شبكة ذي قار
عـاجـل










 

الإرهاب الأمريكي في ملجأ العامرية

في ضوء القانون الدولي والإنساني ومطلب محاكمة مجرمي الحرب الأمريكان

فؤاد الحاج

 

ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية جريمة لا مثيل لها في العصر الحديث عندما أقدمت على ضرب ملجأ العامرية في الثالث عشر من شباط/فبراير من سنة 1991، بقنابل محرمة دولياً، تسببت في قتل المئات من المدنيين الأبرياء غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ. فهل هناك مبرر قانوني أو أخلاقي يبيح ارتكاب مثل هذه الجريمة؟

وهل أن ارتكاب هذه الجريمة يحقق ميزة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية؟ أم أن ارتكابها يعد انعكاساً للحقد والكراهية والعنصرية التي تحملها الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها الصهيونية العالمية ضد الأمة العربية؟

فإذا كان الهدف من الحرب واستخدام القوة المسلحة لتحقيق الأهداف السياسية أو الاقتصادية واستخدام القوة العسكرية، لقهر الطرف الآخر وإجباره على الاستسلام، فإن الحرب بمختلف أنواعها البرية والبحرية والجوية محكومة بقواعد قانونية يجب على الدول المتحاربة الالتزام بها وعدم انتهاكها. فالحرب ليست حالة انفلات أو تنصل من القانون والقيم والأخلاق، بل أنها محددة بقيود وقواعد لا يجوز الخروج عنها مهما كانت الظروف والأحوال، وإلا فأنها تكون عملية انتقام ليس إلا، وبذلك تصبح العمليات العسكرية جريمة حرب موجبة للعقاب، فإذا ما نشبت حرب بين دولتين أو أكثر فأن القواعد المتعلقة بالسلم تتوقف عن التطبيق وتحل محلها قواعد قانونية دولية تنظم إدارة الحرب والأسلحة التي يجب استعمالها والتي لا يجوز استعمالها، ومعاملة الأسرى، وكيفية وقف القتال والهدنة وغيرها من القواعد المنظمة للحرب. ويطلق على هذه القواعد بقانون الحرب، وهو مجوعة الاتفاقيات والأعراف الدولية التي تنظم سير العمليات العسكرية.

ومن الأمور المهمة التي نظمها قانون الحرب، هي حالة المدنيين والأهداف المدنية في المنازعات المسلحة. ويطلق على القواعد المتعلقة بحماية المدنيين بـ (قواعد القانون الدولي الإنساني)، والدولة أو العسكري الذي يخالف هذه القواعد يعد مرتكبا لجريمة حرب، ويخضع للعقاب من قبل محاكم دولية.

فقد وضع القانون الدولي قاعدة عامة في المنازعات المسلحة، وهي كل عمل عسكري لا يحقق ميزة عسكرية أو يتجاوز الحد المعقول أو الهدف من النزاع المسلح يعد جريمة لا يجوز ارتكابها. وتعد (اتفاقيات لاهاي) لعام 1907، و(اتفاقيات جنيف) لعام 1949، و(الملحقان الخاصان بالمؤتمر الدبلوماسي) لعام 1974، هي الأساس في تحديد قواعد القانون الدولي الإنساني. وقد شارك في إعداد هذه القواعد الدول المتنفذة في العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الكبرى، ومن الأمور التي أكدتها هذه الاتفاقيات الدولية هي حماية المدنيين والأهداف المدنية في المنازعات المسلحة.

لقد حرمت المادة (25) من (اتفاقيات لاهاي) لعام 1907، مهاجمة أو قصف المدن والأبنية غير المحمية، أي لا يجوز قصف الأهداف المدنية التي لا يوجد فيها سلاح أو لا تتضمن معسكرات رسمية تابعة للدولة، مهما كانت الوسيلة المستعملة ضد هذه المباني، وإذا ما شكت دولة متحاربة بان هذه المباني مخصصة لأغراض عسكرية فأن المادة (26) من الاتفاقية المذكورة أوجبت أن تحذر الدولة المهاجمة الطرف الآخر قبل الشروع بالهجوم بأنها سوف تقوم بالهجوم عليها من أجل إجلاء المدنيين المتواجدين فيها.

ومنعت قواعد الحرب الجوية التي حددتها لجنة من القانونيين في (اجتماع لاهاي) عامي 1922 و1923، القصف الجوي ضد السكان المدنيين والمدن والمباني والملاجئ المدنية، وعلى الطائرات أن تمتنع من قصف المناطق العسكرية القريبة من المدنيين والأهداف المدنية. وأن المادة (24) من هذه القواعد أوجبت على الدولة التي تقوم بضرب السكان المدنيين والأهداف المدنية أن تدفع تعويضاً عن الأضرار التي تلحق بأشخاص مدنيين أو أملاكهم.

وقد منعت (اتفاقية جنيف الرابعة) لعام 1949، ضرب الملاجئ التي تنشئها الدولة لحماية المدنيين وغير المدنيين لحمايتهم من آثار الحرب وإن كانت تتضمن أفراداً من القوات المسلحة الذين لا يشتركون مباشرة في العمليات العسكرية وخاصة من الجرحى والمرضى، أو وجد فيها أفراد من الشرطة لحماية الأمن، فهذه المناطق تتمتع بالحماية فلا يجوز التعرض عليها، كذلك لا يجوز التعرض للمناطق المحرمة وهي المناطق المنزوعة السلاح وإن كان فيها عسكريين.

وقد حرم (البرتوكول الثالث) لعام 1980، المتعلق بشأن حظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرمة، ضرب أي تجمع للمدنيين في الملاجئ سواء أكان دائماً أو مؤقتاً، أو أية أبنية مأهولة بالمدنيين، ولا يجوز في جميع الظروف أن يكون السكان المدنيون في هذه الملاجئ والمناطق فرادى أو جماعات محلاً للهجوم بالأسلحة، كما لا يجوز ضرب هذه المناطق وإن كانت قريبة من الأهداف العسكرية، وكذلك لا يجوز ضرب الأهداف العسكرية القريبة من هذه المناطق بأسلحة تطلق من الجو.

وقد أوجب دليل (سان ريمو) بشان القانون الدولي المطبق في المنازعات المسلحة في البحار والذي أعدته لجنة القانونيين الدوليين في حزيران/يونيو عام 1994، بأن على الدول المتحاربة أن تميز في كل وقت بين المدنيين والعسكريين وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، وأن يكون المدنيون والأهداف المدنية في مأمن من العمليات العسكرية، وأن تنحصر الهجمات العسكرية على الأهداف العسكرية فقط، وعدم استخدام الأسلحة العشوائية لكي لا يتعرض المدنيون للعمليات العسكرية، وأن على الدول المتحاربة أن تتخذ الإجراءات الاحتياطية والتأكد من الأهداف العسكرية بأنها مخصصة فعلاً للأعمال العسكرية، وأن قصفها لا يشكل تهديداً للمدنيين، وأن الأهداف العسكرية التي يجوز ضربها يجب ألا تقع في مناطق مدنية، وأن تستعمل الأسلحة والتدابير العسكرية التي من شأنها عدم اتساع الأضرار للمدنيين والأهداف المدنية.

تلك القواعد القانونية التي حددها (القانون الدولي الإنساني) والتي منعت جميعها ضرب الملاجئ والمدنيين وحتى العسكريين الذين لا يحملون السلاح، قد اشتركت الولايات المتحدة الأمريكية في تشريعها ووضعها إن لم تكن هي الدافع والمحرك الأساس في إقرارها ودفع الدول على قبولها والالتزام بها أثناء المنازعات المسلحة.

إن ارتكاب جريمة ضرب ملجأ العامرية ومخالفة هذه القواعد الواضحة والمتفق عليها بين جميع الدول والملزم إتباعها، قد جرى تحت غطاء الشرعية الدولية لقرارات الأمم المتحدة الصادرة ضد العراق، فتلك الشرعية في حقيقتها ما هي إلا قتل الأبرياء المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء بشكل يندى له الضمير الإنساني. فكل ما حدث في العراق خلال سنوات الحصار الجائر منذ منتصف عام 1990 وحتى الغزو الأمريكي سنة 2003 العراق واحتلاله بمساندة ودعم رسمي من أنظمة الذل والعار الناطقة بالعربية تحت ما يسمى "الشرعية الدولية"، تلك الشرعية التي لم تكن تعني ولن تعني سوى قتل الأبرياء وانتهاك سيادة واستقلال وحقوق البلاد والعباد لصالح قوى الشر الإقليمية والعالمية، والسماح للأنذال بنهب ثروات العراق الذي تم تسليمه لقمة سائغة لنظام ملالي الفساد في قم وطهران.

فإذا حرم (القانون الدولي الإنساني) ضرب الملاجئ وإن كانت مخصصة لأفراد القوات المسلحة، ما دام هؤلاء لا يمارسون أعمالاً عسكرية ضد الطرف الآخر، فهم في هذه الحالة لا يعدون خطراً على الطرف الآخر، ولهذا فأن ضرب الملاجئ التي تتضمن أفراداً من القوات المسلحة يعتبر جريمة حرب موجبة للعقاب، فكيف يكون الأمر إذا كانت الملاجئ مخصصة للمدنيين؟!

وإذا كانت المحاكم الدولية تقوم بمحاكمة بعض الأشخاص لقتلهم مجموعة لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة من المدنيين أو العسكريين بتهمة جرائم حرب، فما هو موقف هذه المحاكم من قتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ في ملجأ العامرية بقنابل محرمة دولياً؟

المطلوب اليوم من كل الشرفاء والأحرار في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج كما في أرجاء العالم، أن يعيدوا التذكير بجريمة العصر التي ارتكبتها أمريكا بقصف ملجأ العامرية المدني في ليلة الثالث عشر من شهر شباط/فبراير عام 1991، التي ذهب ضحيتها أكثر من (400) شخصاً من الشيوخ والشباب والنساء من بينهم 52 طفلاً رضيعاً.

 






الاحد ٢٨ رجــب ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب فؤاد الحاج نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة