شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد مرور شهرين على انطلاق الحراك الشعبي الذي بتواصل بأشكال مختلفة، ما تزال الأبواب موصدة أمام الاستقبال السلطوي للمطالب الإصلاحية التي رفعها الحراك، وإنه باستثناء استقالة الحكومة لم يسجل اختراق جدي في جدار المنظومة السلطوية، وهذه الاستقالة لم تكن هدفاً بحد ذاتها، بل مدخلاً لإعادة تشكيل سلطة تحاكي في برنامجها المطالب الشعبية التي رفعتها الانتفاضة.

إن اعتبار الحكومة مستقيلة ، لاستقالة رئيسها لم يفتح المجال أمام البدء بتأليف حكومة جديدة وفق الآليات الدستورية، بل أضاف للأزمة البنيوية الشديدة التعقيد أصلاً، تعقيداً جديداً تمحور حول دوامة التكليف والتأليف وأيهما الأسبق.

وهذه مسألة ستبقى مفتوحة على الزمن لافتقار النص الدستوري إلى تحديد المهل المتعلقة بالدعوة لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة وتلك المتعلقة بالتأليف ولهذا لا يمكن الجزم بمواعيد زمنية محددة لإطلاق آليات التكليف والتأليف.

وحتى يتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة الموقد الحكومي يبقى الاشتباك السياسي قائماً بين الانتفاضة بما تطرحه من عناوين للإصلاح في بنية النظام، وبين المنظومة السلطوية التي تراهن على الوقت لامتصاص زخم الشارع الذي فاجأ الجميع بقوة نبضه وخاصة في أسابيعه الأولى.

لقد بات واضحاً أن المنظومة السلطوية تمانع في الاستجابة للمطالب الشعبية علماً أنها في كثير من المواقع تزايد على الحراك وتطرح نفسها على أنها متقدمة على الشارع في مطالبه لكن في الواقع العملي ترى في ما تعتبره تنازلاً عن مكاسبها سيفتح كوة في جدارها سرعان ما تتوسع فجوته عند استئناف الشارع لضغطه مما سيؤدي إلى هدم الجدار الذي تتحصن وراءه وهذا ما تسعى المنظومة السلطوية تداركه تجنباً للتداعيات المستقبلية على مصالحها وامتيازاتها.

لقد بات واضحاً، أن الانتفاضة بقواها التي تتحرك على قاعدة برنامجها الوطني التغييري تدرك جيداً، أن القوى السلطوية تستند بمواقفها إلى كتلة صلبة قادرة على تحريكها في اللحظة المناسبة.

وأن هذه القوى التي يغلب على تركيبها البنيوي الطابع الطائفي والمذهبي، ليس من مصلحتها حصول اختراق في البنيان السياسي للنظام ، وهي بالتالي تحمي بعضها بعضاً، وتقدم التنازلات المتقابلة في بينها ولا تقدم على تقديم بعض منها للحركة الشعبية التي حرمت من تأكيد حضورها في المشهد السياسي بسبب القانون الانتخابي الأسوأ بين القوانين الانتخابية.

كما أن قوى الانتفاضة وخاصة كتلتها الصلبة التي يضبط حراكها برنامج سياسي واضح، تدرك جيداً، أن الدولة وأن كانت ضعيفة، إلا أن النظام الطائفي القائم على المحاصصة الطائفية هو نظام قوى وعميق وأن فكفكت عقده لا تتم دفعة واحدة بالنظر إلى موازين القوى السائدة.

لذا فإن المقاربة الموضوعية للأزمة بأسبابها وتداعياتها تملي الأخذ بعين الاعتبار عوامل التثقيل الأساسية للوضع اللبناني والتي تندرج تحت عنوانين : الأول تثقيل اقتصادي اجتماعي، والثاني تثقيل سياسي.

وإذا كان واحد من هذين التثقلين كافٍ لتقويض الركائز للبنيان المجتمعي، فكيف إذا اجتمعا وضغطا على بنيان منخور بالفساد ؟ أن النتيجة ستكون الانهيار الشامل ولذلك فإن تفادي الوصول إلى هذا الانهيار لا يكون بإعادة إنتاج النظام لنفسه مع بعض التدوير للزوايا بل بتحقيق رزمة من الاصلاحات تبدأ :

١ - إقرار قانون انتخابي وطني عادل نسبي وخارج القيد الطائفي يتم بالاستناد إليه إعادة تكوين السلطة بدءاً بالسلطة الاشتراعية.

٢ - إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية تأكيداً للمبدأ الدستوري الذي ينص على الفصل بين السلطات.

٣ - سن قانون استرداد الأموال المنهوبة ووضع نظام ضريبي تصاعدي عادل.

إن هذه القوانين الثلاثة فيما لو قيض لها الإقرار فإنها ستفتح المجال أمام الشعب ليدخل في عملية تنافسية متكافئة في الانتخابات النيابية، وسيمكن السلطة القضائية بممارسة وظيفتها بعيداً عن أية وصاية سياسية عليها، وبما يمكنها من البت بملفات الفساد والفاسدين والقوانين اللبنانية النافذة تغطي بأحكامها إجراءات تنفيذ المحاسبة وتفعيل الأجهزة والمؤسسات الرقابية.

إن قوى الانتفاضة التي تحمل مشروعاً وطنياً للتغيير، لا تريد تقويض ركائز النظام،لأن الاجتماع السياسي يحتاج إلى نظام بل تريد إسقاط النظام الطائفي القائم على المحاصصة، وإقامة النظام الديموقراطي الذي يرتكز على قواعد المساواة في المواطنة وتحترم في ظله الحريات العامة.

كما أن الانتفاضة لا تسعى لإسقاط الدولة، بل تريد تمكين الدولة لتمارس دورها كدولة رعاية اجتماعية وحماية اقتصادية تتوفر منها كل شروط الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، كما توفر للمواطن اللبناني كل مقومات الاستقرار الاجتماعي.

هذه الإصلاحات فيما لو تحققت، سوف تععم مفاعيلها الإيجابية على كل الشرائح الاجتماعية ومنها الشرائح التي تعتبرها القوى السلطوية بيئة شعبية حاضنة لخطابها السياسي.

وبدون ذلك أن الحراك وأن خمد أو أخمد سوف يعود للاشتعال وبزخم أقوى وعلى من هم في موقع السلطة أن يدركوا أن ثمة شيئاً جديداً قد حصل ويجب أخذه بعين الاعتبار في رسم ملامح المرحلة السياسية الجديدة.





الثلاثاء ١٣ ربيع الثاني ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة