شبكة ذي قار
عـاجـل










كما الحال في لبنان، هي الحال في العراق، اشهر تمضي على إجراء انتخابات نيابية، ولا يتمخض عنها تشكيل حكومة وهذا التشابه في الحالتين لم يأت من فراغ بل من تشابه في الأساس السياسي الذي يحكم العملية السياسية وآليات توزيع المواقع في هرمية المؤسسات السلطوية.

فالنظام اللبناني تحكمه أساساً قواعد الطائفية السياسية التي نمت جيناتها في الجسم السياسي اللبناني منذ حكم المتصرفية، واستمرت تتطور مع التطور العام الذي طرأ على مسار الحياة العامة، إلى أن رست على ركائز تضرب جذورها في التربة السياسية دون أن تستطيع اقتلاعها حركة الاعتراض الوطني التي بقيت دون القدرة على قطع الجذور العميقة.

هذه الطائفية التي ترجمت محاصصة سياسية، أصبحت هي الناظم الأساسي للحياة السياسية وتحولت مع الزمن من ثقافة سياسية للنخب الحاكمة، إلى ثقافة شعبية بعد ارتفاع منسوب الخطاب المذهبي، الذي تغذى من معطى الوضع الداخلي ومعطى الوضع الخارجي الدولي و الإقليمي الذي وجد في النفخ في بوق التعبئة المذهبية والطائفية، الوسيلة الفضلي، لبلورة هويات طائفية ومذهبية على حساب الهوية الوطنية واستطراداً الهوية القومية الجامعة وهذا ما أدى ويؤدي إلى أضعاف المقومات الأساسية للدولة، عبر أضعاف مؤسسات الدولة الوطنية الارتكازية، وما زاد الأمور سوءاً، أن النظام الطائفي في لبنان، أعيد أنتاجه عبر إعادة تأسيس السلطة الاشتراعية على أساس قانون انتخابي، حافظ على روحية النظام الأكثري الذي كان معمولاً به، لكنه أضاف إليه علة جديدة هي تشويه مفهوم االنسبية، وفرض الاقتراع المذهبي ضمناً عبر ما سمي بالاقتراع بالصوت التفضيلي، وهكذا بقي لبنان أسير التجاذبات في ظل توازنات الطوائف وضمور لا بل ضعف تأثير المركز الوطني الجاذب، فأصبح لبنان كالعربة المربوطة إلى أكثر من قاطرة تشد في اتجاهات مختلفة. ومن يراقب الأداء السياسي للقوى التي تعتبرنفسها ممثلة للشعب، لا يجد كثير عناء ليرى البعد الشاسع بين مصالح الناس ومصالح القوى المتنفذة والتي لا يهمها سوى تمرير الصفقات وأخرها صفقة الكهرباء التي كشف النائب ياسين جابر زاوية من جبل جليدها.

وما يقال عن الكهرباء يقال أكثر منه عن النفايات والمحارق والفساد والهدر وسوء الإدارة وكلها كانت عوامل أدت إلى تصنيف لبنان دولة فاشلة، ودولة تحتل المراكز الأولى في فقدان الشفافية والحوكمة، وتتبوأ موقعاً "متقدماً" في مؤشر تصنيف الدول الفاسدة، ولذلك ،أن تتعثر محاولات تشكيل الحكومة فهذا أمر طبيعي، لأن بلداً تحكمه قواعد المحاصصة الطائفية، سيبقى أسير هذه التجاذبات وأياً كانت النتائج السلبية التي تنعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي.

هذا الواقع الذي ينوء اللبنانيون تحت أعبائه، لايفوقه سوءاً سوى الواقع الذي ينوء العراقيون تحته أيضاً لكن الفرق أن كان موجوداً، هو أن وحوش الطائفية السياسية في لبنان باتوا أكثر قدرة على إدارة ملفاتهم نظراً للخبرة المتراكمة لديهم وقدرتهم على تدوير الزوايا، فيما وحوش الطائفية السياسية في العراق، هم حديثو النعمة وحديثو الخبرة، فضلاً عن كون الجبنة العراقية أكثر دسماً من الجبنة اللبنانية، والعراق في المقاييس السياسية والشعبية والوطنية والقومية والإقليمية أهم من لبنان، ولهذا يبدو الاستفراس على النهب على العراق أكثر وضوحاً منه في لبنان، لأنه ما يزال في بداية إرساء دعائم نظام المحاصصة الذي وضعت أميركا أسسه عند احتلالها للعراق، ويرعاه اليوم النظام الإيراني الذي لا يكتفي بتغوله في كل مفاصيل الحياة بل يعمل لتقسيم المقسم وطبعاً على أسس مذهبية متماهية مع طبيعة النظام الحاكم في طهران.

وإن تتعثر محاولات إعادة تركيب الهرمية السلطوية في مؤسسات الحكم في العراق، فلأن المحاصصة هي الأساس الذي يبنى عليه كل حراك سياسي في إطار ما يسمى بالعملية السياسية. وأن كل فريق من الذين أفرزتهم العملية الانتخابية لا هم له إلا تحقيق أعلى نسبة من المنافع والمكاسب لجماعته وأن تجربة خمسة عشر عاماً من بدء الاحتلال، أثبت أن الذين تناوبوا على حكم العراق هم سارقون وحرامية ولصوص نهبوا ثروة العراق وحولوها إلى حساباتهم الخاصة والى حسابات مشغليهم من إيرانيين وأميركيين، ولم ينل شعب العراق من ثروة بلاده إلا الفتات الذي لا يشبع ولا يغني، وأن تنفض جماهير العراق على الواقع المزري الذي تعيشه، وتحول انتفاضتها التي انطلقت تحت عناوين القضية الاجتماعية، إلى انتفاضة ذات بعد وطني عبر استحضار عناوين القضية الوطنية، فلأنها أدركت أن الذين ينصبون حكاماً للعراق ليسوا إلا دمى تديرهم أجهزة التحكم الخارجية وخاصة الأجهزة الإيرانية.

من هنا، فإنه كما الثقة معدومة بإمكانية الإصلاح السياسي في لبنان في ظل هذه المنظومة الحاكمة فإن الأمر نفسه ينطبق على المنظومة الحاكمة في العراق لأن المنظومتين لا يمثلان الإرادة الشعبية الحقيقية. حيث لبنان حكمت إعادة تكوين مؤسساته السلطوية قواعد نظام انتخابي طائفي، والعراق الذي قاطعت جماهيره مسرحية الانتخابات النيابية، يفتقر الذي يجتمعون تحت قبة البرلمان إلى مشروعية التمثيل الشعبي، كما إلى مشروعية التمثيل السياسي كونهم مجرد دمى تديرهم أجهزة التحكم من الخارج. و كل هؤلاء الذين يتصارعون ظاهرياً على عدد الحقائب في لبنان وعلى تشكيل الكتل في العراق هم من طينة واحدة، ومن عجينة نظام المحاصصة الطائفية والهدر والفساد والإفساد. ولذلك فإن المراهنة لا تصح على إمكانية إصلاح سياسي بواسطة هذه المنظومات بل لا بد من إسقاطها، في لبنان بإعادة تكوين السلطة على أساس قانون انتخابي على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي والدائرة الوطنية الواحدة وفي العراق عبر إسقاط العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال ومن ثم إعادة تكوين السلطة بدءاً بالغاء كل النتائج التي ترتبت على الاحتلال الأميركي ومن ثم الاحتلال الإيراني .

وهذا هو طريق الإصلاح في الحد الأدنى والتغيير في الحد الأقصى وبدون ذلك سيبقى لبنان كما العراق يحتلان المراكز الأولى في تصنيف الفساد والمراكز الأخيرة في تصنيف الشفافية والحوكمة.





الاثنين ١٤ محرم ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أيلول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة