شبكة ذي قار
عـاجـل










التضخم الكبير في جهاز الدولة السياسي «مركزياً وفي الجنوب» لما بعد الانتخابات «الإنقاذية» الاخيرة، يؤشر بوضوح لملامح المرحلة المقبلة من حيث الاداء الحكومي المرتقب وما ينتظر المواطن البسيط من اجراءات اقتصادية وسياسية لا تبشر بخير على الاطلاق، مثلما تؤشر ما ينتظر البلد عموماً من مصير كوارثي يبذل شريكا نيفاشا كل طاقتهما لايصالها اليه، فقد توسعت التشكيلة الوزارية الى «77» وزيراً اتحادياً ووزير دولة على الصعيد المركزي و«23» آخرين على صعيد حكومة الجنوب. وقد جاء الاعلان عن التشكيلة بعد مخاض عسير وقاسي داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني «الحاكم» كيما يأتي بهذه التشكيلة ذات القسمات المبنية على العودة الى مربع التمكين الانقاذي الاول مع مراعاة الترضيات القائمة على البندول النافعي والموازنات القبلية. 

 

وبنظرة عابرة فان المرحلة المقبلة موعودة باستنزاف شديد لميزانية الدولة لمصلحة فئة محدودة من الأفراد هم شريحة الحكام في الشمال والجنوب معاً، في مقابل حالة من الضيق والشظف للاغلبية الساحقة من المواطنين ممن هم خارج منظومة الحاكمين وأجهزة حكمهم..

 

ففضلاً عن الـ «77» وزيراً على المستوى المركزي و«23» لدى حكومة الجنوب هناك على وجه التقريب «25» والي ونائب والي، و«052» معتمد ومثلهم وزراء ولايات، وذات العدد تقريباً من قبيلة المستشارين وحوالي ألف عضو مجلس تشريعي ونفس العدد أعضاء مجلس وطني ومجلس ولايات وبرلمان الجنوب. هكذا فإن حوالي ثلاثة آلاف شخص يمثلون جيش الدستوريين والتنفيذيين الذي يشكل قوام الحكومة وهو أكبر جيش حكومي في العالم تقريباً.. هؤلاء يتلقون أعلى المرتبات في الدولة وأعلى الامتيازات من سيارات فارهة ومساكن فخمة ونثريات مفتوحة، وخدمات فندقية لهم ولأسرهم في المدارس الخاصة والعلاج السياحي والإجازات الترفيهية وهكذا. ويحتاجون إلى جيش من السائقين والحراس والخدم حتى يمارسوا مهامهم الدستورية، ولأن الميزانية العامة لدولة لا يمكن ان تحقق نفس الشيء للمواطن البسيط، فإن أول ما ظهر مع إعلان التشكيلة الحكومية الأخيرة هو ارتفاع أسعار السلع بصورة لافتة للنظر. حيث ارتفع سعر السكر الى جنيه ونصف الجنيه للرطل الواحد «قبل حلول شهر رمضان»، وارتفعت أسعار المواد الغذائية كلها تقريباً، وارتفع سعر ورق الطباعة مع بداية العام الدراسي الجديد، ما يعني تلقائياً زيادة سعر الكتاب المدرسي الذي تنصلت الوزارة عنه للقطاع الخاص، وارتفع سعر الذهب وهكذا كل شيء. ويعاني المواطنون داخل العاصمة من الحصول على ماء الشرب وهم على بعد خطوات من اطول نيل في العالم وعلى الرغم من ان شعار حزب المؤتمر الوطني في مرحلة انتخابات العزف المنفرد قد تأسست على خدمة المواطنين ورفاهيتهم الا ان تضخم التشكيل الحكومي بهذه الطريقة يعوّق عملياً اي محاولة لتحسين حال الناس الذين ظلوا منذ بداية «الإنقاذ؟!» ينتظرون هذه الوعود مع برنامج عبد الرحيم حمدي الاقتصادي وحتى الآن. ما يجعلنا على قناعة بعدم امكانية حدوث اي تحسن في أحوال الناس في المرحلة المقبلة بل وتوقع ما هو أسوأ، عدة أشياء مترابطة ومتداخلة، أولها أن المرحلة ما بعد الانتخابات هي بالنسبة لجماعة حزب المؤتمر الوطني مرحلة كبيرة في بنية الدولة نفسها وربما إنتهت أيضاً بإنتهاء منظومة الانقاذ كلها، أو بانتهاء خارطة السودان الحالية وفقاً للمعطيات القائمة، حيث أنه من ناحية تستعجل الحركة الشعبية، خطوات فصل الجنوب عن الوطن الأم، وأصبحت تقوم بذلك علناً ولا تكترث لأي شيء غيره، فقد سحبت الحركة الشعبية الصف الأول من طاقمها السياسي من الحكومة المركزية إلى حكومة الجنوب لأغراض «إنجاح» الاستفتاء على تقرير المصير، وتبدلت حتى المفردات من الانفصال الى «الاستقلال»، وجاء سحب هذا الطاقم بعد أن أدى مهامه خلال الفترة الماضية لتأمين مطلوبات شطر الجنوب عن الجسم الوطني من الناحية القانونية، ويجرى الآن تأمين الاعتراف الدولي قبل بداية الاستفتاء نفسه، حتى لا يتحول مصير الدولة الجديدة المصطنعة مثل مصير جمهورية أرض الصومال أو جمهورية اليمن الجنوبي. 

 

ويبحث دعاة الدولة الجديدة عن الاعتراف الدولي من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج وفرنسا ولا يأبهون بمخاوف بلدان الجوار الافريقي في اثيوبيا واريتريا وغيرها ولا حتى بمنظمة الايقاد ولا بمنظمة الوحدة الافريقية نفسها. 

 

أما على صعيد المؤتمر الوطني فإن المرحلة بالنسبة له باعتبارها قد تكون فرصته الأخيرة فإنه تعامل معها بمحاولة إعادة ترتيب نفسه داخلياً اعتماداً على «أهل الثقة» من الحرس القديم. إذ نلاحظ من تصعيد مجالس الشورى التي لم تتقيد بالمعيار الديمقراطي، قد أتت في غالبها الأعم بالاولين من جماعة «الانقاذ» من مدرسة «الاسلام بلا إسلام والاسلام قبل القوت»، لذلك عادت مفردات اللغة القديمة من جديد مثل الاستعداد لتحمل تبعات الانفصال، ووضع الشعارات الدينية في مقابل وحدة البلد، مع بعض البهلوانيات من نوع أن الوقت لا يزال متاحاً لجعل الوحدة جاذبة، أو تشكيل لجان «إقناع» للوحدة..الخ على الرغم من أن أقوال وأفعال عشرين عاماً وأكثر من مختلف المنابر والمواقع «الانقاذية» كانت كلها تصرب في أسفل جدار وحدة البلد والشعب. 

 

ما نود التركيز عليه هنا هو أن أهم مهام تشكيلة الـ «77» الحالية هو التأمين على خطوة الانفصال وتجريعها لأهل السودان بأية كيفية وبأي ثمن. ولأن عملية الانفصال في حد ذاتها ليست بتلك العملية السهلة فإن التبعات والتداعيات يمكن أن تكون كبيرة وكوارثية اقتصادياً وسياسياً على أي بيت في السودان «في الشمال والجنوب على حد سواء». وبالتالي فإن المطلوب هو التهيئة لهذه المرحلة بالعصا الغليظة ومنع أي شكل من أشكال التعبيرات الاحتجاجية حتى ولو كانت موغلة في سلميتها يمكن تلمس ذلك من نبرة ما بعد الاعلان عن نتيجة الانتخابات والتي جاءت كلها تحذيرات وتهديدات وتلميحات فظة، مع أنه عند أي انتخابات «حقيقية» تكون لغة ما قبل المنافسة مختلفة عنها بعدها، ودائماً ما تكون مفعمة بابداء حسن النية والوعد بفتح صفحات جديدة مع الذات ومع الشعب ومع الآخرين. 

 

كما يمكن تلمس ذلك أيضاً من طريقة التعامل مع الأطباء ومطالباتهم، أو مع الصحفيين وعودة الرقابة ونزع بعض المقالات، ومن أحداث الجامعات والعنف المنظم والمتكرر داخلها ضد الطلاب. ومن معاناة العاملين في الحصول على إستحقاقاتهم. 

 

الدكتور صديق تارو كافي – أستاذ جامعي ومحلل سياسي





السبت١٤ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور صديق تارو كافي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة