البعث طريق الأمة لتحقيق ذاتها
ثابت
ياسر الجميلي
إن تحقيق ذات الأمة العربية والتعبير عنه هو مخاض عظيم ومركَّب ويعبِّر
عن نفسه من خلال توافر العديد من المقومات الموجودة والمتأصلة في ابناء امتنا العربية
على الرغم من عظم التضحيات التي تقدمها وتكالب المؤامرات عليها والتحديات الجسيمة التي
تواجهها في اغلب اقطارها وبمختلف الصيغ والاشكال في استهداف غير مسبوق، ومنقطع النظير
تواجهه كافة اقطارها من المحيط الى الخليج.
إلا أن كل ذلك لن يوقف حركة التاريخ التي تأبى الا ان تتقدم الى الامام
فتحقق الامم العظيمة ذاتها من خلال المخاضات الكبرى.
والمقصود بتحقيق ذات الأمة هو تحقيق وحدتها كهدف تصبو إليه جماهير شعبنا
العربي، فالأمة العربية قد خسرت ذاتها بالتجزئة التي فرضت عليها قسراً من قبل القوى
الامبريالية الطامعة بثروات الأمة ومن قبل الصهيونية المدعومة دعماً شاملاً من قبل
الدول الامبريالية الاستعمارية.
المقصود بذات الأمة إعادة فعل الأمة الحضاري ودورها الإنساني الذي ضعف
كثيراً بسبب تقسيم وتشرذم الجغرافية العربية والثروات العربية الذي حصل بأبشع صوره بعد تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت وتكرست باحتلال
فلسطين احتلالاً استيطانياً إجرامياً بغيضاً.
ذات الأمة هو تحررها من كافة اشكال الهيمنة والاستغلال الخارجي، وتحرير
الفرد واطلاق حرياته السياسية والفكرية وتحقيق الديمقراطية الحقيقية والراسخة .
ذات الامة هو صينة كرامة الشعب العربي وتحقيق امتلاكه لكامل حقوقه الإنسانية
من فرص عمل وتعليم وخدمات صحية وبلدية وارتفاع مستوى دخل الفرد.
تحقيق ذات الأمة يتجسد في تثوير قدرات نخب الأمة العلمية وإنتاج البحث
العلمي واطلاق براءات الاختراع والتمكن من جميع التقنيات والتكنولوجيات الحديثة المواكبة
لاحدث التطورات ، ومن بينها البرامج والصناعات الالكترونية، وإنتاج الطاقة بوسائل حديثة
وكفؤة، واستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة واعتماد الصناعة في تحقيق الدخل القومي،
وغيرها مما لا مجال لتعداده هنا.
تحقيق ذات الأمة نقصد به الخروج من مستنقعات التخلف وسطوة المرض والأمية
وتكامل موارد الأمة البشرية والاقتصادية لتكون الجغرافية العربية الهائلة والتاريخ
العربي المشرق عوامل انطلاق في تجديد الحياة وصناعة المستقبل واستقرار الأمن.
البعث هو حزب الأمة
ليس انتقاصاً ولا تجاهلاً لأي جهد وطني قومي يقوم به عربي فرد أو بصيغة
فعل جماعية، لكن التاريخ العربي الحديث والمعاصر قد برهن على أن الحزب القومي الوحدوي فكراً
وعملاً هو البعث، فالبعث لم يتوقف عند ابتكار أهداف وشعارات الأمة في رسالتها بعمق
عبقري متفرد بل تجاوز الأطر النظرية بإقدامه على إقامة تجارب وحدوية تاريخية بدور محوري
ومبادرات متكررة من قيادة الحزب ودعم منقطع النظير من جماهيره وقواعده، منها مساهمته
في تحقيق وحدة مصر وسوريا التي أعلنت في ٢٢ شباط ١٩٥٨ وتقديمه اغلى التضحيات في سبيل
تحقيقها، و اعلان ميثاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق التي أعلنت في 17 أبريل/نيسان 1963، وتوحيد الجيشين السوري والعراقي
تحت قيادة عامة واحدة للقوات المسلحة العراقية السورية وبالتالي تطويق الكيان الصهيوني
من الشمال والشرق من قبل جيش عربي واحد عام 1963.
لقد كان لهذه التجارب الوحدوية العتيدة فعلها العميق في حياة العرب ،
ورغم أنها قد تعرضت الى تحديات جسيمة بفعل
عوامل كثيرة ذاتية وموضوعية وبأخرى مرتبطة بقيادة الأقطار العربية التي خاضت التجارب،
لكن الأهم من كل ذلك هو أن تلك التجارب قد قربت البعيد وحققت خطوات هامة على طريق الحلم
العربي الكبير وبرهنت أن الوحدة العربية ليست وهماً بل حقيقةً قابلة للتحقق.
التجارب الوحدوية هذه تضاف إلى ما ذكرناه آنفاً من بعض إنجازات البعث
الذي تكالبت ومازالت تتكالب عليه قوى الشر من إمبريالية وماسونية وصهيونية ودول وقوى
طائفية، وصلت ذروتها بإقدام أميركا سنة ٢٠٠٣ م على تزعم جيوش ٤٠ دولة غزت العراق واحتلته
ودمرته لكي تنهي دوره بالعمل الاستراتيجي الجاد لبعث الأمة وتحقيق ذاتها السامية النبيلة.
إن ذبح تجربة البعث في العراق قد جاءت نتيجة قناعات امبريالية صهيونية
متعاونة مع دول إقليمية تتقدمها إيران الخمينية بأن البعث سينجز أهداف العرب في الوحدة
والحرية والاشتراكية إن لم ينهَ دوره ويحظر ويجتث، فالبعث قد برهن للعالم أجمع أنه حزب تحرير فلسطين طال الزمن أو قصر، وهو
حزب نهضة الامة وتحقيق التنمية العربية الشاملة وإنهاء الفاقة والفقر والجهل وشيوع
الأمراض والعاهات الاجتماعية، هو حزب التصنيع والتقدم وبناء الاقتدار في كل مقومات
الأمن القومي.
هو حزب التمكن الإداري والتخطيط الاستراتيجي، وهو الحزب العابر للقطرية
والقبلية بأطرها السلبية والمؤمن برسالات السماء يتقدمها الإسلام الحنيف.
بكلمة أخرى: إن البعث هو الحزب الأقرب والأكثر اقتداراً في تحقيق ذات
الأمة.
