شبكة ذي قار
عـاجـل










الكذب والتضليل أهم أسلحة إدارات الشر الأمريكية

معمل حليب الأطفال وملجأ العامرية أنموذجاً

فؤاد الحاج

 

في ظل ما يتعرض له العراق وشعبه من ظلم وجور ذوي القربى تحت الاحتلال الإيراني الذي منحته لها إدارة الشر الأمريكية، علينا أن نتذكر دائماً، أن الإرهاب هو صناعة أمريكية مقابل انكفاء عربي شامل. ولنا من دروس الديمقراطية والحرية التي أرادت إدارات الشر الأمريكية نشرها في عراق التاريخ والحضارات لتعم كل المنطقة. لذلك نعيد التذكير بالإرهاب الأمريكي الأطلسي والعربي الرسمي خلال العدوان الثلاثيني الغادر سنة 1991.

"حرب الخليج هي أحقر حرب خضناها (نحن الأمريكان) حتى الآن، وأنها خطأ مأساوي سيكلفنا الكثير"، هذا ما صرح به بعد أيام قلائل من قصف ملجأ العامرية البروفيسور (ماكغواير غبسون) المتخصص في حضارات ما بين النهرين في جامعة (شيكاغو) لصحيفة (الغارديان ويكلي)، تعبيراً عن استنكاره الجرائم البشعة التي ارتكبتها الإدارة الأميركية ضد شعب هو من أعرق شعوب الأرض قاطبة، ومن ذلك قصف ملجأ العامرية ومعمل حليب الأطفال.

وبنفس المنطق الذي استخدمته أمريكا لتبرير قصفها مدينتي (هيروشيما) و(ناكازاكي) في اليابان بتاريخ 6 آب/أغسطس 1945 وبعدها بثلاثة أيام تم تدمير ناكازاكي بالقنابل الذرية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 220 ألف شخص في المدينتين حينها ادعت أمريكا أنها قصفت قاعدة مهمة للجيش الياباني. وكذلك ادعت الإدارة الأمريكية، حينما أقدمت على جريمتها بقصف معمل حليب الأطفال في منطقة أبو غريب بذريعة أنه منشأة عسكرية تنتج أسلحة كيمياوية، بينما ادعت أنها قصفت مقر قيادة وسيطرة عسكرية في بغداد حينما قصفت ملجأ العامرية المدني فجر يوم 13 شباط/فبراير 1991.

الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن أمريكا استهدفت قتل المدنيين الأبرياء في العراق مثلما استهدفت قتل المواطنين اليابانيين في قصفها مدينتي (هيروشيما) و(ناكازاكي) وما ادعاءاتها المختلفة إلا محاولات للتضليل الذي تتقن صناعته فقد أرادت من هذه الجريمة البشعة ترويع الناس وإرهابهم وهز معنوياتهم والتأثير في صمودهم ومقاومتهم للعدوان.

وبعد قصف معمل حليب الاطفال في الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير عام 1991 من قبل الأمريكان وتحويله إلى حطام، توجه فريق من الصحفيين والمراسلين المتواجدين في بغداد بينهم (بيتر أرنيت) مراسل شبكة (سي أن أن) التلفزيونية، وبعد جولة لهم في أرجاء المعمل المدمر لم يعثروا على أي دليل يثبت كونه معملاً لإنتاج الأسلحة الكيمياوية، أو أي نوع من أنواع الأسلحة، وقام (بيتر أرنيت) بتذوق عينات من الحليب أمام كاميرات التلفزة بينما أخذ قسماً آخر من الحليب ليجوب بها كبريات المدن الأميركية عند رجوعه، وكان يقدمه ممزوجاً بالقهوة‍‍.

إن الهدف الأساس من قصف المعمل كان الطفولة العراقية وزيادة معاناتهم في ظل الحصار الجائر، من خلال الإيغال في منع الغذاء والدواء وخصوصاً حليب الأطفال، وعلى الرغم من هشاشة مزاعم إدارة الشر الأميركية التي أصرت على القول "نحن على يقين من أنه معمل للأسلحة الكيمياوية."

وبعد مدة قصيرة أعلن المتحدث باسم شركة (نستلة) السويسرية وهي المنتج الأول للأغذية الخاصة بالأطفال في العالم، (نحن نعرف أنه معمل لأغذية الأطفال) وأكد مسؤولون في الشركة أنهم كانوا يقومون بزيارات دورية للإشراف على بنائه طوال السنوات الماضية.

إن هذه التصريحات لم تنقل في أي من الشبكات التي حرصت على نقل هجوم ادعاءات إدارة الشر الأمريكية مثلما حرصت على نقل تصريحات المسؤولين الأمريكان بأن المعمل منشأة عسكرية!

وكان (رامزي كلارك) وزير العدل الأمريكي الأسبق قد أكد أن معمل حليب الأطفال كان أحد الأهداف الأولى للقصف، ولا يعتقد أي عراقي أن القصف حصل بالمصادفة، وأن ما زعمته الإدارة الأمريكية كذب، لأنه تحدث مع أكثر من عشرين شخصاً ممن يعملون في المعمل، وكلهم أكد بشكل قاطع أنه معمل لحليب الأطفال دون أدنى شك.

وحينما قصف الأمريكان في ليلة الثالث عشر من شباط/فبراير ملجأ العامرية قدموا النموذج نفسه (الكذب والتضليل) الذي اعتمدوه في حروبهم. فقبل الفجر بساعة أطلقت الطائرات الأميركية من نوع (أف-111) صاروخين موجهين بالليزر صمما خصيصاً لاختراق سقف الملجأ، يزن كل منهما طنين، فأحدث الأول فتحة كبيرة في سقف الملجأ، من خلال فتحة التهوية ليحدث عصفاً يؤدي إلى إغلاق الأبواب في الملجأ ويمنع المقيمين فيه من الخروج. أما الثاني فأنه مر من خلال الخرق الذي أحدثه الصاروخ الأول لينفجر داخل الملجأ، ممزقاً أجساد الأطفال الغضة، وأجساد النساء والشيوخ، ويحول الملجأ إلى فرن لصهر البشر بلغت حرارته آلاف الدرجات المئوية. وهذا مما أدى إلى استشهاد (403) من المواطنين الذين احتموا بالملجأ من قصف الطائرات، كان من بينهم (52) طفلاً رضيعاً و(261) امرأة، امتزجت دماؤهم برماد الموت، ونثار الإسمنت المحطم.

وأمام آثار الدماء المختلطة بالركام، والخطوط التي حفرتها الأمهات والأطفال الشهداء على جدران الملجأ، وأمام الحقيقة التي لا يمكن إغفالها، انهارت صناعة الكذب الأميركي، واضطر (البنتاغون) إلى الاعتراف بالجريمة البشعة التي ارتكبتها أمريكا ضد شعب العراق، على الرغم من أن (البنتاغون) حاول تصوير جريمة القصف بأنها حدثت (خطأ)، وليس بالقصف المتعمد لمكان مدني، فقد نشرت صحيفة (الصنداي تايمز) البريطانية في عددها الصادر يوم 17/2/1991 أن مصدراً رفيعاً في (البنتاغون) أبلغها بأن (وزارة الدفاع الأميركية تعترف بارتكابها خطأ بقصف ملجأ مدنياً في بغداد، وأن المعلومات التي بموجبها تم تشخيص المكان كمجيء عسكري كانت معلومات قديمة)!

وقد ذكر شهود عيان في منطقة العامرية، حيث يقع الملجأ، أن الطائرات الأميركية ظلت ثلاثة أيام متوالية، تحوم حول المنطقة، وأحياناً بارتفاعات منخفضة، ويبدو أن الهدف من هذا الطيران كان تصوير المنطقة بدقة، والتعرف على مواصفات الملجأ، وتحديد كيفية إصابته إصابة مباشرة، وإلحاق الأذى الفادح بالقاطنين فيه، وهذا ما عكسته طريق تنفيذ الجريمة.

إذاً المعلومات ليست قديمة، ولكنها أكذوبة قديمة، وورقة من أوراق التضليل الأسود.

في كتابه (احذروا الإعلام) أفرد (ميشيل كولون الصحافي البلجيكي الذي ناهض الحروب الإمبريالية) فصلاً مهماً لدراسة أساليب التضليل التي مارستها ماكنة الدعاية الغربية، لطمس حقيقة هذه الجريمة البشعة، وسعي شبكات التلفزة الأميركية والغربية عموماً إلى الحد من تأثير هذه المأساة وانعكاساتها في الرأي العام العالمي.

يقول (ميشيل كولون) "أن الأمر الذي صدمتنا ملاحظته، هو أن المراسلين يتحدثون عنه باسم (الملجأ) في حين تصر هيئة التحرير المركزية على تسمية (المخبأ العسكري)، إن اختيار التسمية ليس بريئاً، فالملجأ هو مدني بالضرورة، أما المخبأ فهو عسكري بالضرورة أيضاً، والثاني يوافق الطرح الأميركي الرسمي".

ويستغرب (كولون) من عدم نشر مجلة (باري مانش) الفرنسية صور ضحايا الملجأ، "وهي التي عودتنا على نشر الصور الواضحة للحوادث ومحاولات الاغتيال"، ويجيب على هذا الاستغراب بالقول: "أن سبب تكتم الصحيفة على نشر صور الملجأ، هو أن أولئك القتلى لا يخدمون أغراضها، ويناقضون الدعاية المطلوبة". الأدهى من ذلك أن المصادر العسكرية عدت قصف الملجأ، حتى بعد انكشاف الحقيقة، "دليلاً على مهارة الطيارين الأمريكان وفعالية قنابلهم (الذكية)"!.

لقد كشفت جرائم الأمريكان وحلفائهم مدى استهتارهم بالقيم، والمواثيق الإنسانية، واستخفافهم بحياة الشعوب، وبذات الوقت أراد الأمريكان إعادة الاعتبار لأنفسهم التي هزمت في فيتنام والثأر من العراق الذي دك "تل أبيب" بالصواريخ، التي قال عنها (شيمون بيريز) خلال زيارته إلى مدينة عربية في الشمال الأفريقي عام 1992، "أن العراق سيدفع غالياً ثمن الصواريخ التي أطلقها على تل أبيب" وقد أكدت (مادلين أولبرايت) - وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون 1996 – 2000 - عندما أعلنت رداً على سؤال خلال مقابلة مع برنامج (60 دقيقة) وماذا عن موت أكثر من 500,000 طفل عراقي جراء الحصار، وهذا العدد يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في هيروشيما؟ أجابت "أنني أعتقد أن الثمن يستحق ذلك"! على الرغم من اعتذارها سنة 2005 حيث اعتبرت أن ذلك كان خطأ منها!

اليوم وبعد أن تم غزو العراق واحتلاله سنة 2003 ومن ثم تقديمه على طبق من ذهب إلى ملالي قم وطهران، نجد أن الإدارات الأميركية المتعاقبة من (الجمهوريين) و(الديمقراطيين) معاً لازالوا يشددون على تقسيم العراق ويعملون على تقسيم باقي الأقطار العربية إلى أجزاء طائفية ومذهبية كما أعلن سيء الصيت الرئيس (الديمقراطي) جورج بوش الصغير في الأول من أيار/مايو 2003 من على ظهر حاملة الطائرات أبراهام لنكولن حيث قال: "من العراق سنعيد رسم خارطة المنطقة"!

 






الجمعة ١٨ شعبــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أذار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب فؤاد الحاج نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة