شبكة ذي قار
عـاجـل










أخطاء البعث رغم أنها مؤلمة وما كان على قيادة البعث ارتكابها، فإنها لا تمثل نقطة في بحر إنجازاته.

كعادته، واستمرارا لنهجه النضالي وإيمانا بدوره الريادي، ودأبا على سنته الحميدة، يأبى حزب البعث العربي الاشتراكي إلا أن يتمسك بالوفاء لتقاليده النضالية والالتزام الصارم بمسؤوليته التاريخية الجسيمة تجاه جماهير الأمة العربية المجيدة التي نذر حياته وحياة رجاله ودماءهم للدفاع عنها وصون كرامتها والعض على عزتها بالنواجذ، فيصافح في كل المناسبات جماهير الأمة ويبسط قراءاته ومواقفه منيرا لها الطريق الأسلم والنهج الأقوم الذي يضمن لها ديمومتها ويوفر لها حلولا ناجعة للمعضلات التي تؤرقها وتجرفها والآفات التي تتهددها.

ومن نافلة القول إن إطلالة رأس البعث وقائده وحادي ركب فرسانه الميامين ومقاتليه الثوار ومجاهديه الأفذاذ ومناضليه الثابتين الأصلاء، بمناسبة ذكرى التأسيس السنوية لحزب الأمة العملاق حزب البعث العربي الاشتراكي، لهي أبرز تلك المصافحات وأغلى الإطلالات وأعمقها وأدسمها وأثراها غوصا وتحليلا وتشخيصا واستشرافا للواقع العربي برمته.

وعليه، كان لزاما أن يصافح الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجهاد والتحرير في هذه المناسبة الغراء جماهير الأمة ونخبها وطلائعها وقواها وشرائحها مختلفة، ومن البديهي في هذا كله أن يخاطب رفاقه في الحزب على امتداد ربوع الوطن العربي الكبير وفي المهجر.

وكالعادة دوما، وفي ظل الظروف الاستثنائية الفارقة التي يعيشها الحزب سيما وسيف الاجتثاث الظالم لا يزال مسلطا على رقبته وعلى رقاب قيادته ورجالاته ومفكريه ومناضليه وسواعده الضاربة، وفي خضم الملاحقة والحظر والتشويه والتبشيع والشيطنة المستعرة، كان لا بد لكلام الرفيق المناضل عزة إبراهيم أن يكون مختلفا، وأن يكون كذلك شاملا عميقا دقيقا مكثفا وسلسا مرنا واضحا لا لبس فيه ولا ضبابية ولا قابلية فيه لحمله على غير محامله ووفق أهواء الصائدين في المياه الآسنة ومتحيني الفرص بمناسبة وبدونها ليصوبوا سهام حقدهم تجاه الحزب ولصدور أبطاله المناضلين.

ولما كان الأمر كذلك، كان الخطاب الذي أذيع يوم ١١ - ٠٤ - ٢٠٢٠ بتأخير سبق التنويه إليه بسبب جائحة الكرونة وما خلفته من تضييق كبير على الحركة علاوة على اعتبارات أمنية خاصة بتأمين الخطاب كوثيقة أولا ولجهات إيصاله والعاملين على ذلك ثانيا، خطابا تاريخيا خاصا بل إنه وبعيدا عن المبالغات وغير ذلك، كان وثيقة استراتيجية بالغة الخطورة وضعها الرفيق القائد بين يدي الأمة على مختلف أصعدتها حكاما ومحكومين.

ولكون هذا الخطاب يعج بالفقرات والأفكار والرؤى والمواقف التي يتوجب الوقوف عند كل واحدة منها على حدة، فإنه سيكون من الإجحاف بمكان في حق الخطاب أولا، وفي حق القارئ ثانيا، أن يجمع الخوض فيها مجتمعة في مقال متواضع واحد.

وبناء عليه، فقد آثرنا الغوص في مكنونات هذا الخطاب في حلقات لنتجنب الإطالة أولا ولنتجنب التقصير في تناول أي من فقراته ومضامينه فنعجز بالتالي ونفوت الفرصة لاستخلاص العبر والدرر التي اكتضت بها رسالة رأس البعث وقائده للأمة وللبعثيين وللضمير الإنساني، كما آلينا أن نعنون كل فسحة في ثنايا هذا الخطاب وكل رحلة في آفاقه بكلمة منه لنحاول فهمها على الوجه الذي أراد الرفيق القائد شرحه وتبيانه وإبرازه.

لعل من بين أهم ما شدني في كلمة الرفيق القائد عزة إبراهيم بمناسبة الذكرى ٧٣ لتأسيس حزب البعث - وإن كان الخطاب جميعه وحدة متناسقة لا يمكن تسبيق فقرة أو فكرة عن غيرها أو إيلاء اهتمام بهذه دون تلك - هو قوله :

( أخطاء البعث رغم أنها مؤلمة وما كان على قيادة البعث ارتكابها، فإنها لا تمثل نقطة في بحر إنجازاته. )
فماذا فيه تحديدا؟ ولم أرى الوقوف مليا عنده ضروريا؟

لعل من بين أهم ما تعرض له الحزب من جملة ما حف بمسيرته النضالية الكفاحية سيما منذ الغزو البربري للعراق سنة ٢٠٠٣ وإلى اليوم، هو قطعا حملات التشويه والشيطنة التي لم تنقطع حيث تداعت لإدامتها وضخها بلا توقف مئات كبريات المنابر الإعلامية سواء المسموعة أو المقروءة أو المكتوبة بالإضافة لمئات المواقع والصفحات الإلكترونية، فلم تعدم الجهات الراعية لتلك الحملات ضد البعث حيلة ولا كذبة ولا فرية إلا وأطنبت في ترديدها وبثها والتشديد عليها بغية تثبيتها والارتقاء بها فيما بعد من مرتبة الادعاءات والأباطيل إلى مرتبة الحقيقة عملا بالقول المأثور ( أشع الكذبة وأدمها تصبح حقيقة ويصدقها الناس ).

ولما كان الكذابون في حاجة للظهور بمظاهر العفة والصدق ليلبسوا عن طريقهما على العامة، فلقد اعتنوا بكل شاردة وواردة في تاريخ الحزب، وضخموها فيما بعد واجتزؤوها وقطعوها وركبوها على نهج رجال السينما، ثم أعادوا صياغتها وفق سيناريوهات خبيثة ثم عرضوها على أنها حقائق مطلقة.ولقد استعانوا في عملهم الإجرامي ذلك بكل من هب ودب، وبكل من كانت له علاقة بالحزب أيا كان شكلها، وبمن تماس مع البعث ولو عرضيا، وسخروا الأموال لمن أقبلوا على هذه المهمات القذرة، وغرروا بهم بفعل ما وفروه لهم من فرص للظهور والتظاهر في مظهر الضحية أحيانا أو المحللين أحيانا أخرى أو غير ذلك.

وعليه، غدا الطعن في البعث متاحا للجميع، ومسألة على غاية من اليسر، يكفي لبلوغه التطوع لخدمة المشروع الاحتلالي الإجرامي للغزو الأمريكي.

ولما كانت موازين القوى غير متكافئة، ولما كان التعتيم المسلط على البعث ورجالاته على أشده، ولما كانت الردود البعثية على سيول المغالطات والافتراءات والتزوير لا تكاد تمثل شيئا أمام الهجمات المستمرة عليه حيث شكل سيف الاجتثاث الأمريكي وانخراط أغلب الجهات قوميا وإقليما ودوليا فيه، عائقا حقيقيا أمام البعث، لم يكن متاحا له أن يعقب ويرد على ما يطاله من تجريح وأكاذيب وتبشيع.

ولما كان الحال كذلك، تمكنت القوى العالمية المناهضة للبعث لأسباب عديدة معلومة في غالبها، من تثبيت تلك المغالطات ونجحت في الإساءة للبعث نجاحا واضحا حتى ليكاد البعث يقترن في أذهان الناس بما يستوجب التبرء منه والترغيب عنه دون تبصر أو تدبر.

وفي الواقع، ورغم كل هذا، فلقد مكنت الهوامش الضئيلة التي تمكن البعث والبعثيون من الولوج إليها من تفنيد السواد الأعظم من تلك الأكاذيب التي اصطنعها الأعداء ورددها بشكل ببغائي سمج الموتورون والحاقدون على البعث والكارهون له والمغتاظون منه لنقص فادح فيهم ولخواء مدمر ينخر رؤوسهم الخاوية، وكان تفنيد البعث لما لحقه من تشويه مغرض متعمد يتم عبر عرض الحقائق كما هي وبسرد التاريخ كما هو وتنزيل الأمور في إطارها، فكان لذلك أثر كبير في تقليص فاعلية الحرب الإعلامية القذرة التي فتحها عليه أعداؤه وأعداء الأمة، كما كان لصمود البعث وثباته رغم ما عصفت به من نوائب ومصائب الدور الأكبر في نفض الغبار على الوقائع وبالتالي نجح البعث في لجم الهجمات المسعورة عليه.

وفي الواقع، تجدر الإشارة إلى خصلة فريدة وموهبة فارقة ميزت البعث عما سواه من حركات وأحزاب سياسية لا على الصعيد القومي فحسب بل وعلى المدى الأممي، ألا وهي عدم تنصل البعث من إرثه ومسيرته الحافلة بنجاحاتها وبإخفاقاتها التي حرص الأعداء على النفخ فيها وتهويلها تهويلا كبيرا، رغم الهزات العنيفة التي فرضت عليه وعملت على تقويضه وإنهائه.

ولم يكتف البعث بذلك مطلقا، بل حافظ في ظل هذه الوضعيات الدقيقة التي حشر فيها نظرا لطبيعة الصراع المفروض، على سمة من سماته الثورية الأهم والأبرز، ألا وهي النقد والنقد الذاتي.

ولم تكد تمر مناسبة إلا وأسهب البعث في عرض نقده الذاتي، وكان ذلك على لسان أعلى الهرم البعثي الممثل في الرفيق القائد المناضل عزة إبراهيم الأمين العام للحزب.

هكذا إذن، سما البعث وعلا بعيدا متعففا على السفاسف وعلى الرهانات والحسابات السياسوية الضيقة، وأطلق العنان لروحه الثورية النقية الأصيلة المتمرسة لتفيض تصويبا وتعديلا وتحديثا وحتى اعتذارا متى توجب الأمر ذلك دونما تردد أو تلكئ ولا سعيا لإرضاء جهة ما أو لكسب محدود ودونما خشية في المقابل من تحريف لمقاصده من ذلك، ولم يكن يدفعه في ذلك كله إلا الثبات على المبادئ والوفاء لطبيعته وتنشئته الثورية الأصيلة، فراح البعث وقائده يحدد النقائص والزلات في مسيرة تمتد لما يناهز ثلاثة أرباع قرن من الزمان، وهي المسيرة التي لا يمكن مطلقا أن تخلو من وهن هنا وتعثر هناك، ذلك أن الفعل البشري معرض بطبعه للصعود والهبوط وللإصابة والخطأ، وهل البعث إلا مجتمع بشري تسري عليه الأحكام ذاتها التي تسري على غيره؟

ولكن في المقابل، يفرض ههنا سؤال مهم وخطير نفسه فرضا قويا :
هل من بين كل الأحزاب والحركات السياسية في العالم وخاصة تلك الأحزاب المعروفة بأنها عقائدية ومنظمة، من قدم نقدا ذاتيا متتابعا صريحا ومكشوفا؟
وهل من بين الأحزاب من مر بالظروف المعقدة والمجاوزة لمديات التخيل كالتي مر بها البعث؟

الجواب ببساطة : كلا .. لا .. أبدا ومطلقا.

إن حزبا يجابه حصارا دوليا مطبقا، ويجز رقاب مناضليه سيف الاجتثاث الأمريكي الأسود جزا، ويحرم من إبلاغ صوته بين الأصوات، ويتعرض للتنكيل والملاحقة ليلا نهارا، من المستحيل أن يفكر في عرض نقده الذاتي على الملأ.

لكنه هو البعث .. حزب الرسالة، وحزب الأمة، وحزب الأمانة، وحزب الأصالة والثبات والشموخ، يصنع الاستثناء دوما، ويغرد خارج سرب الرديئين والانتهازيين والوصوليين وشذاذ الآفاق وقطاع الطرق والمجرمين السفاحين القتلة مصاصي الدماء مستعبدي البشر ومبغضي الحياة وأعداؤها وأحبة الظلام كما يقول شاعر تونس الخالد أبو القاسم الشابي.

هو البعث وحده من يفعل ذلك ..
وهو قائد البعث والمؤتمن على مسيرته وإرثه وتاريخه المجيد، الوحيد القادر على أن يصدح على الملأ بما يتوهم الخراصون والمترددون والمناسباتيون ونخاسو السياسة ومتصيدو الفرص ويظنون أنه عصي على من خبرته سوح المعارك الحاسمة والمنازلات المصيرية الكبرى أن يصدح به.

جاءت هذه الكلمات المفاتيح في الخطاب متناسقة مع مضمونه ومع السياق العام الذي يتنزل فيه، وكانت متلائمة مع ما حواه من تعريف بالحزب وعرض لمسيرته ونهجه النضالي العام وذلك في تمهيد للدخول في تفاصيل الأوضاع التي يعيشها العراق اليوم وتعيشها أيضا الأمة ككل، فربط بينها وبين الادعاء المغرض الخبيث الذي تتناقله ألسن لا تفقه ما تقول وتحبرها أقلام حبرها مسموم دساس مدسوس، والذي يربط ربطا سمجا ركيكا ميكانيكيا مبتذلا بين ما جرى وبين بعض قرارات نظام البعث في العراق وخاصة ما عرف بقضية الكويت، رغم ما تم توضيحه بشأنها بإطناب شديد في خطابات ومناسبات سابقة.

كلمات مفاتيح، تسفه التجريم المتعمد للبعث بقصد ودونما قصد، وتحاول تلطيخ سمعته الناصعة وتعمد إلى التشويش على أدائه المبهر المعجز وتصديه لأعنف المواجهات والاعتداءات الدامية في تاريخ البشرية كله.

كلمات مفاتيح، تجلي الحقائق، بل وتزيد من تنقيتها وتهذيبها لتبرزها على وجهها الأمثل كما هي، فتردع المتقولين من الأعداء، وتعيد فريقا ( وإن كان هامشيا عددا وعدة ) من الرفاق الذين فعلت فيهم الحملة النفسية الإعلامية المغرضة على البعث فعلها، كل لأسباب خاصة به ليس المجال الوقوف عندها.

كلمات مفاتيح هي تلك الكلمات المدوية التي تصدح بأخطاء قيادة البعث وتعترف بأنها ارتكبت فعلا، بل وتقر بأنه ما كان يتوجب ارتكابها من الأساس.

وهنا تحديدا، علينا الوقوف جليا عند ميزة أخرى من ميزة البعثي الرسالي الطلائعي الانقلابي.ففي كلمات الرفيق القائد عن أخطاء القيادة، لا ينبغي بحال من الأحوال التغافل عن كون المتكلم بهذا الوضوح وبهذه الجرأة كان جزءا أصيلا من تلك القيادة منذ عقود، بل وتقلد فيها مراتب متقدمة وبالغة الخطورة والحساسية.

وعليه، نصافح في البعث بهذه الروحية الثورية الرقراقة وبهذه الذهنية الصافية الشفافة، شجاعة لا نظير لها، وجرأة لا حد لها.

نعم أخطأت قيادة البعث، ولكنها لم تتعمد الخطأ، ولم تخطئ حبا بالخطأ، ولكن كان للظروف المتشاجرة والمعقدة دور كبير في هذا، وهذا ما لمح له الرفيق القائد دون التصريح المباشر، والتلميح دون التصريح تقليد عربي أصيل اختص به العرب دون سواهم وحبتهم به لغتهم البديعة، بل والتلميح أبلغ من التصريح عندهم.

إننا لا نحاول تكييف الكلمات وفق الأهواء، ولكن مضمون الخطاب يعلن عن ذلك صراحة ويحدث به بجلاء كبير، ولا يفوت ذلك لبيب.

ففي الخطاب الذي نقر ونزعم أن من مفاتيحه كلمات الرفيق القائد المناضل عزة إبراهيم والمتعلقة بخطأ القيادة، دفع ورد وصد لربط ما جرى ويجري في العراق والأمة وما خص به البعث تحديدا، وبين تلك الأخطاء، لأن استهداف العراق والبعث والعرب مخطط معد منذ زمن، وغاياته أعمق وأخطر من أن تبنى على خطأ هنا أو هناك، فهو - أي ذلك الاستهداف - إنما مرجعه الأطماع الاستعمارية القديمة المتجددة في الوطن العربي والتي لا تتوقف، والحقد على العروبة وتاريخها المجيد الزاخر وعلى تراثها الحضاري والثقافي وغير ذلك.

ولعل إصرارنا على التحجج بأسلوب التلميح دون التصريح المبين أعلاه، هو بقية تلك الكلمات التي حكمنا عليها بأنها كلمات مفاتيح حيث كانت :

( أخطاء البعث رغم أنها مؤلمة وما كان على قيادة البعث ارتكابها، فإنها لا تمثل نقطة في بحر إنجازاته. )

إن النقد الذاتي الذي يقدمه رأس البعث، ما كان ليكون سليما ودقيقا ومضبوطا لو لم يحمل في ثناياه توكيدا لا مخاتلة فيه، يشدد على أن تلك الأخطاء ومهما حاول البعض تهويلها والنفخ فيها، فإنها لا تمثل نقطة في بحر إنجازات البعث.

والتوكيد على إنجازات البعث الذي اختاره الرفيق القائد المناضل عزة إبراهيم، إنما هو في حقيقته توبيخ وتقريع مباشر للعاكفين على شنآن البعث وتعظيمه، حتى لكأنه يسألهم السؤال المعجز :

( أفلا ترون إلا تلك الأخطاء؟ أوتعمى أبصاركم وبصائركم عن بحر إنجازات البعث؟ ألا تتحرون الدقة والموضوعية والنزاهة فيما تعلق بالبعث يوما؟ )

إن إنجازات البعث التي يثبتها الرفيق القائد شيخ المجاهدين في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى ٧٣ لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، هي التي استجلبت معسكر الشر العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وتوابعها، لتعيق مسيرة البعث في العراق، ولتقبر مشروعه القومي العربي النهضوي التحرري الذي عدته التوصيات والمقررات الاستراتيجية في العالم الاستعماري منطقة حمراء محرمة لا يجوز للعرب مجتمعين أو في ساحات معينة أن يتخطوه.

وإن إنجازات البعث - وهي البحر كما عبر عنها قائد الحزب وأمينه العام الرفيق عزة إبراهيم - لا تخفى إلا على جاهل أو عميل، ذلك أنها غطت كل ربوع الأرض العربية وتفيأت ظلالها أقسام واسعة من أبناء العرب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وإن إنجازات البعث وهي البحر، لا يمكن لأخطاء قيادة البعث إلا أن تكون نقطة فيها ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون شماعة وممحاة تمحو الجرائم العنصرية الوحشية التي ارتكبها أعداء الأمة، فيبرؤها بذلك بعض بياعي الضمائر وبعض أدعياء المعرفة، ليلقوا في المقابل بالخطأ كله على البعث فيصبح الجلاد ضحية وتغدو الضحية جلادا.

وإن إنجازات البعث القومية وعلى مستوى العراق، لهي البحر فعلا، وإنه ليضيق المجال لتعدادها في هذه الفسحة المتواضعة، وإنها لو تدبر فيها العربي اليوم بعقل متأني متبصر وبروح متدبرة منصفة أمينة لا غل فيها ولا أحقاد، لهرول للنهل من معينها الذي لم ينضب وإن شحت موارده لبرهة، ولطالب العرب أينما كانوا بتعميمها وإحيائها ولاستنجدوا بالخبرات والعقول التي حققتها، ولاعتصموا بها لأن لهم فيها معالم خلاص محتم ونصر كبير وعز وسؤدد دائمين بإذن الله.

هي إنجازات بحجم البحر، وهي بحر إنجازات.
هكذا كانت إنجازات البعث، وهكذا يباهي بها البعث، وهكذا يخاطب بها قائد البعث أمته ورفاقه ومحبوه.

ويكفي للبرهنة على كونها كذلك أن نشير من باب الذكر لا الحصر لبعض إنجازات البعث، فنؤشر على قضائه على الأمية في العراق تماما بعدما فجر فيه الثورة العلمية الكبرى فخلق جيشا جرارا من العلماء والمهندسين والكفاءات العلمية بمقاييس عالمية مشهود لها، وكيف فتح العراق زمن البعث جامعاته ومعامله ومصانعه وأراضيه أمام الطلبة والكسبة والعمال العرب بامتيازات المواطن العراقي كافة، وكيف جعل عراق البعث من نفط العراق نفطا لكل العرب، وكيف طور وعمر وشيد وارتقى بالبنية التحتية في العراق حتى غدا العراق منافسا جديا لأعرق دول العالم المتقدم، وكيف أمم الثروات بعد حرب طاحنة ضد كبريات الشركات الاحتكارية العالمية، وكيف سعى لتحصين الجبهة الداخلية وتوحيدها فمنح الأكراد في العراق حكما ذاتيا ظل استثناء في بقية الدول التي تنتشر بها القومية الكردية، وكيف أسس جيشا مهنيا عقائديا وطنيا وقوميا تجشم أخطر مهمات الدفاع القومي وأبلى بلاء خالدا في جميع معاركها فوقى دمشق من السقوط بيد الصهاينة رغم خيانة نظامها المعروفة، وكيف رد عدوان السنغال على موريتانيا، وكيف أنه تصدى للحملة الإيرانية الفارسية الصفوية الخمينية الشعوبية على العراق والأمة، وكيف أنه ساهم في حماية المقدسات العربية والإسلامية لما تجاسر الفرس على مكة المكرمة بمدلولاتها ومكانتها وثقلها، وكيف حمى اقتصاديات تونس والأردن والسودان ومصر من الانهيار في أكثر من مناسبة، وكيف ناضل في سبيل تحرير الأحواز العربية ووفر كل سبل الدعم لشعبها العربي البطل، وكيف ساعد اليمن في كل الأزمات التي ألمت به عسكريا واقتصاديا، وأما عن فلسطين فحدث ولا حرج.

فإن كان هذا غيض من فيض إنجازات البعث، فكيف يستوي القفز فوقها والوقوف فقط عند بعض الأخطاء التي ارتكبتها قيادة البعث؟

وهاهو البعث بكل جرأة وإقدام ممثلا في أعلى هرمه يعترف ويقر بأن مسيرته شابها ما شابها من الأخطاء، فهلا امتلك من دأبوا على التباكي على تلك الأخطاء، نزرا ضئيلا من الشجاعة واعترفوا بمنحزات البعث وبمسيرته الحافلة إيثارا ونضالا وجهادا ومقاومة وشهداء وأسرى؟

وهلا كفوا ألسنتهم عنه؟





الثلاثاء ٢١ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب انيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة