شبكة ذي قار
عـاجـل










بالعودة إلى بدايات الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الخميني بوجه الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي في ستينيات القرن الماضي، والتي حولت بانتصارها إيران من ملكية دستورية إلى جمهورية إسلامية ووُِصفت بأنها من أعظم الثورات في التاريخ المعاصر نظرا لما كان يتمتع به الشاه من دعم وحماية دوليين وما كان يملكه من نفوذ وسيطرة على المنطقة العربية، مترافقا مع نظام بوليسي مخابراتي داخلي قائم على الإستبداد والقتل وقمع الحريات، نجد أن الثورة الإسلامية التي أسقطت الشاه وغيّرت النظام قد أبقت على الكثير من المفاهيم والسلوكيات الشاهنشاهية، لكنها هذه المرة كانت متسترة بعباءة الدين. وما مفردة "ولاية الفقيه"، التي دخلت قاموس الحياة السياسية مع انتصار الثورة الإسلامية، إلا امتداد مبطن للملكية البهلوية البائدة.


فالنظام السياسي الإيراني الجديد، وإن بدا جمهورياً، غير أن المنصب الذي اصطلح على تسميته بمنصب مرشد الثورة- وهو أعلى المناصب الرسمية في البلاد بموجب الدستور والذي يعطي لصاحبه السلطة المطلقة ليس على الإيرانيين أو المسلمين الشيعة فقط بل على العالم الإسلامي برمته- يؤكد استئناس العقلية الإيرانية بفكرة التفوق والسيطرة على الشعوب المتشابهة مذهبيا ودينياً، والبعيدة جغرافياُ، من باب استعادة الأمجاد التاريخية للإمبراطورية الفارسية.


فإيران التي فرضت نفسها كإمبراطورية حقيقية في عهد" قورش" لخمسمئة سنة قبل الميلاد، من خلال حكم قائم على التوارث في الأسرة الحاكمة للمرة الأولى في تاريخها، لم يستطع الزحف الإسلامي الذي بدأه نحوها الخليفة عمر بن الخطاب وأكمله الخليفة عثمان بن عفان أن يغير هويتها -رغم أسلمتها- كما حصل مع امبراطوريات أخرى. ولم تقدر الحضارة العربية الإسلامية الوافدة أن تؤثر فيها عميقا. فالدم الإمبراطوري الذي يجري في عروق الإيرانيين عوّدهم أن يحكموا لا أن يُحكموا.


بدخول الإسلام إلى بلاد فارس، ونشوء دويلات إسلامية أو شيعية فيها، لم تتبدل النظرة الفوقية لإيران تجاه شعوب المنطقة. وقد بدأ التحضير لإعادة الإنتشار والتموضع المناسب للأباطرة المستلبين مع مجيء الصفويين وانتشار المذهب الشيعي. فأطلقوا يد الولي الفقيه، حيث للفتوى الدينية مفعولها السحري لدى الجماهير حين تعجز الخطب السياسية، ليأتي العصر القاجاري ويظهر الشيخ "أحمد النراقي" الذي تعود إليه فكرة نبش ولاية الفقيه في الفقه الشيعي التي بنى عليها الفقهاء اللاحقون وأسسوا على أصولها الفقهية مقتضيات سياسية.


قبيل وصول الإمام الخميني إلى طهران، طبقت حكومة "ولاية الفقيه" فعليا لأول مرة في التاريخ الإسلامي وقد نجح "الإمام" في تعميمها إجبارا وليس اختيارا رغم معارضة فقهاء شيعة كبار له داخل إيران وخارجها. فولاية الفقيه عند الإيرانيين مسألة تتقاطع عندها جملة من العوامل أهمها عامل النفوذ السياسي. لذلك فإن استبدال شخصية الشاه بولي الفقيه لا يمكن قراءته إلا من زاوية استبدال ملك بملك آخر، أو سلطان مهيمن بسلطان آخر، أو ربما تحقيقا لأحلام السيطرة السياسية والدينية والعسكرية التي ما زالت تراود العقل الإيراني وتدغدغ مشاعره. ورغم ثورتهم على الشاه وديكتاتوريته الدموية داخل البلاد، ما زال الإيرانيون يترحمون على أيام بطشه خارجها حين كان شرطي المنطقة. وهم يتوقون لإسترجاع تلك الحقبة ويسعون إلى احتكار قرار المنطقة وفرض معادلاتهم بشتى الوسائل المتاحة عبر نبش ظروف دينية مؤاتية وتعويم معتقدات مؤثرة وتحويلها إلى حقائق مثبتة مدعمة بنصوص وأحاديث.


الأحداث الأخيرة التي جرت في مدينة قم وما يقوم به آية الله علي خامنئي بدفع نجله" مجتبى" إلى الواجهة، تقرأ من باب الإعداد لتوريث كرسي العرش ضمن الأسرة الدينية الواحدة وانتقال الحكم من الآباء إلى الأبناء. وهو تصرف غير مستهجن بالعودة إلى العقلية الإيرانية.


وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة أخرى: فإذا كان الولي الفقيه هو الحاكم المطلق للعالم الإسلامي، لماذا لا يتعدى اختياره وجوها غير إيرانية؟ ولماذا يُنتخب من حوزة قم وليس من حوزة النجف؟ فهل لم يبلغ الفقهاء المسلمون من غير الإيرانيين سن الرشد الفقهي الذي يخولهم الوصول إلى هذه المرتبة، ولماذا يُحكم المسلمون الشيعة دائما بشخصية إيرانية وليس العكس؟


بادية فحص - كاتبة لبنانية

badiafahs@hotmail.com





الخميس١٩ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بادية فحص نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة