ذكرى مِيلاد البَعْث
مَبْعَث النَّمَاء.. ومُنطَلَق
العَطاء
تحديات شديدة،
ومؤامرات عديدة، تعتري مسيرة أمتنا، عبر خطط دهاليز الظلام، وخلف كواليس الشر، التي
يشيّدها لها الأعداء، الذين لا يهدأ لهم بال في سعيهم المحموم من أجل أن يروا أمتنا
بأسوأ حال. إلّا انه بالرغم من حجم
التحديات وتأثيرها الخطير، وما نحن فيه من واقع صعب، فإن ما يُطمئِننا على أمتِنا،
هو أن العناية الإلهية التي تحفّ بها، فضلاً على مقوماتِ وجودِها الضارِبة في
العمقِ والشمول، كفيلَتان بأن تنهَض بها من جديد إلى مصافِ سِماتِها وجَمالِ خصائِصها.
وقد استلهَم البعث من هذا
الإرث العظيم وهذه المسلّمات، الأسس لتحقيق نهضة الأمة من جديد، وليكون حزباً قومياً
موحِّداً لها، مناضلاً لتحريرها، ومتحدياً
مختلف الصعاب والنوائب والمخاطر في سبيل تحقيق ذلك.
ولقد اكسبَته المرونة
الثورية، التي تعدّ واحدة من اهم صفاته، القدرة على تبنّي وسائل وأساليب وجهود متنوعة
ومتجدِّدة وفقاً لطبيعة المراحل التي مرّ بها، وكل ذلك ضمن إطار استراتيجيَّته الكبرى
ومبادئه وشعاره. والأهم من كل ذلك
أهدافه العظيمة التي يؤمن إيماناً عميقاً بأنها ستتحقق، ولعل أولها وأهمّها وأسماها
هو هدف الوحدة العربية التي حاول ويحاول الأعداء، بكل مشاربهم ومشاريعهم الخبيثة منعها
واستهدافها، من خلال عدة استراتيجيّات شيطانية بعيدة الأمد، من اهمها تمزيق الشعب العربي
وتفتيتَه وتشتيته وتشظيته إلى طوائفٍ وأعراقٍ واثنيات، وقتل روح الأمل في تحقيق هذا
الهدف بين ابنائه.
ولو توجَّهنا بالسؤال في هذا الإطار إلى كلِّ أبناء وطننا العربي الكبير، شباباً وشيوخاً، نساءً ورجالاً، سنجد الإجابة السريعة والحاسمة عندهم بأن الوحدة هي هاجِسهم الدائِم وأمَلَهم الأكبر. ولقد ادرَكَت الأمم من حولِهم أهمية توحُّدِها في عالم تتسيَّده وتُهَيمن عليه القوى الكبرى. فليس الإتحاد الأوروبي الذي شهدَ الصراعات الدَموية بين الدول المنضوية تحت لوائِه إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأعطت ملايين القتلى والجرحى، والتي لم تجد رابطاً واحداً يربط بين شعوبها، سواء في الدم أو اللغة أو التاريخ المشترك، بأفضل من أمة العرب التي اختارها الله تعالى لنشر رسالتِه والتي كانت قبل ذلك في الجاهلية، مشتتة وتحت خطر الغزو الأجنبي بين كمّاشة القوتين الكبيرتين آنذاك، المتمثلتين بإمبراطوريّتي الفرس والروم.
ولكن ما أن توحَّدَت الأمة حتى
تمكَّنت من دحرِ تلك القوى العظمى بالرغم من قلة الموارد المادية، والخبرات الاستراتيجية،
التي عوَّض عنها ذلك البناء الإيماني والمعنوي القوي، والإرادة القياديّة الفذّة. فسَطَعَ
شُعاع نورها في بقاعِ الأرض جميعاً بالإنجازات العلميّة والحضَارية والإنسانية
التي ابهرت العالم، فأضحت أمة عربية واحدة
تحمل رسالة خالدة وباقية أمد الدهر.
ان هذه
الحقائق تكفي ليتيقَّن شباب الأمة من أن هاجسهم وإلهامهم وأملهم في تحقيق الوحدة العربية
هو أمر ممكن وموضوعي، وذلك لتوفر عوامله وشروطه ومقوِّماته الواقعيّة كافة، في اللغة
والثقافة والجغرافية والتاريخ والدم والمصير المشترك.
واستناداً الى
هذه الحقائق انطلق البعث بشعاره الخالد (أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة)، وتواصل
نضاله بلا انقطاع على هذا الطريق. وكلّما مرّ عام على ذكرى ميلاده الميمون، كلما ازداد عزماً على المضي قُدماً بلا هوادة وبلا كَلَلٍ أو مَلَل على طريق تحقيق ذلك اليوم
الموعود الذي تتحقق فيه وحدتها واهداف
البعث الاستراتيجية الاخرى.
وعلى الرغم من
حجم الشدّة والحدّة والقسوة التي تنطوي عليها الهجمات المتتالية التي تستهدف
الأمة، وبالرغم من تنوّع استراتيجيات العدو، بين الإفناء المباشر، وبين محاولات التجويع
والتشريد والتجهيل لشعبنا في عموم الوطن العربي، فإن النور لابد له أن يشرق في آخر
هذا النفق المظلم، فالأمل والعمل على بلوغ الأهداف السامية ينطلق من النضوج الذي
تحقّقه المعاناة،
والخبرات التي تصقلها التجارب فتسمو فوق عمق اليأس،
وشدة القنوط، وحدّة الإحباط.
فأمتنا أمة حية، فإن تعرّضت
اليوم للإختبارات الصعبة والخطيرة، فإن الأمل نجده في دم الشباب العربي، وديمومة النماء
والعطاء التي يبديها في مختلف الأقطار. فها هي ثورة شباب تشرين ضد ذيول إيران في العراق،
وذلكم هم شباب اليمن في ثورتهم ضد الذراع الإيراني للحوثي، وتلك هي انتفاضة شباب لبنان
ضد الهيمنة الإيرانية، وها هم شباب السودان ينتفضون لإحلال المنهج الديمقراطي ضد الانقلاب
العسكري. ولا يمكن أن نغادر هذا الأمر دون استحضار ثورة الحِجارة والفِداء لأبناء فلسطين
الحَبيبة ضدّ الإحتلال الصَهيوني في اجرامه اللامحدود، تلك الثورة المتأججة والمتواصلة،
بالرغم من كل محاولات الإعلام للتعتيم عليها و طَمسِ حقائِقها.
وهكذا هم شباب
الأمة الذين يصنعون الواقع، ويخطّون التاريخ، فيحوّلون بالثورة الأمل إلى حقيقة. فالمنهج
الثوري الذي تبناه البعث هو المنهج الأساسي الذي لا حياد عنه لأبناء الأمة في ظروف
الإستهداف الإستثنائي الذي تتعرض له، والقهر والظلم والإحتلال والهيمنة.
وفي هذه الذكرى العطرة لا بد من الوقوف على المسيرة العملاقة للبعث التي فيها ومنها يستنير ويستنهض شباب الأمة بالمبادئ الأصيلة الناصعة، فعوامل صمود الحزب عبر سنيّ عمره المديد لثلاثة أرباع قرن، وتصاعُد دوره النضالي، وتصدّيه للمخاطرِ والتحديات والمؤامرات التي تعرض لها سواء على المستوى الخارجي اوالداخلي، كلها كانت بفضل الشباب المؤمن بمبادئ البعث وأهدافه، فجسدوه عمليّاً وإجرائياً في وعيهم و فعلهم الثوري النضالي الدؤوب، وبتماسكهم وصمودهم ومطاولتهم على طول خطى المسيرة الظافرة. وهم من سيُبْقِي راية البعث مرفوعة خفّاقة، فالشباب ضمانة المستقبل، وهم الذين يتطلَّعون دوماً إلى الأمام دون ان يكبِّلهم النَظَر إلى الماضي او تُعِيقهم مآسيه.
ولعل المَثَل الذي يراودنا دوماً
في أخطر تحدٍّ جابه الحزب في ذلك القرار الأمريكي الإيراني الخائب بعد احتلال العراق
فيما يسمى بـ (اجتثاث البعث) ، والذي شكَّل فضيحة القرن لديمقراطيتِهم المزعومة،
وأكبر لطخة عار ستبقى عالقة في جبينها عِبرَ التاريخ. ذلك القرار
الذي رافقه استهداف رفاقنا في العراق استهدافاً شاملاً جسدياً ونفسياً ومعاشياً
واعتباريّاً، فأعطى البعث آلاف الشهداء من مناضليه قيادات وقواعد، اضافة الى آلاف المعتقلين
والمغيَّبين. كما فرض المحتل وأعوانه قرارات بمنع أية مصادر للرزق للآلاف من رفاقنا
الأبطال وعوائلهم، ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة من دون ايّ وجه حق، في
مخالفة فاضحة لكل القيم والأعراف والسنن السماوية، وقوانين حقوق الإنسان والمواثيق
الدولية. وبالرغم من كل ذلك نجد أن أعداد البعث العظيم
في تزايد، والعزيمة في نفوس الشباب تتفاقم، وإرادتهم الصلبة تقوى، وأملهم بالنصر القريب
يتعاظم.
هكذا هي باختصار
عوامل استمرار مسيرة البعث الكُبرى، وهكذا هو منهجه السامِي، الذي سيبقى شُعلة وضّاءَة
لا تنطفئ، وشُعاعاً منيراً لا يخبو، ونماء دائماً وعطاء متواصل.
فكل عام ومناضلي
البعث المقدام وأبناء الأمة العربية المجيدة بألف خير وكرامة وعزّ.. وإلى أمام.
مكتب الثقافة والإعلام القومي
7/ نيسان / 2022