شبكة ذي قار
عـاجـل










اكتب اليوم هذا المقال حتى اوضح من وجهة نظري بعض الأمور التي تخص الحالة بين الولايات المتحدة وإيران اليوم وتوقعات وتكهنات الكتاب والمتابعين والمستفيدين والمتضررين من حرب محتملة.
ابدأ اولا وعلى نحو سريع ومختصر فأقول إن أغلب ما قرأت في الصحف التقليدية والصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لا سيما مما كتبه العراقيون، اقول أغلبه وليس كله يندرج تحت إطار التحليل السريع المبني اساسا على موقف عاطفي مسبق من القضية.

فأما رأي يعبر عن حالة مفرطة من الأمل في أن أمريكا ستقوم بعمل عسكري يؤدي في حدوده الدنيا إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة ولا سيما العراق. ولا يستند هذا الموقف الى معطيات تاريخ العلاقة الأمريكية الإيرانية ولا يستند الى تاريخ المنطقة القريب والتي خيضت فيها عدة حروب كانت الولايات المتحدة طرفا مباشرا في اثنتين منها على الأقل وطرفا غير مباشر فيما تبقى. ولا يأخذ بنظر الاعتبار الوضع الداخلي الأمريكي الذي يعاني من انقسام كبير بينما يسيطر الديمقراطيون، الذي سمح رئيسهم السابق اوباما لإيران بالهيمنة على المنطقة، على الكونغرس اليوم الذي يحتاجه الرئيس في حال أن تم توجيه أية ضربة لإيران. ولم يأخذ بنظر الاعتبار ايضا الموقف المفكك للاتحاد الأوربي بشأن الوضع في الخليج وطريقة الحل، لا سيما وأن بريطانيا اليمينية مشغولة جدا بموضوع الخروج من الاتحاد الاوربي وهي تواجه احتمالية الدعوة إلى انتخابات مبكرة بسبب استقالة تيريزا ماي والتي يمكن أن يخسرها المحافظون لصالح حزب العمال الذي يشبه موقفه من العمل العسكري ضد ايران موقف الديمقراطيين في الولايات المتحدة الامريكية. ولم يأخذ هذا الرأي تباعد الرؤى الخليجية اليوم وضعف الموقف الخليجي بسبب حالة استبعاد قطر من القرار الخليجي. ولم يأخذ بنظر الاعتبار الخطوات التي تمت لحد الان من صفقة القرن وما تبقى منها وغيرها من متغيرات لا تسعها مقالة واحدة هنا. ولكن اهم تساؤل لم يجبه اصحاب هذا الإتجاه، وهو هل انتهى دور إيران الملاتية؟ وان الغرب يبحث عن دور إيران الليبرالية بعد أن مرت أربعين عاما على سقوط الليبرالية في إيران؟. وفي كلا الدورين كانت إيران ذراعا حقيقية لتنفيذ مخططات غربية، أمريكية تحديدا على نحو مباشر وغير مباشر.

واما رأي مخالف تماما يستند إلى علاقة كاثوليكية بين الصهيونية والفارسية المجوسية تستند إلى افضال كورش الملك الفارسي الذي أنقذ اليهود من براثن العبودية للبابليين بعد أن سباهم القائد العراقي نبوخذ نصر. ولا ينكر أحد أن اليهود اناس يحترمون التاريخ ويهتمون باعدائهم وأصدقائهم التاريخيين ولكن مما لا يأخذه اصحاب هذا الرأي بالحسبان هو أنه لا يهود الامس كيهود اليوم ولا إيران الامس كإيران اليوم. ونقول اختصارا في هذا أن من يحكم الكيان الصهيوني اليوم هم مجموعة من اللادينيين والليبراليين تحركهم قوى اقتصادية جبارة وتستخدمهم لإثارة الخوف والهلع في المنطقة العربية من أجل اختطاف ثراوتها الظاهرة والكامنة كما تستخدم إيران الملاتية للغرض ذاته، ليطبق الخوف على هذه المنطقة من غربها وشرقها. ولم يأخذ اصحاب هذا الرأي بمتغيرات الصراع بين الكيان الصهيوني وجهات صغيرة اراد لها الغرب أن تخربش هذا الكيان من أجل تقويته في الداخل وإزاحة خطر الحرية والديمقراطية الكاملة عن مجتمعه والتي تنذر لو توفرت بأنهاء هذا الكيان داخليا. ولم يأخذ ايضا بتطورات الوضع في العراق وسوريا واليمن والبحرين ونيجيريا وكينيا والصومال وافغانستان والتي تشير جميعها بما لا يقبل الشك الى تعاظم النفوذ الإيراني إلى الدرجة التي تجعله مقلقا اذا لم يكن خطرا على الوجود الامبريالي الرأسمالي في هذه الدول. لم يأخذ ايضا تعاظم خطر التحالف الروسي الصيني والذي استفاد جدا من النفوذ الإيراني ليدخل الى مناطق ما كان ليدخلها من دونه. هذا التحالف الذي يمثل اليوم اخطر ما يمكن أن يهدد دوام حال السيطرة الإمبريالية على العالم بعد غياب الحرب الباردة اثر انحلال الاتحاد السوفيتي وعمقه الاوربي الشرقي. ولم يأخذ أهمية العلاقة المتنامية بين إيران الراديكالية وامريكا الجنوبية الاشتراكية في الساحة الخلفية للولايات المتحدة الامريكية. ولم يأخذ بنظر الاعتبار الجزء الحقيقي من خطر التسلح الإيراني المتنامي عبر الأربعة عقود الماضية. واهم شيء غفله اصحاب هذا الرأي هو، وحتى ولو كان التحالف عظيما بين الغرب الامبريالي والصهيوني والشرق الفارسي فإن ضعف الجبهة الداخلية للملالي وبروز حقيقة احتمالية سقوطهم من الداخل باي وقت بسبب السخط الشعبي الهائل والذي عبرت عنه على نحو دقيق الانتفاضة الإيرانية عام ٢٠٠٩ ، يؤدي وبلا أدنى شك الى ظهور فكرة استبدال النظام الراديكالي الموالي الضعيف بنظام ليبرالي قوي مؤيد من قبل الأغلبية حاقد على كل ما هو مسلم وعربي لتهيئة اربع قرون جديدة من الصراع بين الليبرالية الفارسية المدعومة من الغرب المؤيدة الكيان المسخ وبين الساحل العربي الممثل بدءا بالعراق وانتهاءا بالخليج واليمن. ولا يأخذ أخيرا بشروط ومتطلبات استمرار لعبة السيطرة على أسعار النفط ( آخذين بنظر الاعتبار ان المنطقة لديها اكثر من نصف مخزون العالم من النفط ).

اخيرا وعلى وفق هذه القراءة اقول ان العالم تحكمه معايير نعرف بعضها، ونتصور بعضها، ونجهل تماما بعضها الآخر. ولكن لكل منا سعيه على أساس مبتغاه. وعلينا حتى نصل الى درجة موثوقية تصل إلى على الأقل الى خمسين بالمائة علينا أن نضع كل ما سبق أمام أعيننا ونحن نحلل ماذا يحصل في المنطقة وماذا سيكون في حرب الخليج الرابعة؟





السبت ٢١ رمضــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أيــار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. محمود خالد المسافر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة