شبكة ذي قار
عـاجـل










جذوة الثورة تكمن في أبنائها

فؤاد الحاج


عندما انطلقت ثورة 17 تموز/يوليو 1968 المجيدة في العراق معلنة أن المستحيل هو سيد القوانين، وأنه لا تراجع إلى الخلف مهما كانت النتائج قياساً للمستقبل، التي ألغت وهم الماضي الاستعماري، وفي الثلاثين من تموز/يوليو بدأ عصر الجماهير المؤمنة بقدرتها على صنع المعجزات، مما فجر ثورات صناعية وزراعية متتالية من تأميم النفط ومحو الأمية، ومنح الأكراد في شمال العراق الحكم الذاتي، وبناء الجسور، إضافة إلى بناء قاعدة علمية وصناعية، ومصانع الأدوية، وبناء الصروح العلمية من المدارس والجامعات والمستشفيات، كما في كافة مجالات الثقافة والأدب وغير ذلك مما يحتاج إلى مجلدات لذكره، انتهت بالنصر المؤزر بقادسية صدام في 8/8/1988، على إيران الملالي العدو التاريخي للعرب والإسلام، ما خلق واقع جديد في المنطقة الممتدة من الماء إلى الماء، حيث نشأت قوة عربية عسكرية كبيرة، بما تمتلكه من أسلحة، وخبرات وكفاءات قتالية عالية، مدعومة بوضع سياسي قوي، وإرادة وطنية وقومية واعية وصلبة، ما جعل من ثورة تموز/يوليو في العراق سنداً لقوى التحرر ليس في الأقطار العربية فحسب بل وفي أرجاء العالم، وهذا ما أخاف ولأول مرة في التاريخ المعاصر الكيان الصهيوني ومن يسانده من قوى إمبريالية، ومحافل الشر العالمية والإقليمية. هذه الثورة الرائدة التي كان لها الأثر البارز والكبير على الإنسان العربي الوحدوي ضد كافة أشكال الاستعمار، ما أعاد الأمل إلى نفوس أبناء الأمة العربية لتحقيق ذاتها والانطلاق إلى المستقبل بإرادة مختلفة فكراً وأسلوباً وعملاً، وإعادة صياغة عراق التاريخ والحضارات مهد البشرية ليكون البوابة الشرقية لحماية العرب.

ومن عايش تلك الفترة لا بد أنه يتذكر كيف تفجرت في العراق حالة الإبداع في ما ذكرته أعلاه، ولكن الأهم وما لم يذكره أحد في كتاباته أنه كان من المؤمل أن يصدر العراق أول سيارة عراقية الصنع كاملة في منتصف الثمانينات كما أعلن عنها في نهاية السبعينات الرئيس الشهيد صدام حسين، مما أزعج أعداء العراق وأعداء العرب بشكل عام وفي مقدمهم إدارات الشر الأميركية والصهاينة في العالم وأتباعهم في دول الجوار، وهذا الإعلان كان أحد أهم أسباب الحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت ثمان سنوات التي ابتدأتها إيران بدعم عسكري صهيوني أمريكي من أجل تدمير القوة الاقتصادية العراقية ومنعه من التقدم الصناعي والانتقال إلى مستوى الدول المتقدمة، والاكتفاء الذاتي، لذلك تم دعم خميني وملالي قم وطهران لمحاولة وأد ثورة 17-30 تموز/يوليو وتدميرها في مهدها.

وبما أن أشعة الشمس لا يمكن أن تعزل بغربال كان إصرار القيادة الوطنية العراقية على المضي في مسيرة النهوض العلمي والصناعي والاقتصادي والزراعي في العراق حتى خلال الحرب مع إيران، ولكن أعداء الإنسانية والعروبة معاً لم يدعوا مجالاً لاستمرار التقدم والتطور في العراق، الذي يضم ثاني أكبر احتياطي من النفط في العالم إن لم يكن الأول. وعندما فشل خميني وتجرع السم بدأت قوى الشر العالمية بقيادة أمريكا وبريطانيا تتدخل مباشرة فكان العدوان الثلاثيني الغادر سنة 1990 حيث دمروا ما أبدعه شرفاء شعب العراق العظيم وعلماءه، وتم فرض الحصار الجائر والأقسى في تاريخ البشرية لمدة ثلاثة عشر سنة، من أجل إخضاع هذا البلد إلى أن تم العدوان الأميركي البريطاني سنة 2003 من أجل إعادته إلى عصر ما قبل الصناعة، من ثم أطبقوا عليه بعد غزوه واحتلاله في العشرين من آذار/مارس 2003 مع حلفاء السوء من دول المنطقة والإقليم، بعد ذلك سلموه على طبق من ذهب لملالي قم وطهران الذين مازالوا إلى اليوم يقتلون فيه الإنسان، بعد أن دمروا المدارس، ومستودعات الأغذية، وأحرقوا الأراضي الزراعية، وفجروا دور العبادة، تاركين لعصاباتهم وأتباعهم الذين قدموا من وراء الحدود من الدول المجاورة بحماية الدبابات والمدافع الأمريكية، أن يدمروا تاريخ العراق الحضاري والثقافي.

فمن خلال السيطرة على العراق تم إخضاع دول العالم التي تعتمد في صناعاتها وحياتها اليومية على النفط ومشتقاته. والأهم من ذلك هو تأمين حماية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وهو ما أعلنه المجرم الصغير بوش الابن في الأول من أيار/مايو 2003 من على ظهر حاملة الطائرات إبراهام لنكولن عندما ألقى ما أسماه "خطاب النصر" وقد كرر ذلك أكثر من مرة دون أن يجد أي رد فعل على الأقل من أي من الكتّاب والصحفجيين.

ففي ذكرى ثورة تموز/يوليو التي تحمل في طياتها معان تدل على عظمة المضمون لمفهوم الثورة التي فتحت مصراع الحرية من أجل الإنسان العربي ليثور ضد الظلم والطغيان، وبناء الوطن الحر، بعيدا عن الاستغلال والعبودية، ومحاربا المستعمر والإمبريالية والصهيونية. تلك الثورة التي أسست لمد قومي انتهى بعد غزو العراق واحتلاله بفضل دمى محافل الشر الدولية في المنطقة.

تأتي ذكرى تموز/يوليو المجيدة بعد أن عطلت أنظمة الذل العربية (مكتب المقاطعة العربية للبضائع الاسرائيلية) لسنوات طويلة في ما يسمى الجامعة العربية. كما عطلت المد الجماهيري بحجج واهية لا تخدم إلا أعداء العرب والإنسانية في العالم. وهم بذلك يلتقون مع أعداء الإنسانية والصهاينة في العالم كما يلتقون مع الصهاينة في فلسطين المحتلة الذين يزيدون في إهانتهم طالبين منهم المزيد من الذل والتوسل وتحديدا من إدارات الشر الأميركية المتعاقبة.

أخيراً أسأل هل سيعود علينا تموز/يوليو بثورة جديدة تعيد للإنسان العربي كرامته وثقته بنفسه من جديد، بعد أن كفر وهاجر وهُجّر من وطنه؟ على الرغم من أن التشاؤم واليأس هي السمات الغالبة ظاهرياً من مجريات الأوضاع في العراق، وفي لبنان، وفي فلسطين، وفي اليمن، وفي السودان، وفي سوريا، وفي تونس، وبقية الأقطار العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ومن جبال طوروس إلى الصحراء الكبرى، فأن المناضل المؤمن بقدرة الشعب وطاقاته على الرغم من كل الذل الذي نراه ونسمعه أقول إننا سنبقى متفائلين لأننا ندرك أن بذور الخير وجذوة الثورة تكمن في تلك الأمة التي لم ولن ترضى بالذل والهوان رغم ما تعانيه من جور الحكام وظلم الطغيان.. وأن الغد لناظره قريب.

16/7/2022

 






الجمعة ١٦ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب فؤاد الحاج نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة