وتمايزهما بالجنس والصفات إلا ليتم ترسيخ كلا منهما نقائصه بالتعويض عنها في ما يمتلكه الأخر، ولنفهم أن وحدة الشخص البشري وتوازنه لا تتكامل إلا بهذه الثنائية الربانية الإنسانية.

 

لكن واقعيا نرى هناك إستبعاد للمرأة من مجالات فكرية مجتمعية وسياسية مصيرية تمس الحياة الإنسانية، والانتقاص من قراراتها بحجة أنها أدنى مستوى من الرجل، فكراَ وقدرة وعملاَ، أما هذا الذي يدعوه (الكوده) للمرأة في البرلمان بوجوب كون 25% من أعضاءه نساء، فهذا جزء من اسلوب تجميلي للديمقراطية، إذن لتغييب دور المرأة إشكالات عدة سنحاول أن نوضحها .

 

مشكلة المرأة ؟؟؟

 

هناك فواصل فرضت على المرأة وأبعدتها من أخذ دورها مع الرجل في ما يتعرض إليه المجتمع العراقي الحالي من عنف وانعزالية مجتمعية، منها مسلّمات تقاليد المجتمع الموروثة، وأحكام الرجل على المرأة، وأخرى حدود أقامتها المرأة على نفسها، كل هذه ساقت المرأة إلى حالة الغياب والتغييب واللامبالاة التي تعيشها مؤثرة على المجتمع اجتماعيا ودينيا وسياسيا.

 

1. مُسَلَمات تقاليد المجتمع الموروثة على المرأة.

 

 شاعت تقاليد في المجتمع تعتبر المرأة ضعيفة بطبيعتها، إدراكها محدود، أفكارها سطحية، آراؤها متقلبة، مواقفها مشوبة بالانفعال، آفاقها ضيقة، قدرتها على الإلتزام واهنة، وتحملها المسؤولية ضعيف. وهذه كلها تصورات ولدت في مجتمعات كان لها فكر وظرف وتاريخ يختلف عما نحن فيه اليوم، من نظرة تطور فكرية ودينية لأهمية دور المرأة. ومن العظماء الذين تصدوا لهذه المسلّمات غاندي حين قال: (ليس النساء بالجنس الضعيف، بل فيه من القوة على التضحية بالنفس والإيمان والمعرفة، وكثيراَ ما فاق حدس المرأة ادعاء الرجل علماَ فائقا).

 

2- أحكام الرجل على المرأة .

    نتيجة للتكوين البدوي للعرب وظروف العيش في البادية فقد أعطت تلك الظروف نسقا رجوليا للمجتمع، وجعلت المرأة تكون مسؤولة عن جوانب حياتية في الأسرة لا تقل أهمية وخطورة عن دور الرجل ولكن خصصت طبيعة تكوين كل منهما، وهذا لا يعني تغيب دور المرأة في حياة الأسرة وبالتالي المجتمع، ولو أعدنا قراءة التاريخ بشكل علمي موضوعي بعيدا عن نظرة متحيزة ومتقصدة في تغيب دور المرأة في المسائل الكبرى في التاريخ لوجدناها مشاركتها في المسائل الحاسمة في التاريخ بدور كبير لا يقل عن دور الرجل أهمية ، ولكن كي نكون علميين فعلا لابد أن نعترف أن هناك رجالاَ يفرضون لأنفسهم الدور الرئيسي في القضايا الاجتماعية والوطنية والسياسية مضعفين ومبعدين دور المرأة ليستأثروا به لوحدهم، واهمين إن قوتهم هي من ذاتهم دون أن يعيوا أن استضعافهم وإبعادهم للمرأة هو إضعاف  لتكاملهم الشخصي، كون المرأة شق الرجل الثاني الذي تكتمل به إنسانيته، وهنا نجد فهما لمشيئة الله في خلقه واستدعائه لحواء من أدم، وكلنا مؤمن بأن خلق حواء كآدم لا يعجزه سبحانه، وبالتالي فإن ذلك التقليل أو التغييب لدور المرأة هو إساءة للمجتمع وإنسانية النفس البشرية كونها تشكل شقه الذي لا يتكامل دونه، كما أن ذلك الفهم الناقص يتجاهل طاقتها في جوانب الفكر والقيادة.

 

3- حدود أقامتها المرأة على نفسها.

 

كما هناك من النساء اللواتي يقبلن بهذا الإقصاء مقيمة لنفسها حدودا داخلية تمتنع بها عن الكثير من المشاركات وإعطاء الرأي في قرارات سلبية على مجتمعها، متخلية عن دورها  منتقصة من إمكاناتها ومن قدرتها مكتفية ومفوضة ( للرجل) ممثلها في المجتمع بذلك، حتى غدا ذلك فهما وعرفا أن المرأة لا شأن ولا دور لها، وإقتنعت به هي واهمة نفسها بأنها الشيء الجميل الذي عليها حصر مسؤوليتها ضمن حدود ضيقة، جاهلة بتأثيرها المباشر مع الرجل في مقاومة العنف والعمل لصنع حياة حرة كريمة لأبنائها ومجتمعها وبلدها.

 

في ظرف العراق الحالي يترتب على المرأة دور جديد ينتظر منها، أن تعود فاعلة وتسترجع دورها كونها خميرة الحب والرقة الربانية في التكوين البشري الإنساني ونعمة الله على عبده  هي الأساس والقطب المهم في الدعوة للسلام والوئام والألفة في العائلة والمجتمع، لتفتح آفاق لقيام بلد أكثر إنسانية، الذي لا يتحقق إلا بمساهمتها الكاملة والفريدة، فهي الأم والأخت والابنة والزوجة والعمة والخالة والجدة التي تربي وتعلّم وتجمع بالحب.

 

أهمية دور المرأة وتأثيره في نبذ العنف :

 

خصائص المرأة من حيث تكوينها الجسدي من حيث احتضان الحياة ورعايتها تؤهلها لذلك، فهي حامية الحياة الإنسانية ( خميرة هذه الحياة)، تدفعها في النضال ضد كل ما يسحق الحياة الإنسانية أو يحكم عليها بالبؤس أو الظلم أو التخلف أو الاستغلال أو القهر أو التعذيب ... الخ.  وبشركتها مع الرجل في المجال القيادي ستوقظ فيه أصالته الإنسانية، تحسسه بقيمة الحياة واحترام حياة كل إنسان والصبر بروح المبادرة، والتأني، والرقة، والحدس بالتحليل المنطقي، والعمل بسلام.

 

كما إن الله خصها  حاضنة الحياة وحفظها وديمومة البشرية، ومجسدة الصورة المثلى للإنسانية عبر رعايتها لعائلتها من زوجها إلى وليدها، فاندماجها بمجتمعها وأخذ دورها  الفعال في رعاية كل وطنها وشعبها، ستكون حافزا لتضميد كل الجراح وشفائها، وإعادة المجتمع لوضعه الطبيعي، وطرد العنف الذي أريد لنا وتخليص مجتمعها، من هذه العزلات ساعية إلى خلق وضع جديد يساعد على تعديل الوضع الاجتماعي، وتغيره شيئا فشيئا نحو نظرة حياة مواطنيه صحيحة.  مضافاَ إلى أن إنخراط المرأة في مجالات مهمة فكرية وقيادية مجتمعية أو سياسية ستضيف للسياسة جانبها الأخلاقي الممتلئ رقة وحنانا، الذي بها سيكون القرار السياسي يحمل أبعادا أخلاقية مستقبلية، وتوقض إنسايته وتوجهها نحو بناء مجتمع سليم.

 

كلمة أخيرة:

 

أمام المرأة تحديات، بين ما فرض عليها وبين ما يتحتم عليها أن تكون، إلى كل امرأة  تدّعو لتحقيق السلام والارتقاء وتطالب ببناء مجتمع حر آمن سالم مبدع لأبنائها، لإخوانها، لزوجها، ولبناتها، ولها هي الأم والأخت والحبيبة والبنت، أوجه هذه الدعوة لها لترفع نظرها وفكرها وعملها إلى مستوى مكانتها وأهمية تكاملها مع الرجل بالعمل على التصدي لكل مظاهر العنف وممتهنيه، فحاجة المجتمع إليها اليوم أكثر من أي يوم أخر!، فالأمراض والظواهر التي ولدت في مجتمعنا تحتاج لجهد ودور الجميع لإعادة بناءه وتكوينه.

 

 





الخميس٢٣ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عاشقة النهرين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة