شبكة ذي قار
عـاجـل










ان جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية تؤكد على صون حقوق الانسان وحفظ كرامته وعدم المساس بها باي شكل من الاشكال ، باعتبارها تستند الى المبــــــاديء الاخلاقية والمعاييرالاجتماعية ومرتبطة ارتباطاُ مباشراُ بهوية الانسان ومكـــــــــان وجوده.

فالاعتراف بكرامة الانسان لدى الاسرة البشرية وبحقوقها المتساوية هي الركيزة الاساسية لمبدأ الديمقراطية وتحقيق العدل والسلام في العالم .

وفي المقابل فان التغاضي والاقصاء والتهميش والاجتثاث واغفال حقوق الانسان سيفضي للتنكر للمبادئ الأساسية للحريات العامة التي أقرتها القوانين الدولية ومن ثمة يفضي حتماً الى احداث كوارث واعمال همجية ضد الانسانية.

لذلك اكدت جميع المباديء القانونية الصادرة عن الامم المتحدة التي تضمنتها والتزمت بها الدساتير والقوانين والاوامر الصادرة عن الحكومات والمستندة على تلك المباديء بضرورة احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية.

ونورد بهذا الصدد بعضاً من تلك المباديء والتشريعات ومن اهمها ما يلي :

١. الاعلان العالمي لحقوق الانسان : حيث ورد في المواد ( ١ ، ٢ ، ٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ) منه التاكيد على احترام كرامة الانسان والمساواة بين جميع البشر وحرَّمَت اي شكل من اشكال التمييز والاقصاء لاعتبارات الانتماء السياسي او العرقي او الديني او المذهبي او المناطقي .

وأكدت المادة ( ١٩ ) بشكل خاص على ان لكل شخص حرية الرأي والتعبير والحق في قول كل ما يفكر به وفي تداول المعلومات والمطالبة بحياة افضل ، وله الحق في الاتفاق او عدم الاتفاق مع الحكومات القائمة على السلطة ، وكذلك التعبير عن هذه الاراء ان تطلب الامر بجميع الوسائل والاحتجاجات السلمية.

وان ممارسة هذه الحقوق بدون خوف او تدخل غير قانوني امر اساسي للعيش في مجتمع منفتح ومنصف ، مجتمع يمكن فيه للناس الحصول على العدالة والتمتع بحقوقهم الانسانية.

٢. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية :

ان الهدف من وراء صدور هذا الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية هو اعطاء تفصيل اكبر حول ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ويشتمل على عبارات اكثر تفصيلاً ولكنها متشابهة في المحتوى فيما يتعلق بحرية الفكر والمعتقد والتعبير عنها حيث ورد فيه ما يلي :

أ‌ - لكل انسان الحق في اعتناق اية اراء دون مضايقة.

ب‌ - لكل انسان الحق في التعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في طلب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين دونما اية اعتبارات للحدود سواء أكان ذلك على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او باية وسيلة اخرى يختارها.

٣. الاعلان الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة عام ١٩٨١ :

نص الفصل الاول وفي المواد ( ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٦ ) منه ، على ازالة كل اشكال عدم التسامح والتمييز المبنية على الدين والمعتقد.

وان لكل شخص الحق في حرية اعتناق مايراه من الاديان بدون ضغط او اكراه وكذلك له الحق في حرية الرأي والتعبير واعتناق الاراء بدون اية ضغوطات.

٤. المواثيق الاقليمية : اكدت العديد من المواثيق على ضمان وحماية حرية التعبير عن وجهات النظر والمعتقدات والافكار واطلاق ما يجول في الخاطر وكما في المواثيق التالية :

أ‌ - الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان حيث نصت المادة ( ١ ) منها على حماية حرية التعبير على مستوى الدول الاعضاء الموقعين على الاتفاقية.

ب - الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب حيث تضمنت المادة ( ٩ ) منه ضمان الحق نفسه في حرية التعبير على مستوى الدول الاعضاء الموقعين على الميثاق.

ج - الاتفاقية الامريكية لحماية حقوق الانسان حيث نصت المادة ( ١٣ ) من الاتفاقية على انه ( لكل انسان الحق في حرية الفكر والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف انواع المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين دونما اعتبار للحدود سواء شفاهة او كتابة او طباعة او في قالب فني او باية وسيلة اخرى يختارها ).

٥. اعلان ( فِييَنّا ) الصادر عام ١٩٩٣ في المؤتمر الذي عقد هناك حول الاقليات للفترة من ١٤ - ٢٥ / يونيو / ١٩٩٣ حيث قضى البند الثاني في الفقرة ( ب ) منه ، على انه لابد من القضاء على جميع اشكال التعصب والتمييز القائمين على اساس الدين والمعتقدات.

الزامية تلك المعاهدات والمواثيق :

وما يبعث على التساؤل هو مدى تطبيق هذه المعاهدات والمواثيق الدولية الداعية لحرية التعبير دونما المساس بالثوابت الاساسية وكذلك انشاء حاجز يحد من المساس بحقوق الانسان الأساسية المرتكزة على الحرية والعدل وتحقيق السلام.

وحيث ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا يعدّ معاهدة ملزمة للدول الاعضاء الا انه قرار يوصى به تم تبنيه من قبل الجمعية العمومية للامم المتحدة.

ومع مرور الزمن ومن خلال القبول العالمي لجميع الدول الاعضاء به ، فقد ارتقــــى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الى مستوى القانون الدولي العرفي وبشكل خاص المادة ( ١٩ ) منه المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.

لذلك فقد اصبحت ملزمة لكافة الدول الاعضاء.

المردودات الايجابية من تطبيق المعاهدات والمواثيق الدولية على المستويين الدولي والمحلي :

تعد حرية الفكر والتعبير امراً رئيسياً لتنمية حياة وتحقيق كرامة كل شخص ، حيث يفهم وينفتح الانسان على كل ما يحيط به في العالم الاوسع من خلال تبادل الافكار والمعلومات بحرية ، ويجعله قادراً على تخطيط حياته بشكل افضل.

اما على المستوى المحلي او الوطني فان حرية التعبير ضرورية وعلى الحكم الرشيد أن يحترمها، لما لها من آثار إيجابية تنعكس على أدائه، وكذلك على علاقته بالمجتمع وإدارة شؤونه، ومن أهم تأثيراتها ما يلي :

١. تساعد على ضمان توكيل ادارة الدولة الى الاشخاص الاكثر كفاءة ونزاهة وفي ظل الديمقراطية يؤدي النقاش الحر داخل وبين الاحزاب السياسية الى كشف نقاط قوة وضعف كل منها ، وهذا يمكن الناخبين من اتخاذ قرارتهم الواعية حول من هو الشخص الاكثر اهلية لادارة البلد.

وتساعد حرية وسائل الاعلام كل من الحكومة والمعارضة على كشف الفساد و الاختلالات الاخرى.

٢. ازالة مخاوف المواطنين من التعبيرعن افكارهم بدون خوف او تردد.

٣. ضمان النظر بدقة في اي من السياسات او التشريعات الجديدة ومن خـــــــــلال النقاشات يستطيع افراد الشعب ممن تتوفر لديهم اراء مفيدة حول اية قضية ان يوصلوا الى الحكومة الافكار التي تدور لدى عامة الناس في الشارع.

٤. التشجيع على تنفيذ حقوق الانسان الاخرى وبالتالي تحسين السياسة الحكومية في كافة المجالات بما في ذلك حقوق الانسان السياسية والاجتماعية ولفت الانتباه الى انتهاكــــــات حقوق الانسان.

وبمقاربة كل ماورد اعلاه على الحالة العراقية التي يعيشها المواطن العراقي في ظل الحكومات المتعاقبة ما بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣ وحتى الان ، نرى ان الفاسدين والمستبدين الذين تولوا مقدرات البلاد المتمثلة بحكومات المنطقة الخضراء العميلة قد كرّسوا خطاب الكراهية والتحريض والاقصاء والتهميـــــش والاجتثاث بين ابناء البلد الواحد واساءوا استخدام السلطة بغية اسكات اصوات المعارضين لها ولسياساتها الفاشية المرتبطة باجندات اقليمية من خلال سن قوانين تجرِّم حرية التعبير.

وغالباً ما يكون ذلك تحت غطاء مكافحة الارهاب او بحجة حماية الامن الوطني او الدين عبر تكريس الطائفية.

وازاء حالات الفساد التي استشرت ونخرت في الجسد العراقي من خلال افراد السلطة الحاكمة والاحزاب والميليشيات المرتبطة بها وكبح الحريات وممارسة كل وسائل الاقصاء واجتثات الاحزاب الوطنية والقومية التي ساهمت في بناء الدولة العراقية قبل الاحتلال وكذلك اقصاء الشخصيات الوطنية المؤثرة على الساحة العراقية عن القيام باي دور مؤثر او استلام اية مسؤولية، وافقار ابناء هذا البلد وسلب خيراته لمصلحة الطبقة السياسية وخدمة لاجندات اقليمية متمثلة في جارة السوء ايران التي احتلت العراق وتحكمت في القرار السياسي العراقي ، فقد انبرى ابناء العراق الغيارى المخلصين لوطنهم وفي مقدمتهم شباب العراق الابطال في التعبير عن مطالبهم وحقوقهم المشروعة في بناء عراق وطني حر بعد ان شاهدوا باعينهم كيف ان العراق قد ارتهن واصبح ولاية ايرانية تتحكم به أجهزة المخابرات الإيرانية بواسطة ذيولها المتصدرين للعملية السياسية الخائبة.

ان هذه الوقفة الشجاعة التي وقفها ابطال العراق الاشاوس كانت للتعبير عن رفضهم لكل اشكال التسلط والعبودية والهيمنة الايرانية على الشارع العراقي قد تمت بالرغم من القيود المفروضة عليهم من قبل السلطات السياسية الغاشمة المتمثلة بالقتل المتعمد وبدم بارد وحالات الخطف والقاء القبض والمضايقة والملاحقة القضائية وانفاذ القوانين الجائرة غير المستندة الى اساس قانوني صحيح.

الا ان تلك الاجراءات القمعية جوبهت من قبل المتظاهرين الابطال في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات الجنوبية ومحافظات الفرات الاوسط وبقية المحافظات بصمود اسطوري رائع قل نظيره في كل ساحات التظاهر والاحتجاجات في العالم، وضربوا اروع الامثلة في التصدي للقوات الحكومية الخائبة وميلشياتها المرتبطة بايران من خلال مناداتهم بسلمية التظاهرات معرضين انفسهم وبصدور عارية لكل انواع الاسلحة الفتاكة والمحرم استخدامها دولياً ، وهم مستمرون حتى يتحقق هدفهم المنشود في القضاء على الفاسدين والمتسلطين على رقاب الشعب واسترداد هذه الوطن السليب واعادة مجده العريق ليكون منارة للعرب والمسلمين ويكون العراق العظيم بقيادة ابنائه البررة الاصلاء كما كان السد المنيع للبوابة الشرقية للوطن العربي.

وجراء هذا الضغط الشعبي الهائل لابناء العراق الاصلاء في مواجهة حكومة المنطقة الخضراء العميلة والمطالبة باسقاطها واسقاط العملية السياسية الخائبة وكذلك اسقاط الاحزاب السياسية المرتبطة بها وتشكيل حكومة مؤقته للاشراف على انتخابات حرة ونزيهة ، فقد اعلن رئيس الوزراء عن تقديم استقالته.

وكجزء من مساعي المماطلة والتسويف وتحت ضغط شباب الثورة العراقية فقد اعلنت رئاسة تلك الحكومة العميلة قبل استقالتها عن مشروع قانون انتخابي جديد اعدته على اساس انها عازمة على اصلاح الدمار والخراب الذي كانت للحكومات المتعاقبة وميليشاتها المجرمة مابعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣ الدور الاساسي في ذلك الخراب ، وتظاهرت حكومة الاحتلال على أنها استجابت لمطالب المتظاهرين، فاصدرت مشروع قانون لمعالجة الوضع.

ولو تفحصنا مشروع القانون الجديد لوجدناه نسخة لاتختلف عن القانون السابق في الاقصاء والتهميش وتكريس الطائفية ويكفل عودة الفاسدين والاحزاب الحاكمة وميليشياتها المجرمة الى السلطة.

حيث تقضي الفقرة ثانيا من المادة الثامنة من مشروع القانون الجديد على منع المشمولين بما اسموه بقانون المساءلة والعدالة من الترشيح لعضوية مجلس النواب.

وهذه الفقرة جاءت مخالفة لكل الدساتير والمعاهدات والاعراف الدولية السالف ذكرها والتي تشير الى ان حرية الفكر والتعبير مكفولة للجميع وبدون اقصاء او تهميش.

والادهى من ذلك ان المشرع لهذا القانون قد اوقع نفسه في خطأ التعارض بين النصوص القانونية ، حيث نصت المادة الرابعة منه على ان :

( الانتخاب حق لكل عراقي ممن تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون لممارسة هذا الحق دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي ).

وفي الختام فان كل ما يصدر عن هذه الحكومة العميلة سوف يتم الغاؤه بعون الله تعالى وهمة الغيارى المخلصين من ابناء هذا الشعب العظيم وفي مقدمتهم شباب العراق المنتفضين في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات الجنوبية ومحافظات الفرات الاوسط والمحافظات الاخرى التي ستلحق بركبهم في القريب العاجل ان شاء الله للتخلص من هذه الحكومة العميلة وميليشياتها المجرمة وتحقيق استقلال العراق الناجز وحرية ابنائه ليبنوا نظاماً ديمقراطياً حقيقياً ينسجم مع روح العصر ويليق بتاريخ العراق الحضاري العريق ودوره الريادي في النهضة المعاصرة للامة العربية.





الثلاثاء ٦ ربيع الثاني ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / كانون الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المنبر الثقافي العربي الدولي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة