شبكة ذي قار
عـاجـل










دخل المغرب نادي التطبيع، وكما يبدوا دول عربية أخرى على نفس النهج والطريق التي رسمتها السياسات الصهيو أمريكية، وهذا دليل على أن النظام العربي فاقد لشخصيته وقراره السيادي، وعقب كل تطبيع يخرج علينا أنظمة طبعت وتتحدث أن التطبيع يحقق أمن واستقرار المنطقة، وفي الحقيقة إن التطبيع دليل انهيار المثل والقيم وفقدان الكرامة العربية.

لقد ظهر جلياً مع التطورات الأخيرة أن "التضامن العربي"، و"وحدة الرؤية"، ومحورية القضية الفلسطينية، شعارات جوفاء، وأن جامعة الدول العربية هي في أحسن الأحوال، غطاء لتمرير مصالح بعض الدول، وفي أسوئها عبء ينبغي التخلص منه.

تعرضت المنظومة العربية في غضون أغسطس / آب المنصرم وبداية سبتمبر / أيلول ، لسلسلة من الاختبارات جعلتها على المحكّ، مع اهتزاز "التضامن" العربي، وتعرضت جامعة الدول العربية التي من شأنها أن تكون الحاضنة للمنظومة العربية، لأزمة وجودية، وما ينبغي أن تقوم عليه من واجب "التضامن"، و"وحدة الرؤية"، و"المصير المشترك" جراء إجراءات التطبيع الرسمي مع كل من الإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال الصهيوني من جهة، والبحرين من جهة أخرى، ولحقتهما المغرب، وهناك احتمالية أن تلحق بها دول أخرى في حديقة التطبيع الماراثونية هذه، يضاف لها التطبيع غير الرسمي الذي بات في الحسبان، وكل ذلك يعود لضعف الفلسطينيين واستسلامهم لسياسة فرض الأمر الواقع.

لقد ظهر جلياً أن جامعة الدول العربية خلعت عباءتها العربية ولبست العباءة الصهيو أمريكية وباتت عبئاً على الأمة العربية وأداة من أدوات تنفيذ المشروع الصهيو أمريكي، فهذه الجامعة هي من شرعت الغزو الأمريكي للعراق، وهي من حاصرت سوريا وشرعت للناتو والأمم المتحدة للتدخل في سوريا وضرب ليبيا وأيدت حرب اليمن وتسعى لإضعاف لبنان.

طبعاً أزمة الجامعة العربية عميقة، وتعود إلى ستينيات القرن الماضي حينما توزع العالم العربي حينها ما بين دول تقدمية في ركاب مصر الناصرية، ودول محافظة في ركاب سعودية الملك فيصل.

لكن الجامعة العربية ظلّت رغم ذلك، البيتَ الذي يحافظ على الحد الأدنى من التضامن، إلى غاية اتفاق كامب ديفيد ما بين مصر والكيان الاحتلالي الصهيوني سنة ١٩٧٩، وزعْم السادات حينها أن الولايات المتحدة تمتلك تسعة وتسعين في المئة من أوراق الحل، وواحد في المئة موزع ما بين العالم العربي والقوى الحية في مصر.

تفرد مصر كأكبر دولة في العالم العربي سكاناً من مواقفها من الصراع مع الكيان الاحتلالي الصهيوني بعقد اتفاق كامب ديفيد خلافاً لما كان منصوص عليه في الجامعة من اعتبار التفرد خروج على نص ميثاقها الرافض للوجود الصهيوني والداعم للحق الفلسطيني، قاد لاتخاذ قمة الدول العربية المنعقدة في بغداد سنة ١٩٨٠ قرارها بتعليق عضوية مصر فيها ونقل مقرها إلى تونس، وما أعقبه من تقارب بين عضوين فيها كانا يتبادلان العداء، مصر والسعودية في رؤية موحدة، وتحالفات مشتركة، وتقسيم مهام، وتنسيق ظاهر وخفي بينهما بفضل طفرة البترول، مع وسائل التأثير المالي، أثّر في جامعة الدول العربية ودورها، وتركها كياناً بغير روح، لا تعبّر عن تضامن، ولا دفاع مشترك، حيث توزع العالم العربي ما بين دول تُنعت بالواقعية، حليفة للولايات المتحدة، ودول تُنعت بمحور الصمود والتصدي الذي كان يرفض التبعية الأمريكية، ويرتبط بعلاقات متميزة مع الاتحاد السوفييتي، وظلت مصر معلقة عضويتها فيها حتى أعيدت إلى حضنها في قمة الدار البيضاء سنة ١٩٨٩، لكن الجامعة لم تستعد دورها بل ترسخت أزمة المنظومة العربية في خضم أزمة الخليج سنة ١٩٩٠ التي انحازت فيها مصر لصالح دول الخليج، ويبدو أن قرارها هذا اتخذته انتقاماً لدول الصمود والتصدي الرافض للتبعية الأمريكية، ما أسهم في تفكك الوفاق العربي وشرذمته لصالح واشنطن والكيان الصهيوني، وانهاء دور الجامعة العربية، كجامعة عربية لمفرقة العرب والتآمر على أمن واستقرار دولها وأنظمتها.

التحولات الأخيرة التي تمثلت في إعلان اتفاق التطبيع ما بين الكيان الاحتلالي الصهيوني والإمارات العربية، وفشل استصدار قرار لجامعة الدول العربية بإدانة التطبيع، ثم إعلان تطبيع البحرين مع الكيان الصهيوني فالمغرب، كلها تدقّ إسفين النهاية، أو رصاصة الرحمة، وتعلن نهاية النظام العربي، وترنح جامعة الدول العربية.

ومن العبث الحديث منذ الآن عن منظومة عربية، و"تضامن" عربي، ووحدة رؤية، وقضايا مصيرية، في ظل التطورات الحالية.

الطريف في الأمر أنه سبق لجامعة الدول العربية قبل شهرين التنديد فيما يخصّ الأزمة الليبية بالتدخلات الخارجية مطالبة بحلّ القضية الليبية في إطارها العربي، فكيف لها أن تنادي بـ "التضامن" في القضية الليبية وتُحجِم عن ذلك في القضية الفلسطينية؟
من أجل حفظ ماء الوجه، تنادي الدول المطبّعة، أو التي هي سائرة في طريق التطبيع، بالمبادرة العربية التي تم تبينها في قمة بيروت سنة ٢٠٠٢، الداعية إلى حلّ الدولتين، لكن ماذا بقي من تلك المبادرة العربية؟
فقد أضحت غير قابلة للحياة بعد عمليات الضمّ والاستيطان وتغيُّر معالم الواقع على الأرض.

المبادرة العربية والدعوة إلى التمسك بها تعبير إنشائي للتضليل أو إبراء الذمة، أو خدمة الشفاه كما يقول الأمريكيون، لا تسمن ولا تغني من جوع، ومنذ إطلاق المبادرة العربية واجهتها دولة الاحتلال للأرض الفلسطينية بازدراء واستهانة، ولم تُعِرْها أهمية واعتبرتها كأنها لم تكن، وأرسلت غداة تبنيها دباباتها تقصف مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله.

من معالم نهاية المنظومة العربية، التذبذب واتخاذ مواقف متناقضة من قِبل الدول المطبعة، ومنها زعم الدفاع عن القضية الفلسطينية وحل الدولتين، مع إجراءات التطبيع.

لذلك لم يكن من قبيل الصدف مناداة السلطة الفلسطينية بالخروج عن جامعة الدول العربية، لأن النظام العربي انتهى، وظل الخيط الرابط له هو القضية الفلسطينية، كانت الدعائم الكبرى لجامعة الدول العربية حين نشأتها هي دعم الدول المغاربية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار، من أجل استقلالها، وقد تحقق ذلك، وإرساء التضامن العربي، والدفاع المشترك، ولكن هذين المقتضيين كانا شعاراً أكثر منهما حقيقة، وفشلت جامعة الدول العربية في حل النزاعات الثنائية، وبقيت القضية الفلسطينية الحد الأدنى الذي يمنح الجامعة العربية مسوّغ وجود، لذلك لم يعد من مبرر لوجودها مع فشلها في تبنِّي موقف واضح وصريح في القضية الفلسطينية.

لقد كانت الجامعة العربية منذ أزمة الخليج لسنة ١٩٩٠ في موت سريري، واللافت أن كلاً من جامعة الدول العربية ومنظمة التضامن الإسلامي، لا تعبّر عن إطار للدفاع عن المصالح العربية وقضاياها، ولا لقضايا العالم الإسلامي، ولكن كأداتين، الأولى في يد مصر، والثانية في خدمة السعودية، ففي الوقت الذي كانت فيه غزة تتعرض سنة ٢٠٠٩، للقصف من قِبل القوات سلطات الاحتلال، أغلقت السلطات المصرية معبر رفح حتى في وجه المساعدات الطبية، ولا تحركت السعودية في إدانة ما يعرفه مسلمو الروهينغا، ولا كشمير، ولا الأويغور، ولا ضد الإسلاموفوبيا في الغرب، أو حتى لما يتم من التعرض لرموز الإسلام في الدول الغربية، من الازدراء بالنبي محمد عليه السلام، أو انتهاك حرمة القرآن.

طبعاً من مصلحة دول محور المحافظة الحفاظ على جامعة الدول العربية ككيان من غير روح، وليس من مصلحة من يؤمنون بدينامية التغيير، وبالقيم القائمة على الحق والعدل، البقاء في إطار من غير جدوى سوى البلاغات الإنشائية، أو تسويغ منظومة منتهية الصلاحية.

انتهت جامعة الدول العربية، وهي لا تصلح إلا كمومياء محنطة، لتبرير مصالح ورؤى لا تنسجم مع قيم العدل ولا دينامية الشعوب.ومن واجب الشعب الفلسطيني أن يستخلص العبرة ويتخذ من المواقف والقرارات ما يعيد للقضية الفلسطينية أهميتها وألقها وأولوياتها وهذه لها مقوماتها وقرار سيادي بعيد عن الضغوط ولغة المصالح.





الاربعاء ١ جمادي الاولى ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي علي أبو حبلة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة