شبكة ذي قار
عـاجـل










تساؤلات على عتبة المغارة

فؤاد الحاج

 

 

تعودنا في السنين الماضية أن نقف في مثل هذه الأيام ناشرين كلمات التهاني والمحبة والأمل بغد مشرق أفضل، ولكن في هذا العام المتبقي منه أياماً معدودات ليصبح منصرماً، ماذا سنكتب وماذا سنقول لصاحب العيد عليه السلام إذا وقفنا على عتبة المغارة مع فجر ميلاده المجيد! وماذا سنقول وماذا سنكتب لشعوب تعاني من ويلات ونكبات ومآسي ستبقى مستمرة في السنة الجديدة؟ هل سنبقى نزرع الأمل في الوقت الذي تعاني البشرية من متاهات ومجريات الأوضاع في فلسطين وفي لبنان والعراق وسوريا والسودان وبقية أرجاء بلدان تعاني ليس من ويلات الحروب والتهجير فقط، بل وتزداد بلادهم دماراً والشعوب تزداد بؤساً مع كل تكة من تكات الساعة المتسارعة لاستقبال العام الجديد.

ماذا سنكتب عن قيادات ادعت أنها وطنية، وأصبحت صدى لأفكار عقيمة منذ منتصف القرن المنصرم، الذين طرح بعضهم فكرة القبول بدويلة بعض فلسطين لتنتهي في أوسلو دون دولة سميت "سلطة الحكم الذاتي"! وهم الذين ساعدوا بطريقة مباشرة على تثبيت الاحتلال الغاصب لأرض فلسطين العربية، وكرسوا الصراع الفلسطيني – الفلسطيني، والانشقاق العربي - العربي ليس حول قضية فلسطين فقط بل وحول العراق قبل غزوه وبعد احتلاله من قوى الشر الدولية والإقليمية!

وماذا سنكتب ونقول عن لبنان وشعبه الذي يزداد فقراً بعد أن نهبت أمواله العصابات المتحكمة برقاب البلاد والعباد! وكذلك عن السودان الذي أصبح ملعباً للاقتتال بين الأخوة الأعداء!

هل أستبق الزمن لأكتب عن ذكرى انطلاق الثورة الفلسطينية، التي باتت مجموعة أطاريح في الجامعات وبضع كلمات في كراريس الطلبة وفي الندوات! ترى كم من بيان سيصدر وكم من كلمة ستكتب فيها بعد أن قضت أوسلو على "منظمة التحرير الفلسطينية" التي لم يزل يتمسك البعض بها ويردد اسمها في الفضائيات الإعلامية!

وهل سنكتب عن ذكرى العدوان الثلاثيني المتعدد الجنسيات على العراق عام 1991، ثم غزوه واحتلاله عام 2003! ترى كم من بيان ومقال وتحليل سيصدر دون أن نجد أي طرح أو تقييم عملي ونظرة مستقبلية حول مرحلة غزو العراق واحتلاله! وغداً أيضاً ستطل علينا ذكرى عيد تأسيس الجيش الوطني العراقي، فكم كلمة ستكتب وكم تحليل وغير ذلك الكثير من المناسبات في تلك البلدان التي تحولت إلى ذكريات على الورق وعلى المنابر!

ولأنني شخصياً أؤمن أن البشر ضعفاء وأن فكر الإنسان يبقى قاصراً عن بلوغ السمو مهما بلغت درجاته العلمية، ولأنني أأبى أن تمر ذكرى ميلاد الناصري، دون أن أستفيد من مغزاها، لذلك فأنني أقف مع هذه الذكرى عند عتبة المغارة فاتحاً قلبي متمنياً أن تقوم بين الشعوب علاقة محبة أرسى قاعدتها صاحب العيد عليه السلام.

إننا في هذه المناسبة بحاجة إلى تجسيد معاني هذه الذكرى بمراجعة نقدية بناءة، فليس حسبنا أن نتغنى بالحق والحرية، والخير والجمال، ونشر كلمة حق وجه سلطان جائر، لأنه لا قيمة لهذا التغني بحد ذاته، إلا بالعمل الفعلي المطلوب نقله إلى حيز الفعل. وهنا يكمن دورنا كمثقفين واعين لحركة التاريخ، الملتزمين بمساندة الحق، وأضعف الإيمان هو مساندة المواطن المقهور والمظلوم، والإنسانية المعذبة في أقطار المعمورة، في أن نؤشر إلى أخطاء الحكام الظالمين، وأن نكشف جشع الطامعين بخيرات الوطن، والمتلاعبين بقوت الشعب. وفي الوقت الذي نؤكد فيه الالتزام بالدفاع عن حماية المواطن، يجب عليه التأكيد على حماية الوطن في الوقت نفسه، لأنه لا قيمة لوطن تهدر فيه حقوق المواطن وتستباح فيه أرضه وثرواته الطبيعية من الذين فرضوا أنفسهم قيمين على أمور الشعب، ولنا في مجريات الأوضاع في لبنان دليل واضح. فقيمة المثقفين الواعين هي في الوقوف مع الحق عندما يزهق ومع المظلوم حين يهدر حقه، وأن ننتصر للحرية إذا صارت بدون مضمون، وأن ننقذ الخير إذا انتهى إلى غير أهله، وأن نرفع الجمال حين تصبح القباحات بمستواه. هذا ما يجب أن نعمل له ونحن على عتبة المغارة، لأن الظلم لن يطول، ولا بد أن تشرق شمس الحرية وأن يسود الحق، مهما اعتقد البعض أن قوى الشر قد سادت، لأن أحداث التاريخ تؤكد أن كل الإمبراطوريات إلى زوال مهما طال عمرها، وأن عهد الشر لن يسود.

وعلى عتبة المغارة أيضاً، علينا أن نتذكر أهلنا وشعبنا الذين يعانون من الفاقة ومن الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في لبنان وفي سوريا وفي العراق كما في أرجاء البلدان العربية، ونمد لهم يد العون قدر المستطاع، على الأقل من باب دعم ذوي القربى ورابط صلة الرحم.

وعلى عتبة المغارة كذلك، علينا أن نتذكر الشعب الفلسطيني البطل في أرجاء فلسطين الذين يعانون من جور الاحتلال، ومن ظلم واختلافات "القيادات الفلسطينية" المتوجين في أوسلو، أو الذين توجتهم بعض أنظمة الذل العربية وكذلك الذين توجهم ملالي قم وطهران.

وأخيراً وليس أخراً، لن أتحدث عما جرى ويجري في اليمن، وفي السودان، وفي الجزائر، كما في باقي أرجاء البلدان العربية، لأن الجميع سيكون مصيرهم التقسيم، وإقامة كيانات فيدرالية، وكونفيدرالية، طائفية ومذهبية.

مسترشداً بهدي هذه المناسبة، وبروح المحبة التي نشرها الناصري، لتكون نبراساً للإنسان أينما كان، والتي فيها فقط يكمن خلاص البشرية من أنظمة الفساد في الوطن الذي كان كبيراً في أحلامنا، كما في أرجاء العالم، ليعود الإنسان أخ للإنسان وبذلك نكون قد حققنا جميعاً الغاية التي نصبوا إليها وما أرادها أن تكون صاحب هذا العيد.

أخيراً أتمنى أن تلهمنا الوقفة عند عتبة مغارة الناصري، روح المحبة والتعاون البناء، لنقف جميعاً صفاً واحداً، في مواجهة الطغاة وأنظمة الفساد مجتمعين. وأن نترحم على الشهداء الذين يتساقطون في فلسطين بسلاح قوى الشر العالمية التي تقودها إدارات الشر الأميركية والصهيونية الأوروبية.

وكل عام والجميع بخير

23/12/2023

 






الجمعة ٩ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب فؤاد الحاج نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة