شبكة ذي قار
عـاجـل










 

الهُويَّة الوَطنيَّة والقَوميَّة فِي مُوَاجَهةِ التَّحَدِيَات المُعَاصِرة

الجزء الثالث

الطائفيَّة والشُّعوبيَّة وتَهدِيد الهُويَّة

د. محمد رحيم آل ياسين

                         

مما لا شَكَّ فيهِ أنَّ الهُويَّة لا تَستَمِدّ ماهيَّتها من ذاتها فقط، بل مِمَّا يَنفصل عنها وليس فقط مِمَّا يَتَّصِل بها، فلا معنى للهُويَّة بمعزلٍ عن التَنوّع والتَمَيّز والاختِلاف من قبل الآخر، فالمعنى الحقيقي للهُويَّة يتأصَّل عندما تَتَنافس أو تَتَجاور مع هُويَّة أخرى. فهيَ لا تَهبط من كوكبٍ آخر أو أنَّها تأتي من خارج الزمن، بمعنى واقعيَّتها ووجودها الفعلي من خلال وجود المجتمع نفسه، والهُويَّة كما مرَّ معنا في الجزء الثاني ليست جامدةً أو صندوقاً مُقفَلاً بل هي مُتَحرِّكة باستمرار مع حركة التاريخ، وهذا يَعني أنَّها خاضِعة للإصلاح أو التَّحديث فهي تكتب المعنى والمَضمون كتجربة انسانية خاضعة لتَحدِّيات الواقع والمُستَجدات التي تَطرأ عليه مع احتفاظها بالثوابت الأساسية الراسخة التي تُحَدِّد العِرق والجِنس والقَومية، والوَطن.

وتَبقى هذه الهُويَّة تَمنح الانسان كفرد والمجتمع بإطاره الجَمعي، الشعور بالوجود والانتماء والمصير المشترك بما يضمن استمرارية الجماعة ويَحمي وجودها وكيانها. وحينَ يَضعف هذا الشعور بقيمة الهُويَّة ويَسير باتِّجاه طريق التلاشي والزوال، عندها يواجه المجتمع مَصير التَّفكك والفُرقة. والحقيقة أنَّ الهُويَّة القومية العربية والهوية الوطنية في بعض أقطار الوطن العربي، تتعرض الى محاولات تستهدف ادخال التَّفكك والضعف والانحلال كما يجري اليوم في العراق المُحتلّ، واليمن وليبيا على وجه التحديد. وهذا يجعلنا أمام تساؤلات كثيرة عن العوامل التي تحدث هذا الضعف والهشاشة للهُويَّة الوطنية والقومية في هذه الأقطار التي يتغوَّل فيها أذناب الفرس وأعوانهم من الخائنين والمُرتدِّين، فهل هي أسبابٌ عارضةٌ وظرفيةٌ أم هي أسبابٌ جوهريةٌ؟ وهل هي تَتعَلَّق بالبُنية الثقافية والاجتماعية الوطنية أو القومية؟ أم اختلطَت معها أسبابٌ وعواملٌ خارجيةٌ أخرى، مِمَّا يسعى الى الدفع بالوَعي العربي لهُويَّته نحو مُنحَدرٍ بديلٍ طائفيٍّ ومَذهبيٍّ وقَبَليّ. وفي الحالة العراقية فقد تجاوز العراقيُّونَ أزمةً في الهُويَّة الوطنية والقومية بفعل الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق، ثم تدوير هذا الاحتلال لدولة إيران الفارسية، عندما أشهروا سلاح وطنيَّتهم (العراقية) وقوميَّتهم (العربية) بوجه المحتلّ الأمريكي والفارسي.

 

الطائفية أحد معاول هدم الهُويَّة الوطنية والقومية

لابد في البداية من التمييز بين الطائفة والطائفية. فالمشكلةَ الطائفية هي ظاهرةٌ استثنائيةٌ (وقتية) وليسَت واقعاً، فالطائفيةُ لا تَكمن في مذهبٍ أو دينٍ بحَدّ ذاته. ولا في طقوس العبادات، وإنَّما تكمن في توظيف بعض البشر أو الأفراد لهذا المذهب ولهذه الطائفة أو تلك في خدمة مصالحهم الخاصة. وفي صراعهم على السلطة والتَسابق في الولاء وخدمة الأجنبي وخيانة الوطن.

أمَّا الطائفة كما نراها فهيَ تَتابُع تَطوّر تاريخي، وطبيعي، ديني واجتماعي وثقافي، بينما الطائفية هي أفكارٌ مُشوَّهةٌ ومنحرفةٌ يَنتجها البعض من الأفراد لخدمة مصالحهم الشخصية وطموحاتهم المريضة دونما أيّ صلة بالدِّين أو التَّديُّن. بل هو نقيض ذلك في استغلال الدِّين والمذهب في لعبة السياسة والمصلحة. وينبغي الاشارة هنا أنَّ نزعات التَطرّف والعنف الطائفي ليسَت حكراً على المجتمعات العربية دون غيرها، ولا هي نتاج ثقافات أو أديان بعينها دون غيرها. فهذه النزعات قد عرفتها معظم المجتمعات والبلدان والثقافات والأديان، ولم يزل بينها حتى الآن مَن يعاني منها.

 

تَعريف المَذهَب والطائِفَة

جاء في المعجم الوسيط، ذهب الى قول فلان: أخذ به وذهب مذهب فلان: قصدَ قصده وطريقته، وذهب في الدين مذهباً: رأى فيه رأياً، أو أحدث فيه بُدعةً، المعجم الوسيط ج1، ص316، والطائفة كما جاء في المعجم الوسيط: الجماعة والفرقة، وجماعة من الناس يجمعهم مذهب أو رأي يمتازون به. أمَّا الطائفية: فهي التعصّب لطائفة معيَّنة، المعجم الوسيط ج2، ص577. وهي استغلال المذهب لأغراض شخصية ومصلحية ضَيِّقة.

ويُطلعنا التاريخ على أنَّ معظم المجتمعات قد شهدت موجات من التَطرّف والتَعصّب الطائفي، قَصْدنا من ذلك أن نؤكِّد على أنَّ نزعات العنف الطائفي المقيتة التي تشهدها بعض الأقطار العربية بفعل التدخل الأجنبي خصوصاً العراق ولبنان وسورية واليمن، فهي لا تَتَّسِم بحال التطرف والعنف، اذْ ليس هناك ما يجعلها تحمل (جينات) تلك النزعات أو أنَّها تمتلك قابلية في استشرائها أكثر من غيرها. فالعراق مثلاً ومنذ تأسيس دولته الحديثة في عشرينيات القرن الماضي وحتى الاحتلال الأمريكي الغاشم، قد تَعزَّزت الوحدة الوطنية والأُلفة المجتمعية خصوصاً في العهد الوطني المجيد. ولكنَّ القضية الطائفية تفجرت بعد الاحتلال الأمريكي ونتيجة له، والذي عمد على تنصيب نظام سياسي طائفي وفق محاصصة طائفية مقيتة.

نقول، أنَّ هناك شروطاً سياسيةً واجتماعيةً يتم اقحامها بفعل تدخل أجنبي هي التي تُشعِل هذه النزعات الطائفية وتغذيها وتوقد النار في أحطابها اليابسة التي جفَّت منذ زمنٍ بعيدٍ. وأنَّ تَغيُّر هذه الشروط أو انحسارها والقضاء عليها كفيلٌ بالحَدِّ من هذه النزعات وعَزلها، ومِن المُلاحَظ أنَّه كلَّما كان تَمسُّك المواطن بهُويَّته الوطنية كلَّما ضَعف التَوجّه الطائفي أو المذهبي، لأنَّ الهُويَّة الوطنية هي الجامعة لأبناء المجتمع وليسَ المذهب أو الطائفة، وبالعكس كلَّما كانَ التَمسُّك بالولاء المذهبي والانتماء الطائفي كلَّما ضَعُفَت الهُويَّة الوطنية وتَراجَعت.

وكما أسلفنا فإنَ الطوائف هي ظاهرةٌ تاريخيةٌ دينيةٌ واجتماعيةٌ، وهي ليست الفكر السياسي الطائفي والذي يَتَضمَّن مصادرة حُرّية الأفراد وخياراتهم الشَّخصية، ويؤدي الى الفرقة والتَشتّت وتفتيت اللُحمة الوطنية بين أبناء المجتمع الواحد، وتالياً يفرض على المجتمع الخضوع الى النمَط المذهبي والطائفي، بدعوى أنَّه يُمَثِّلُ مُشتَركاً لأفراد المجتمع. من هنا يَتبَيَّن لنا أنَّ المشكلة لا تَكمن في وجود الطوائف والمذاهب في المجتمع الواحد أو المجتمعات المتعددة، بوصفها جماعات بشرية تَشكَّلت عبر التاريخ، فهذا أمر طبيعي أمكَن التَعايش معه منذ مئات السنين، بل نرى أنَّ هذا التَعدّد والتَمايُز في الطوائف والمذاهب هو عاملُ اثراءٍ وتَنوّعٌ ثقافيٌّ لأيّ بلد، بشرط عدم المساس بالهُويَّة الوطنية لهذا البلد، في حين أنَّ الفكر الطائفي المُتَخلِّف يُحَوِّل هذه الطوائف الى وحدات اجتماعية مُنقَسِمة ومُختلفة في الولاءات والأهداف، وبالتَّالي توظيف الطائفية لأغراض سياسية دينية (اسلاموية). غايتها الهَيمنة والتَسلّط والولاء لجهات خارجية.

إنَّ الطائفية كونها احدى وسائل الهَدم الخطيرة للهُويَّة الوطنية والقومية، تَسْتَلِب من الانسان حُرّيته وحَقّه في المساواة مع الآخرين، واخضاعه للسلطة الطائفية المُتَعيِّنة مذهبياً، والخطورة عندما تكون تلك السلطة مركزية و تَمتَدّ أيديها الأخطبوطية خارج البلاد، وهكذا تَكمُن الخطورة الكبرى الأولى في الفكر الطائفي: من خلال سعي هذا الفكر لتَفتيت اندماج المجتمع وفق مفهوم الوطنية الذي يتأسس على الفرد والمجتمع، دونما تَمايُزاتٍ بينه وبين غيره من أبناء الوطن الواحدة، والأُمَّة الواحدة، والخطورة الثانية: هي الامتدادات الإقليمية لهذه الطائفة او تلك خارج حدود الوطن والأُمَّة عندها تكون مراكز التوجيه تلك  بحقٍّ مُزَيَّفة الوطنية، ضبابية الولاء، مُنحَرِفة التَّوجُهات والأهداف، وتوظيفاتها لا تخدم سوى تشكيلها مع حاشيَّتها وطائفة مُعيَّنة بذاتها وقبل كل شيء مصدر توجيهها الأجنبي.

على أنْ لا يُفهَم من حديثنا هذا أنَّنا ندعو الى الغاء المذاهب والطوائف أو ننكر وجودها بل على العكس، فنحن نعترف بمعتقداتها، ونحترمها بل ولها الحُرّية الكاملة في ممارسة طقوسها المشروعة ومعتقداتها دونما تشويه لصورة المذهب أو الدِّين.

بعد أن عرضنا لمِعوَل هدم الهُويَّة والمُتَمثِّل بالطائفية أيَّاً كان مذهبها ودينها فإنَّنا نؤكد هنا أنَّ الدِّين على أصوله، لا يَتَعارض مع مبدأ الوطنية وهُويَّتها، وأنَّ المواطنة والهُويَّة الوطنية ليست استثنائية على الدِّين. ومن هنا فلا تعارض بين الاحتفاظ بالهُويَّة الوطنية والقومية وبين الايمان والتَعبُّد. لقد جاءت الأديان السماوية بعقائدٍ ومبادئٍ وأخلاقيَّاتٍ وأوامرٍ ونواهٍ للفكر والسُّلوك لا تَتَعارَض على الاطلاق مع هُويَّة الفرد.

قلنا أنَّ الطائفية هي معولٌ خطيرٌ لهدم الهُويَّة الوطنية والقومية، لماذا؟ لأنَّها تَعتَمِد الفِتَن والخلافات وهذا هو زادها الشَّهيّ، وبالتَّالي فهي تُفَرِّق ولا تُقُرّب، وتُجَزِّئ ولا تُوَحِّد، بينَ أبناء الوطن الواحد. لذلك قاتل العراقيون الأُباة كيما يوقفوا تصدير ثورة الفرس المشؤومة، فقدَّموا آلاف الشهداء قرابينَ من أجل الوقوف بالضِدِّ من الطائفية البغيضة التي كان نظام الملالي يَستَهدِف تصديرها للعراق، وكذلك فعلها أبناؤنا الشباب عندما قدَّموا أرواحهم الطاهرة ليَجتَّثوا الطائفية ويدوسونها بأقدامهم.

 

الشّعوبيَّة وهدم الهُويَّة القومية

مَثَّلت الشّعوبية ظاهرة اجتماعية خطيرة في حياة الامة العربية، فهي تَتَّخذ من الدين غطاءً لها، غير أنَّ أهدافها سياسيةً واجتماعيةً وثقافيةً بحتَةً وليسَ لها صِلة بالدِّين، وهي تعبيرٌ حَيٌّ عن النَزعات النفسية والثقافية والاجتماعية لغير العرب، وخاصة الفرس.

لقد بدأت نواة الفكر الشعوبي بالعمل وبكل الاتجاهات لتقويض حكم العرب في دولتهم الكبرى منذ الخلافة الراشدة.

 

تَعريف الشّعوبية

والشعوبية في رأي الجاحظ: الشعوبي هو الذي يُصَغِّر في شأن العرب ولا يرى لهم فضلاً على غيرهم. والكُتَّاب المُحدِثون يقولون: هُم قومٌ مُتَعصِّبون ضِدّ العرب، ويُفَضِّلونَ العَجم عليهم، ويُطلَق لفظ الشّعوبية على كلِّ مَن ناهضَ العرب قديماً وحديثاً. وقد ظهروا بسبب التَصارع بين القومية العربية والفارسية، وفي كلّ الأحوال فالشّعوبيةُ حركةٌ فارسية الأصل، هدفها مزدوجٌ هو الحَطّ من الامة العربية، والنَيل من الدِّين، ووسيلتها أنْ تَتَعصَّب وتَتَفاخر بأمجاد الفُرس ورُقيّ حضارتهم، وتَزدري وتُصَغِّر من شان العرب والهجوم عليهم ووصفهم بأحقر الأوصاف.

 

العِراق وتَهديد هُويَّته الوَطنية والقَومية

كلّنا يعرف حقيقة العِراق وكيفية تَكوّنه التاريخي، ورمزيَّة وقوَّة هُويَّته الوطنية والثقافية والاجتماعية الجامعة لكلِّ الأعراق والأديان والمذاهب، ولم يكن يوماً يتعامل بعِرقٍ أو جنسٍ أو دينٍ مُحَدَّد دون غيره، من هنا وجدناه، ميداناً وساحةً تَحاورت فيه الألسن، وموطناً للائتلاف والتَمازج الثقافي والاجتماعي، وكان مُنفَتِحاً على الآخرين. ولم تَتَغيَّر هذه الحقيقة الَّا بعد الغزو الغاشم من قبل أرباب الشر من أمريكان وبريطانيين ومن تحالف معهم. وكانَ للعربِ دوراً قيادياً فاعلاً في هذا البلد الذي لا يمكن انتزاع هُويَّته العربية في أضعف حالاته كما يجرى اليوم. بعد أنْ تَحوَّل الى دولةٍ هَشَّةٍ هامِشيةٍ في وجوده الذاتي، نتيجة تدمير دولته الوطنية وتحويله الى أنقاض دولة تحكمه الميليشيات والعصابات المسلَّحة لأحزاب السلطة التابعة بشكل مباشر للهيمنة الايرانية. والعرب في العراق هُم هوية واحدة (قومية) وهم أصل العراق وجذره كما أنَهم يُمثِّلون جوهره التاريخي والثقافي ومظهر وجوده الفعلي. ورغم تَمَسُّك العراقيونَ بهويتهم الوطنية على تَعدّد أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، ورغم أنَّهم يَعضُّون عليها بالنواجذ إزاء معاول تحاول هدمها لإحداث تصدّع وتَأزّم في البُنية الاجتماعية وضعف وهشاشة في الهُويَّة الوطنية من خلال تَفريق الناس بين مذاهبٍ، وطائفيةٍ، وان أي تَصدّع ينتج كما نراه قابلٌ للرأب باعتباره نتاجاً لحالةٍ مَرَضية طارئة سياسية وطائفية.

إنَّ الانقسام والتجزئة الطائفية التي يعيشها العراق اليوم لم يكن لها جذور في الواقع العراقي، أو مقدمات تاريخية أو سياسية انَّما هي حالة طارئة أنتجها الاحتلال الأمريكي الغاشم والوصاية الإيرانية الفارسية.

وينطبق نفس الشيء على الأقطار العربية المماثلة الأخرى. انَّ التَّفريط بالهُويَّة الوطنية فيها هو تَفريطٌ بكامِل الحُقوق ومنها حَقّ الحياة.

ويحاول الأجنبي أن يدس مفهوماً غريباً ومشوشاً وهو أن تلك الأقطار العربية ومنها العراق على سبيل المثال يُمَثِّل هُويَّةً ثقافيةً واحدةً، وليسَ هُويَّة وطنية واحدة!، لأنَّه يَتَشكَّل كما يزعمونَ من أعراقٍ وأجناسٍ عديدةٍ. وهذا ليس برأيٍّ صائبٍ بل مدسوس كما نراه، لأنَّ كلّ هذه القوميات والأعراق قد انصَهرت في بُوتَقةٍ وطنيةٍ واحدةٍ، بسبب التَراكم التاريخي والحضاري والاجتماعي، وعَبَّرت عن ذلك حضارات سومر وأكد وآشور وبابل، التي شارك فيها كلّ أبناء العراق القديم على تَعدّد أعراقهم، وهُم مَن قاموا مجتمعين ببناء الدولة العراقية الحديثة، والدفاع عنها وخاصة حدودها الشرقية في قادسية العرب الثانية، رَدَّاً على العدوان الإيراني على أراضي العراق ومدنه وشعبه، ولم يَتَخلَّف عراقيٌّ أصيلٌ عن شرف القتال في هذه المعركة على تعدّد أعراقهم وأديانهم وقومياتهم. فالعراقُ يمثِّل هُويَّةً وطنية وثقافية واجتماعية واحدة لا تَتَجزَّأ.

إنَّ تَعزيز الهُويَّة الوطنية العراقية، على اعتبارها تُمَثِّل أساس العيش المشترك بين أبناء الشعب، يكمن في وحدة الشعب ووعيه وعدم الانجرار الى الولاءات الطائفية والأثنية الضَيِّقة. وعدم التبعية لمذهبٍ أو حزبٍ أو عقيدةٍ على حساب هذه الهُويَّة، فما حصل من محاولات لأحداث اهتزازٍ كبيرٍ في الهُويَّة الوطنية بعد الاحتلال الأمريكي الغاشم والوصاية الفارسية، مستخدما التجزئة والانفصام والفرقة التي تَسبَّب بها الاحتلالين الأمريكي والإيراني الفارسي، كله يهدف الى احداث التنافر والاحتراب وعدم الثقة بين مكوّنات الشعب العراقي الواحد.

وعلينا أن نشير الى قضية في غاية الخطورة، وهي تَهديدٌ قائمٌ لهُويَّة العراق العربية، حيث أقدَمت حكومة الاحتلال المارقة على اصدار قانون جديد للجنسية العراقية، يسمح بموجبه منح الجنسية العراقية للوافدين من الأجانب الذين مضى

 

على أقامتهم سنة أو أكثر! وهذا يعني ادخال عناصر أجنبية من الفرس والأفغان والباكستانيين في المجتمع العراقي، كمواطنين أسوةٌ بباقي أهل البلاد الأصليين. وهذا يُعَدُّ جريمة بحق العراق والأُمَّة العربية. ويَتَسبَّب في تذويب الهُوية الوطنية والقومية للعراقيين، ويشكِّل خطراً داهماً على ثقافة العراقيين ولغتهم وتاريخهم وانتماءهم القومي لامتهم العربية القديم والحديث.

ويبقى الأمل كبيراً في وعي الأجيال الصاعدة في كل الأقطار العربية الى هويتها الوطنية وانتماءها القومي ودفاعها عنها بوجه التدخلات الأجنبية ودسائسها. وقد كان لثوَّار تشرين النشامى في العراق، كما الحراك الكبير في لبنان والسودان واليمن وتونس وغيرها الدور الكبير في الدفاع عن الهُويَّة الوطنية والقومية في سبيل الحفاظ عليهما، مقدمين التضحيات الجسام في الأرواح والدماء ومعيدين بحراكهم ووقفاتهم البطولية الأمل والثقة بين أبناء الأمة العربية إلى أن هويتهم الوطنية والقومية ستبقى راسخة عصية على الاستهداف والتشويه.






الاحد ١٦ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. محمد رحيم آل ياسين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة