شبكة ذي قار
عـاجـل










ما من مؤسسة إعلامية تتعرض للتهديد إلا ويكون إغلاقها انتصارا للظلم والاضطهاد..، إلا "الحرة". فهي الوحيدة، من بين كل محطات الدنيا التي يكون إغلاقها إنتصارا للحق والحرية.
وهناك أسباب جديرة بالاعتبار.


أولا، ان "الحرة"، ليست حرة في الواقع. فهي مؤسسة حكومية، مثلها مثل أي مؤسسة إعلامية حكومية أخرى. بل أنها أكثر تخلفا (من ناحية ابتذال البروباغندا) من أي مؤسسة إعلامية تابعة لأي نظام متخلف عقليا.


ثانيا، في أحد جوانبه، يشتكي التقرير الذي اصدرته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، من ان "الحرة" تفتقر للكفاءات الصحافية.
طبعا. فمعظم العاملين في هذه المؤسسة يعرفون انهم يعملون في خدمة الـ"سي.آي.أيه" لا في خدمة الصحافة. ولو كان للـ"سي.آي.أيه" أي قيمة (في أهم أعمالها)، لما انتهت حروب الولايات المتحدة الى الهزيمة والفشل. فكيف اذا التفتت الى مهنة أخرى؟


لقد كان من الطبيعي ان تكون النتيجة مهزلة. وصحافيو "الحرة" لا يذكرونني إلا بمراسل "البرافدا" في لندن، أيام العهد الشيوعي، الذي دخل الى كابينة التلفون ليحتمي من مطر غزير، فارسل تقريرا لصحيفته يبدأ هكذا: "تقول صحيفة الغارديان ان موجة مطر قوية سوف تهب على لندن اليوم".
أما صحافيو الحرة، في ظروف من قبيل اكتشاف انتهاكات وأعمال اغتصاب في السجون الخاضعة لإشراف الاحتلال في العراق، فان تقريرهم يبدأ بشيء من هذا القبيل: "قام جنود اميركيون بتوزيع حلوى على مجموعة اطفال عراقيين، اتضح انهم ليسوا أيتاما بعد".


ثالثا، هذه المؤسسة تسعى الى تسويق أبشع وجه من وجوه الولايات المتحدة، بأكثر الأساليب سطحية ورخصا.
لو لم تأت الولايات المتحدة بجيوشها الى المنطقة، ليرى الجميع ماذا تفعل، لربما كان الأمر مقبولا ان تكون هناك مؤسسة إعلامية تحاول بيع صورة غير واقعية عنها قد تزعم انها أعظم بلد للحرية في العالم. ولكن أما ونحن نرى أعمال القتل والاعتقالات والتعذيب، فالأمر يحتاج الى وقاحة حقيقية لكي يأتي مَنْ يحاول تسويقها.
وقد أثبتت "الحرة"، كما ستثبت أي مؤسسة إعلامية اميركية موجهة الى العالم العربي، أنها لا تستطيع بيع بضاعة قذرة الى هذا الحد.
والقذر في هذه البضاعة (كما نرى ونعرف) هو الولايات المتحدة نفسها، وليس محطاتها التلفزيونية.


رابعا: "الحرة" (وأصحابها) ينسون الحكمة القائلة: "تستطيع ان تكذب على بعض الناس كل الوقت، وتستطيع ان تكذب على كل الناس لبعض الوقت، ولكنك لا تستطيع ان تكذب على كل الناس كل الوقت".

والوقت الذي مارسته "الحرة" لبيع وتسويق الأكاذيب، صار أكثر من اللازم فعلا. وكلما طال بقاؤها، كلما زادت الفضيحة سوءا.


خامسا، تنفق الحرة اكثر من 90 مليون دولار سنويا على تجارة دعائية بليدة تقوم على افتراض غبي واحد هو ان الضحايا لا يرون ما تفعله الولايات المتحدة، ولا يستطيعون التمييز بين الأم تريزا ودونالد رامسفيلد. وهذا كثير فعلا.


سادسا، الرسالة التي تحاول "الحرة" بثها تقول: ان الولايات المتحدة جمعية خيرية لاقامة انظمة ديمقراطية.


وهذه رسالة سخيفة، أولا. ونتائج أعمالها صارت مما لا يمكن ستره، ثانيا. فالنظام "الديمقراطي" الذي أقامته "الجمعية الخيرية" في العراق لم يكن فضيحة للولايات المتحدة، وإهانة للديمقراطية، فحسب، بل انه اصبح عارا حتى على العار نفسه: فهي ديمقراطية قامت على تهجير 5 ملايين انسان، وقتل مليون ضحية، وانتاج طبقة فساد تنهب المليارات، وحرمان 5 ملايين طفل من التعليم، وعيش 8 ملايين انسان تحت خط الفقر. دع عنك اعمال القتل على الهوية، وجدران العزل الكونكريتية، وخطوط التقسيم الطائفية، وفرق الموت، والتفجيرات "الانتحارية" (مسبقة الصنع) من قبل عملاء السي آي أيه. وجرائم جيش المرتزقة، واعمال الإبادة التي مورست، وما تزال تمارس، ضد عشرات المدن والبلدات، في العراق.


ولكي تؤكد الولايات المتحدة انها هي نفسها الولايات المتحدة، فانها كررت الأمر نفسه في أفغانستان. وكأنها تريد أن تثبت شيئا!
والسؤال الذي يشغل ملايين الناس (ممن بقوا أحياء) هو: إذا كانت هذه هي الديمقراطية فمَنْ ذا الذي سيكون بحاجة الى فاشية؟
وحتى ولو كان الناس قد أصابهم العمى، فقد كان بوسعهم أن يروا ان الولايات المتحدة ليست سوى قوة شر وحشية. وهي إذ أنفقت ما يصل الى 3 تريليون دولار على انتاج الجريمة، فان 90 مليون دولار سنويا لن تكفي لستر الفضيحة.


سابعا. المسافة بين "الحرة" وبين اسرائيل أقرب من المسافة بين فتحتي الأنف. والكل يعرف انهما يتنفسان من رئة واحدة. وإذا كانت الولايات المتحدة وجدت سقط متاع تستطيع تشغيله لتسويق "ديمقراطية" الجريمة في العراق، فانها لا تستطيع ان تجد أسقط منهم يستطيعون تسويق جرائم إسرائيل.


وعلى أي حال، فان العرب، صغيرهم وكبيرهم، يعرفون ان توأم الوحشية الاميركي-الاسرائيلي قد يمكنه أن يقتل، إلا انه لا يمكنه ان ينتج إعلاما يستطيع بيع الجريمة.
ما لم يستطع تقرير مجلس الشيوخ الاميركي أن يلاحظه، هو ان فشل "الحرة" لا يتعلق بها وحدها. انه فشل الولايات المتحدة كلها، بكل ما فيها من أوادم ومرتزقة.
مع ذلك، كان الأولى بأعضاء لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، لو كان لديهم عقل، أن يسألوا أنفسهم سؤالا أجدر من السؤال: "لماذا ننفق 90 مليون دولار سنويا على مؤسسة إعلامية فاشلة؟"، لأن السؤال الأصوب هو: لماذا ننفق 3 تريليون دولار على مشروع احتلال فاشل؟


هذا السؤال كان يمكن أن يُطرح بمليون صيغة أخرى من قبيل:
ـ كيف تحولت الديمقراطية الى جريمة؟
ـ لماذا نعتمد في مشاريعنا للغزو على عملاء سفلة؟
ـ لماذا نتصرف كوحوش مع شعوب تعرف اننا وحوش أصلا؟
ـ لماذا نشن حروبا على أساس أكاذيب وأباطيل؟
ـ لو كان لدينا هدف مشروع وعادل، فلماذا نجند له مرتزقة، و"فرق موت" ومليشيات قتلة؟
ـ لماذا ندعم إسرائيل في كل جرائمها بينما نريد ان نكسب لأنفسنا موطئ قدم؟
ـ وكيف يمكن لمؤسسة معلومات فاشلة مثل "سي.آي.أيه"، أن تكون مؤسسة صحافية ناجحة؟
ولكن العمى الذي دفع الولايات المتحدة الى ان ترسل مئات الآلاف من جنودها لكي يرتكبوا اعمالا وحشية، هو نفسه العمى الذي يمنع من توجيه السؤال الصحيح.
وخير ما يمكن للعمى أن يفعله هو أن يدفع بصاحبه الى الهاوية.
فهل يرى السادة، كل أعضاء الكونغرس، على أي هاوية تقف الولايات المتحدة؟
نسأل الله، أن لا يروا.
فبعد كل ما فعلوا، لم يعد من مصلحتنا حتى أن ينسحبوا.
نريدهم أن يبقوا لينفقوا 3 تريليون دولار ثانية. فقد قتلوا مليون انسان، ولن تفرق كثيرا لو انهم قتلوا مليون إنسان آخر. ولكن تفرق كثيرا لو لم تبق الولايات المتحدة.


ونريد لبرافدا الـ"سي.آي.أيه" أن تبقى أيضا، لتنفق 90 مليون دولار كل عام. على الأقل لكي لا يجد صحافيوها أنفسهم مضطرين الى نقل "كفاءآتهم" الى مؤسسات أخرى. يكفي ما لدينا من تلوث.


جرثومة "حرة" كهذه أفضل أن تبقى في مستنقعها الخاص، وأن تواصل بث ما يثبت انها ليست "حرة".


alialsarraf@hotmail.com





الثلاثاء٢٤ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الصراف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة