شبكة ذي قار
عـاجـل










المؤتمر القومي العربي بجلسته الحادية والثلاثين

آمَــــالٌ عرَبيَّــةٌ مَعقُودَةٌ

وحَقائِقٌ مَرجُوَّةٌ مَفقُودَة

د. محمد رحيم آل ياسين

 

استوقفنا وأدهشنا البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي، بجلسته الحادية والثلاثين في مدينة بيروت العربية، فقد غابت عن البيان الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها أو تخطِّيها أو تناسيها، خاصَّة من نخبة قومية عروبية تمثِّل خليَّة عمل قومية، تتبنَّى هموم الأمة ومعاناة شعبنا العربي، وما تواجهه من معضلات وكوارث وتحديات. فالحقيقة التي تناساها البيان وتغافل عنها، هي الدور العدواني ضدَّ الأمة العربية وتطلعاتها وأمانيها ووجودها ومستقبل أبنائها الذي تقوم به دولة إيران الفارسية. انَّه نظام الملالي في قم وطهران ومَن تبعه ويأتمر بأمره من العملاء المحسوبين زوراً وبهتاناً على العروبة. ومما لاشكَّ فيه ان هذا الدور الخبيث الذي تمارسه إيران السوء لا يقلّ خطورةً وتأثيراً وأهميَّةً عن الدور الشرِّير الذي يقوم به الصهاينة منذ تأسيس دويلتهم المسخ بقرار بريطاني أوروبي جائر وظالم. بل أنَّنا نجد بأنَّ خطورة العدوان الإيراني على العرب اليوم، هو أشدّ وأنكى وأعظم وبالاً بالقياس للخطر الصهيوني، لأنَّ الفرس يلتحفون بعباءة الدين زوراً وبطلاناً، ويتداخلون مع النسيج الاجتماعي العربي، في غاياتٍ خبيثة يقصدون بها تأجيج الطائفية، والفرقة، والخلاف والاختلاف بين أبناء المجتمع الواحد والشعب الواحد، وبهذا فهم خير من ينفِّذ اهداف المشروع الصهيوني بحذافيره. والعراق اليوم مثالاً حيَّاً لهذا النشاط العدواني الفارسي العنصري الشرِّير.

 لا ندري كيف يهمل البيان قضية العراق المحتلّ، وشعبه المكلوم والمهضوم والمُنتهكة حريَّته وحقوقه الوطنية والانسانية؟! بفعل سيطرة إيران الفارسية على مقدرات العراق السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية. كيف يتناسى البيان الشعب العراقي الذي يتعرَّض لأبشع الجرائم الوحشية، والمجازر الدموية، على أيدي أعوان الفرس وضباط مخابراتهم، وحرسهم (اللاثوري) المشؤوم؟ َ! وتُحرق بساتينهم ومزارعهم وبيوتهم، ولم تسلم من جرائمهم حتى بيوت الله، بل وكتابه العزيز! يلحق به شعبنا في اليمن الذي يئن من جراحه بفعل العدوان الفارسي من خلال عصابات الحوثي المفترسة، التي تعيث فساداً وجوراً في اليمن المنكوب بها. وهكذا الامر في كل الاقطار العربية التي تخضع للهيمنة الايرانية.

لقد خيَّب البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي آمال الشعب العربي الذي يرنو إلى هكذا مؤتمر، من نخب الأمة القوميِّين الذين يتبَّنون قضايا العرب المصيرية، ومعضلاتهم ومشاكلهم. وإنَّه لمن دواعي دهشتنا واستغرابنا، مقرونة بالألم والحسرة، أن يُدير هؤلاء من النخبة القومية ظهورهم لشعبنا العربي، وما يعانيه أهلنا في العراق واليمن وسورية ولبنان. ونشعر بأنَّهم يهادنون العدو الإيراني الفارسي على حساب الأمة، هذا العدو الذي يناصب العرب العداء والبغض والحقد والكراهية منذ الأزل، واليوم يتغوَّل في أراضي العرب، بدءاً من العراق وسورية ولبنان، وصولاً الى اليمن. بالتأكيد فإنَّنا وأيَّ عربي غيور من هذه الأمة لا نختلف على أنَّ العدو الصهيوني، عدوٌّ أزلي للعرب، فهو المغتصب لأرض فلسطين العربية وأراضٍ أخرى من الأقطار العربية، غير أنَّ الغزو الأمريكي واحتلاله الغاشم للعراق، وتدوير الاحتلال للفرس، قد ابتلى الأمة بعدوٍّ قديمٍ وجديدٍ في نفس الوقت، وهو في حلفٍ سرِّي مع الصهاينة، متفقان فيه على ايذاء الأمة، وابتلاع أراضيها ونهب ثرواتها وتشتيت شعبها العربي، وتفتيت النسيج الاجتماعي لهذا الشعب العريق. وهما لن يقفا عند هذه الحدود، حتى القضاء على أمتنا العربية ومحوها لعنهما الله وأخزاهما. فالفرس الصفويين يحلمون بإعادة امبراطوريَّتهم الفارسية التي ولَّت واندثرت الى الأبد، لكنَّهم لن يصحوا من أحلامهم المريضة، ونواياهم الشريرة للنيل من العرب، خسئوا وخاب فألهم السيّء.

لقد قام أرباب الشرّ من أمريكان وصهاينة ومَن تحالف معهم، وبإسناد من دولة السوء إيران الفارسية بغزو العراق واحتلاله، وتدمير بناه التحتيَّة، واغتيال قيادته الوطنية والقومية، وتشريد شعبه وتهجيره في الداخل والخارج، وقتل مئات الآلاف من الوطنيين والقوميين من أبناء العراق، واجتثاث وتهميش مَن تَبقَّى منهم. ثم أُوكِل لدولة فارس اكمال مهمة تدمير العراق، بالقضاء على دولته الوطنية، وتحويلها الى دولة ميليشيات، ونهب ثرواته، وتقتيل أبناءه الشباب.

لقد استثنى المؤتمر القومي العربي، العدو اللدود للعرب، ممثَّلاً بدولة الفرس من بيانه الختامي، وتناسى الأخوة في المؤتمر بأنَّ العراق اليوم يشكِّل جرحاً غائراً في جسد الأمة، ونزيفاً مستمراً لا ينقطع حتى يتحرَّر العراق من براثن الاحتلال الفارسي البغيض. كما هو النزيف الفلسطيني، ففي الوقت الذي كان فيه أبناء الأمة ينتظرون من نخبهم القومية، اعلان انطلاق معركة تحرير العراق من الفرس، جنباً الى جنب مع معركة تحرير القدس الشريف من الصهاينة، وتقديم الاسناد المعنوي والاعتباري لأشقائهم في العراق واليمن، وجدنا بيانهم الختامي للأسف، قد أضاف عجزاً جديداً للعجز العربي المتراكم منذ ما بعد حرب العرب الكبرى عام 1948م مع العدو الصهيوني الغاصب. وقد يذهب بنا التوقع والاحتمال بأنَّ هذه النخب القومية، أو لنقل بعضها قد وصل في السرِّ وقد يكون في العلَن الى مرحلة التطبيع مع العدو الفارسي.

وبعد ذلك نقول، هل الأخوة العرب في المؤتمر القومي، لا يدركون أنَّ الأمة اليوم ترزح تحت تأثير المطرقة الصهيونية والسندان الفارسي؟

إنَّ تهميش الدور الإيراني الخبيث في الوطن العربي، في بيان المؤتمر القومي، وعدوانه على الأمة، ومحاولة سلب ارادتها، لهو أمرٌ مُستغربٌ غاية الاستغراب، فإيران هي العدو المحرِّض على العنف والفتن والقتل والخراب في العراق واليمن وسورية ولبنان. انَّ هكذا بيان هشّ وفاتر من شانه ان يشجِّع الفرس على التمادي في عدوانهم السافر على الأمة، ويساعد على نموّ مخالبهم، واتِّساع سطوتهم، وتعدّد خطواتهم الهمجية ووطأة أقدامهم الشرِّيرة في الأرض العربية.

هل يتناسى الأشقاء(القوميُّون) في مؤتمرهم أنَّ دولة فارس الصفوية تتبنَّى مشروعاً سياسياً توسعيَّاً احتلاليَّاً للهيمنة على الأقطار العربية المشرقية كالعراق وسورية ولبنان والخليج العربي واليمن؟ وكما قدَّمنا فالفرس يعيشون أحلام استرجاع امبراطوريَّتهم الإخمينية والساسانيَّة الموهومة ومنتهية الصلاحية، ويحلمون بضمّ دولاً عربية الى امبراطوريَّتهم المزعومة. ويُمنُّون أنفسهم بأن تَتوجَّه جيوشهم الفارسية نحو الغرب، لا لمقاتلة الصهاينة كما يزعمون ويُوهمون الآخرين، بل (لفتح) بلاد العرب!، فبعد أنْ كانت فتوح العرب المسلمين تتجه نحو الشرق، لتدكّ حصون الفرس وتقضي على امبراطوريَّتهم وتطفئ نار مجوسيَّتهم، فقد وجدوا الفرصة التاريخية سانحة الآن بعد تدمير العراق، وحلّ جيشه، والقضاء على دولته الوطنية واغتيال قيادته، والانطلاق منه كقاعدة لابتلاع الأراضي العربية، وصارت أهدافهم الشرِّيرة تدفعهم للتوغّل والتغوّل في أرض العرب.

إنَّ الثقافة الصهيونية القائمة على الاحتلال العنصري، واستلاب الأراضي، ونهب ثروات الأمة، وقتل شبابها، لا تختلف قيد أُنملة عن الثقافة الفارسية الصفوية. فهما من حيث النوايا والأهداف والنتائج على ارض الواقع، وجهان خبيثان لعملة شرِّيرة واحدة، فكلاهما تتجذّر من خلالهما مسألة التسيِّيس المشوَّه للدين. فالصهيونية عصابات عنصرية اجرامية تتخذ من اليهودية عنواناً وغلافاً لأهداف سياسية احتلالية خبيثة، وكذلك هي الثقافة الفارسية الصفوية، تقوم على تسيِّيس الدين الإسلامي، لأهداف عنصرية استعلائية امبراطورية خبيثة، وهما على اتفاق تام لهدم الثقافة العربية، وطمس الهوية القومية للأمة. انَّهما ثقافتان تقومان على الابادة والقتل والتخريب والاحتلال، فما يجري على أرض فلسطين من قتل واستيطان وتمدَّد صهيوني على حساب المواطن الفلسطيني، يجري أيضاً على أرض العراق، في قتل ممنهج ومنظَّم بتوجيه من إيران السوء، واستيلاء على أراضٍ يملكها المواطن العراقي، في سبيل عملية تغيير ديموغرافي ممنهجة، لابتلاع أرض العراقيين، وتمليكها للإيرانيين والأفغان وغيرهم. فالعدو الإيراني على تخوم البوابة الشرقية للأمة، هو حليفٌ استراتيجي للعدو الصهيوني في فلسطين المحتلة.

إنَّ قراءة البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي، تُطلعنا بأنَّه لا شيء مطروح عن القضية العراقية، كما هي القضية الفلسطينية، وتالياً فلا طرح عن العدو الفارسي، وكأنَّ الامن القومي العربي بمأمن من المشروع الايراني الاستعماري، وكأن العراق في وضعٍ وحال طبيعي، وكأنَّ العراقيين يعيشون في بحبوحة من الأمن والأمان ويرفلون بنعمةٍ وعيشٍ رغيدٍ!، وكأنَّ العراقَ مستقلَّاً، حُرَّاً، يملك قراره السياسي والعسكري والأمني! فلا ذكرٌ لاحتلال الفرس، ووصايتهم على أمور العراقيين، وتسيِّدهم عليهم! والامر نفسه ينطبق على كل قطر عربي وصله النفوذ والهيمنة الايرانية.

إنَّنا نفهم من بُنية البيان وصيغته، أنَّ الأخوة في المؤتمر القومي قد طبَّعوا علاقتهم مع الفرس في إيران السوء! في الوقت الذي قامت به بعض الأنظمة العربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. ونحن هنا نقول لهم: انْ كنتم قد طبَّعتم مع بلاد فارس، فاعلموا أنَّه يُضاف الى التطبيع مع الصهاينة!، لماذا؟ لأنَّ كلا الفرس والصهاينة يعملان في خندق واحد يُقابل العرب، ولأنَّ مصالحهما في المنطقة واحدة ومتطابقة، وبالتالي فتطبيعكم قوَّة ليس للفرس وحدهم بل لدويلة الصهاينة.

إنَّنا نذكِّر الأخوة في المؤتمر القومي العربي بأن ينظرون حال أشقاءهم في العراق واليمن وسوريا ولبنان؟ فالعراقيون مثلا مُرتَهنون ومُعتَقلون في أقفاص الأسر الفارسي، والعراقيون شيبةً وشباباً، رجالاً ونساءً يُذبحون كل يومٍ من الوريد الى الوريد، والعراق يُصلَب كلّ يومٍ مئات المرَّات. يُقتَّل أبناء العراق، وتُزهَق أرواحهم بأمر من ولاية الفقيه في قم وطهران. دون وازعٍ ديني أو أخلاقي أو انساني، حتى تحوَّل العراق الى ساحة ميليشياوية تأتمر من طهران وقم، فأمسى العراقُ وطناً بلا دولة، وشعباً بلا نظام وطني يحكمه، أو قانوناً يُسيِّر أموره. فالفوضى والانفلات هي المشهد الذي يعيشه العراقيون اليوم بفعل الاحتلال الفارسي لأرض الرافدين، فهل علمتم هذا أيُّها الأخوة في المؤتمر القومي العربي؟ العراق اليوم أطلال دولة كانت بهيَّة زاهية مَهيبة، فانكسرت بسبب احتلال الأمريكان الغاشم، وما تبعه من احتلال ايراني فارسي صفوي.

إنَّ التناول المقلوب والمغلوط لما يجري من عدوان على الأمة، ثمّ تطبيع العلاقة مع أحفاد كسرى، ينسف كليَّاً حقيقة الخطر الداهم الذي تمثِّله إيران ودولتها الصفوية. من هنا فإنَّنا ننصح الأخوة في المؤتمر القومي بأن يقرؤوا حال الأمة اليوم، وما تتعرَّض له من عدوان فارسي وصهيوني، بعيونهم وعقليتهم العروبية الأصيلة بعيداً عن تأثير وكلاء الفرس في المنطقة.

ونرى من جانبنا أنَّ البيان الصادر عن المؤتمر ينبئنا أنَّ الأخوة (القوميون) قد ابتعدوا عن الامساك بالوجع العربي، وتالياً لم يجدوا مفاتيح الحلّ لقضايا الأمة المصيرية، وبذلك لم يتمكنوا من اقتراح الحلّ الناجع لمعضلات العرب ومعاناتهم. وفي مقدمة هذه القضايا المُلِّحة والمصيرية، قضية العراق، القطر العربي العظيم الذي عندما يكون قويَّاً معافاً مقتدراً، فالأمة بخير، وعندما يُكسَر فالويل والثبور للعرب جميعاً.

كنَّا نأمل من المؤتمرين أن لا يختموا مؤتمرهم الأغرّ بطوي محفظاتهم، ولملمة وريقاتهم، قبل أن يكون لهم قراراً وموقفاً عروبياً ينتظره منهم العرب، يكون منسجماً مع مكانتهم وموقعهم كنخبة قومية عروبية. ولا نُخفي عليهم ما نشعر به بعد بيانهم الهشّ والمهادن، بأنَّهم قد استخَّفوا واستهانوا بعقول ومشاعر وهموم ومعاناة أبناء الأمة، فكلّ هذه تُشكِّل سِلَّاءً في حلوقنا نحن العرب، وحصىً في مآقينا، وناراً ملتهبة في صدورنا، فهل أنتم كذلك؟ اننا لا نظنَّكم هكذا! فما أصدرتموه من بيان يقول غير ذلك أيُّها الأخوة.

إنَّه بحقّ بيان في غاية الهَوان والضعف والتردّد، ولا ينسجم أو يتوافق مع اسم المؤسسة التي يصدر باسمها والتي كانت تصدح يوما لتعبر عن ضمير كل النخب القومية العروبية الأصيلة...         

 






الجمعة ٩ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. محمد رحيم آل ياسين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة