شبكة ذي قار
عـاجـل










ما تعرضت له البنوك وبيوت المال في العراق خلال السنوات الأخيرة ، وبخاصة الهجوم المدبر على البنك المركزي العراقي ، يعكس حقيقة ما يبيت للمال العام من خطط سواء بالسرقة أو بالتهريب من قبل قوى نافذة في البلد ، تعمل على تنفيذ هذا النوع من السرقات وتضع الخطط الفورية لطمس معالمها وذلك بإضاعة أي خيط أو دليل يمكن أن يؤدي إلى الوصول إلى الجناة الكبار المخططين لها .

 

وما حصل من أحداث وتداعيات في محاولة السطو المسلح على البنك المركزي العراقي لا بد أن يطرح جملة من التساؤلات الملحة ، بسبب طريقة الإعداد لها وعدد المشاركين فيها والملابس التي كانوا يرتدونها ونوعية الآليات التي استخدمت فيها ، وعلى الرغم من أن الكثير من عمليات السطو على مصارف وبيوت مال ومحال للصيرفة وبيع الذهب ، قد وقعت في بغداد وبعض المدن العراقية ، منها ما تم إفشاله بجهد المواطن العراقي غير المرتبط بأي جهاز أمني ، ومنها ما نجح في المراحل الأولى ولكن تضارب المصالح بين المنفذين أدى لاحقا إلى فشل العملية كلا أو جزء ، إلا أن حادثة البنك المركزي تبقى الأكثر إثارة وجلبا لانتباه الرأي العام ، فالبنوك المركزية في كل دول العالم ، عادة ما تكون محصنة وأمينة جدا سواء ما يتصل بنوعية مبانيها أو بالحراسات المشددة المضروبة حولها على مدار ساعات اليوم ، أو ما يرتبط بنوعية الخزائن الحديدية المتينة والمكينة التي لا يمكن الوصول إلى محتوياتها حتى في حال القدرة على الوصول إليها ، فكيف تمكنت القوة المهاجمة من الوصول إلى أهدافها المحددة ، عبر خوانق من الجدران الإسمنتية التي أقامتها الأجهزة الأمنية ، وفي جزء من شارع الرشيد يمتد من ساحة الرصافي وإلى ساحة الأحرار تم قطعه وإقفاله أمنيا وانتشر الباعة المتجولون وباعة الأرصفة على كل جزء متاح مما تبقى من الشارع ، بحيث لا تتاح الحركة إلا ببطء شديد ولسيارات معلومة فمن أين جاءت عربات الهمر التي استخدمت في عملية السطو ، وهل يعقل أن أي طرف غير أجهزة الحكومة ، قادر على الحصول على هذا النوع من المركبات أو التحرك عبر هذه المسارات الضيقة والمتعرجة والمحفوفة بأكبر المخاطر دون أن يكون قد حصل على الضمانات اللازمة ، فإذا كانت أجهزة تابعة لأحد مكاتب الحكومة هي التي كانت تقف وراء هذه العملية ، فهنا تسكن عبرات هائلة لدى المواطن العراقي ، الذي تضافرت على دمه وممتلكاته وأمواله ، كل قوى الشر من كل مكان من مهربين وسراق وقتلة محترفين ، لتقتل وتنهب وترتشي وتهرّب وتكتنز المال السحت وتحوله إلى عقارات في منطقة الخليج العربي وأوربا وأموال مودعة في بنوك العالم ، ومن يتابع حقائق الفساد المستشري في العراق منذ عام 2003 لا بد أن يصاب بصدمة مروعة أن تهدر كل هذه الأموال على مشاريع وهمية لتستقر الأموال المخصصة لها في لأرصدة متضخمة لمسؤولين كبار جاء بهم زبد البحار ليقذف بهم على شواطئ العراق وينصبهم قيمين على ثروات العراق ، فبقدر ما يخرج من نفط عراقي في أنابيب التصدير الرسمية والسرية ، تخرج في مسالك ملتوية مليارات الدولارات لتستقر في حسابات لأشخاص أما هم من اللصوص الدوليين القدامى أو من أولئك الذين هبطت عليهم الثروة على حين غفلة من أهلها الحقيقيين ، ففقدوا توازنهم وركبهم طيش وفحش غير مسبوق في استهانة التعامل مع المال العام ، فطفقوا في التهام كل ما يقع تحت أيديهم يقينا منهم أن زمنهم أقصر بكثير حتى مما يتوقعون .

 

ما وقع في البنك المركزي العراقي ، لم يكن الهدف منه على ما أشارت الدلائل التي عرضتها الأجهزة الأمنية ، السرقة على ضخامة الأموال التي تمتلئ بها خزائن البنك المركزي من العملة العراقية والعملات الاخرى ، فمن يخطط لسرقة المال لا يغير اتجاهه نحو طابق يضم في أدراجه الوثائق السرية المتعلقة بالتحويلات الخارجية لو لم يكن يستهدفها هي بالذات ، أو أنه كان يستهدف السرقة أصلا ، أي أن الحادثة التي وقعت كانت مصممة من أجل إحراق وثائق إذا بقيت سليمة فإنها ستعري الكثير من مراكز القوى المتنفذة وتفضح فسادهم الذي استشرى على نحو لم يشهد له العراق مثيلا منذ أن قامت فوق أرضه منظومات الدولة ، وإلا كيف يمكن تفسير استخدام عجلات لا تتوفر لدى الأفراد ، وكيف استطاعت هذه المركبات أن تمرق متجاوزة عشرات السيطرات الثابتة والمتحركة ؟

 

إن السطو على المصارف وبيوت المال ودكاكين الصاغة ، لا يمكن توصيفها بالجرائم الجنائية العادية ، ولعل في كشف خيوط سرقة مصرف الرافدين فرع الزوية ، وكذلك مصرف الرافدين فرع المشخاب ، وتوقف التعقيبات القانونية عند خط للحدود الوهمية الحمراء ، ما يؤكد أن هناك حيتانا كبيرة تهدد بابتلاع أي فريق للتحقيق النزيه إذا ما حاول حل رموز ما يقع من جرائم سرقة وسطو وتفكيك طلاسمها ، ولهذا فإن جميع اللجان التحقيقية التي تم تشكيلها بأوامر عليا ، لم تباشر عملها أصلا أو أنها توقفت عند حاجز أمني أكثر فعالية من الحواجز الأمنية المنتشرة في الطرق والزوايا لتضغط على أنفاس المواطن العراقي ، وعلى هذا فإن الاعتقاد ينصر ف بثقة عالية إلى أن التأخير المتعمد في تشكيل الحكومة المقبلة هو تأخير مقصود ، تقلب بين البحث عن ثغرات قانونية يمكن التسلل منها أو الاستناد عليها في تغيير نتائج الانتخابات وإدخال البلاد في مرحلة انعدام وزن لتضاف إلى التداعيات الكبرى التي خلفها الاحتلال وحكوماته الأربع حتى الآن ، وبالتالي تأخير تشكيل الحكومة حتى تتمكن من تصفية ملفات عالقة ، بقاؤها دون إحراق سيشكل دليل إدانة لأطراف متنفذة يراد لها أن تبقى بمنأى عن الحساب .





الخميس١٢ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب افتتاحية جريدة راية العرب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة