شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل أن ينطلق الحراك الشعبي في ١٧ تشرين الأول، كانت فكرة إصدار عفو عام موضوعة قيد التداول، وبعد انطلاق الانتفاضة طرحت الفكرة بقوة أكبر حتى أنه جرت الإشارة إليه كبند من بنود ما سمي بالورقة الإصلاحية التي طرحها رئيس الحكومة كخارطة طريق لحل الأزمة ببعديها السياسي والاقتصادي.

هذه الفكرة كان لها روداها نظراً لكثرة المستفيدين من مفاعيل العفو، ولأجلها نصبت خيم في ساحة الاعتصام وشكلت لجنة متابعة، كان واضحاً أن العفو العام الذي كان يكثر الحديث عنه قبل الانتفاضة يشمل بمفاعليه ثلاث فئات من الأحكام والملاحقات القضائية والقانونية.

الفئة المتعلقة بالمخدرات، زراعة وتعاطياً وتجارة وترويجاً والفئة المتعلقة بما بات يدرج تحت مسمى "الموقوفين الإسلاميين" والفئة المتعلقة بملف التعامل والذي يقصد منه الذين تعاملوا مع العدو الصهيوني أثناء احتلاله.

كما يلحظ جرائم أخرى مصنفة مخالفات او جنح او جنايات، أما إعفاء شاملاً، او تخفيفاً وأما استثناء من مفاعيل العفو.

لكن أياً كان المضمون الذي تنطوي عليه أحكام قانون العفو فيما لو صدر وشمل بمفاعليه بشكل أساسي الفئات الثلاث التي جرت الإشارة إليها، فإن ما كان واضحاً أن ثمة محاصصة كانت وراء التسويق له كي يأخذ طريقه الى الإقرار والتنفيذ، باعتبار أن الفئات الثلاث التي يشملها العفو العام بأحكامه، محسوبة بشكل او بآخر على ثلاثة مكونات في التركيب السلطوي.

إن إصدار قانون عفو عام كان مدرجاً ضمن رزمة مشاريع او اقتراحات القوانين التي صنفت إصلاحية ولم يتسن للجلسة التشريعية أن تعقد بسبب الاعتراض الشعبي.

فهل إصدار عفو عام ينطبق عليه تشريع الضرورة حتى يدرج ضمن رزمة الاقتراحات والمشاريع التي كان يراد تمريرها في جلسة المجلس النيابي؟

بداية، نحن من الرأي الذي يقول أنه لا يجوز للمجلس ممارسة صلاحية التشريع العادي في العقد العادي الثاني.

لأن هذا العقد تخصص جلساته لمناقشة مشروع الموازنة العامة، والمادة ٣٢ من الدستور شديدة الوضوح بهذا الخصوص وايضاً المادة ٥٣ من نظام المجلس، ولذلك فإن التشريع العادي في العقد الثاني هو عمل مخالف للدستور خاصة وأن مشروع الموازنة أحيل إلى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية.

وأما بالنسبة لقانون العفو، فإن العفو نوعان، عفو خاص يمنحه رئيس الجمهورية بمرسوم خاص، وأما العفو العام فلا يمنح إلا بقانون وهذا ما نص عليه البند ( ٩ ) من المادة ( ٥٣ ) من الدستور.

أما لماذا نص الدستور على منح العفو العام بقانون، فلأن المسألة تتعلق بالانتظام العام، وهذا العفو وأن كان يشمل بمفاعليه فئة معينة من المستفيدين منه، إلا أن الغاية الأساسية منه تكمن في جعل مفاعليه تنتج أثارها في تعزيز ركائز الاستقرار الاجتماعي العام أي أن وظيفته الأساسية ذات بعد وطني شامل.

متى تصدر قوانين العفو العام
إن قوانين العفو العام، تصدر عادة في حالتين :

الأولى، عندما يكون النظام السياسي رئاسياً او ملكياً بصلاحية واسعة حيث للرئيس او الملك صلاحية إصدار المراسيم التشريعية التي ترتقي بقوتها قوة القانون، فيقوم الرئيس او الملك على إصدار عفو عام في مناسبات يختارها، أما عندما يتبوأ سدة الرئاسة او إعادة انتخابه،أو سياسية عند جلوس الملك على العرش، او في مناسبات دينية او وطنية او غيرها.

اما الحالة الثانية، فتصدر قوانين العفو عادة عندما يخرج البلد من حالة سياسية.

ويدخل في حالة أخرى ( من مثل الحروب وخاصة الأهلية منها ) بحيث تنخرط المكونات المجتمعية او الاجتماعية في صراع في ما بينها،.

وفي حالات الاضطراب والصراعات ينهار النظام العام، ولا يعاد الاعتبار له إلا بعد الخروج من الوضع السياسي المضطرب او المحكوم بالاحتراب إلى وضع آخر محكوم بضرورات السلم الأهلي السياسي والاجتماعي.

هنا تبرز الضرورة لإصدار عفو عام لتوفير ركيزة تعزز السلم الأهلى ويكون سبيلاً لإعادة التأهيل المجتمعي والوطني.
وبالتالي يكون العفو ركيزة من ركائز البناء السياسي الجديد.

ويدخل قانون العفو ضمن رزمة الإجراءات التي تعزز ركائز الاستقرار الاجتماعي، عبر احتواء كل الأثار السلبية التي نتجت عن تداعيات انهيار النظام العام وفتح صفحة جديدة من العلاقات المجتمعية وحكم القانون.

أما إذا صدر عفو عام في فترة الاضطراب او الاحتراب السياسي والأمني، فإن الأمر لا يعدو كونه رشوة تقدم لغايات ومصالح السياسية محددة، وبالتالي يبطل أن يكون ذو وظيفة اجتماعية ووطنية تهدف إلى تعزيز ركائز الاستقرار و التأهيل الاجتماعي.

وهذا ما ينطبق على مشروع قانون العفو الذي يطرح حالياً وفي لحظة التوتر السياسي السائدة حالياً.

صحيح أن العفو العام يسقط كثيراً من الأحكام والملاحقات ويخفف بعض العقوبات، بحق مرتكبي أعمال جرمية.

لكن إذا لم تزل الأسباب التي وفرت البيئة والمناخ لإرتكاب مثل هذه الأعمال، فإن من استفاد من مفاعيل العفو ووجد نفسه في ذات مواصفات البيئة التي فرضت عليه ارتكاب أعمال مخالفة للقانون، سيعود إلى التكرار وبالتالي فإن منحه العفو تسقط عنه خاصة إذا ما نص القانون على ذلك.

وعليه فإن مشروع او اقتراح القانون يجب سحبه من التداول كي يعاد درسه وتمحيصه وتجاوز الثغرات الكثيرة فيه، وأن يكون من ضمن رزمة الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تلغي او تضيق من هامش مناخات البيئة السلبية التي دفعت المواطن للخروج عن قواعد النظام العام وليس قبلها لأن عكس ذلك هو بمثابة رشوة شعبية وسياسية وبالتالي آملتها الاعتبارات السياسية وليس الحاجة الوطنية لإعادة الانتظام العام، وإذا كان من ضرورة لإصداره فيجب أن يقر استناداً إلى معطى الانتفاضة الشعبية وما رفعته من عناوين للبناء الوطني القائم على حكم الشفافية والمحاسبة والمساءلة لمنظومة الفساد السلطوي والملخصة بشعار "كلن يعني كلن".





الاحد ٤ ربيع الثاني ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة